أعلنت وزارة الشؤون الخارجية المغربية رسمياً عن تعيين قنصلين اثنين لها في العاصمة الليبية طرابلس ومدينة بنغازي شرق البلاد ضمن حركة قنصلية واسعة تشمل تعيين 23 قنصلاً مغربياً في مختلف دول العالم في ضوء مساعي الرباط إلى تنشيط الحركة القنصلية بشكل عام. وتأتي هذه الخطوة بعد أكثر من 8 سنوات من التوقف عن العمل في ليبيا إثر استهداف سفارتها هناك في عملية إرهابية (أبريل 2023) تبناها تنظيم داعش.
اللافت أن المغرب أعلن عن تعيين القناصل الجدد لدى ليبيا من دون تحديد ما إذا كانت ستباشر العمل القنصلي من مقاراتها القديمة أم أنها ستختار مواقع جديدة لها، فعلى مدار العامين الأخيرين وفي أعقاب تشكيل حكومة الوحدة الوطنية (أبريل 2021) توالت الزيارات المغربية لتقييم الوضع الأمني في ليبيا وتقدير ما إذا كان يسمح باستئناف العلاقات الدبلوماسية والقنصلية، وبالتالي من المتصور أن تلك الخطوة ستحتاج لبعض الوقت لدخولها حيز التنفيذ.
الوسيط النزيه
وتمتع المغرب بعلاقات جيدة مع الفرقاء الليبيين، وذلك على الرغم من استمرار الانقسام الليبي في ظل استمرار الأزمة السياسية في البلاد، إلا أن المغرب لديه علاقات متميزة بين الأطراف في شرق وغرب ليبيا، حيث ينظر إلى أن المغرب يلعب دور “الوسيط النزيه” في العملية السياسية الليبية، فقد كان المغرب هو عنوان أول وأبرز عملية سياسية ليبية (اتفاق الصخيرات 2015) والحوار الوطني الليبي في بوزنيقة (سبتمبر 2020) التي تشكل في ضوئها حكومة الوحدة الوطنية الليبية، ثم استضافتها مؤخراً (مايو – يونيو 2023) للجنة 6+6 المعنية بوضع القوانين الانتخابية الليبية.
محركات دافعة
ويرى اتجاه في الأدبيات أن عملية البدء باستئناف العمل القنصلي يشكل بادرة مغربية لاستئناف العلاقات الدبلوماسية بشكل طبيعي من ليبيا في المستقبل، وذلك في ضوء عدد من الدوافع من أبرزها:
1- الاستجابة لمطالب الجالية المغربية في ليبيا: حيث تشير التقديرات المغربية إلى أن هناك جالية مغربية كبيرة في ليبيا يتراوح عددها ما بين 50-60 ألف مواطن مغربي، والعديد منهم لديه علاقات مصاهرة بشكل متبادل، في حين أن توقف العمل القنصلي يعطل استخراج وتجديد الأوراق الرسمية الخاصة بهذه الجالية. وكان ممثلو الجالية قد اقترحوا في وقت سابق تشكيل لجنة قنصلية مغربية في معبر رأس جدير على الحدود التونسية الليبية، إلا أن هذا المقترح ثبت عدم جدواه بالنظر إلى عدم قدرة العديد من المغاربة المتواجدين في شرق ليبيا ومناطق أخرى على الوصول إلى أقصى غرب ليبيا لمباشرة احتياجاتهم القنصلية، وتشكل ما يعرف بالقنصلية المتنقلة التي كانت تباشر عملها بشكل مؤقت من آن لآخر في طرابلس فقط.
2- زيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين: وهو ما أشار إليه مسؤولون مغاربة تعليقاً على قرار إعادة التمثيل القنصلي الليبي، حيث تمت الإشارة إلى أن هناك عدداً كبيراً من التجار المغاربة لديهم الرغبة في العمل بالسوق الليبية، إلا أن غياب التمثيل الدبلوماسي والقنصلي المباشر كان يحول دون ذلك. وفي نوفمبر 2020 وقعت غرفة التجارة الليبية في طرابلس عدداً من الاتفاقيات مع غرف التجارة المغربية (طنجة – تطوان – الحسيمة) بهدف تنمية التبادل التجاري بين البلدين والذي لا يزال منخفضاً (نحو 100 مليون دولار). كما يستضيف المغرب في العام الجاري منتدى الأعمال الليبية المغربية بمشاركة 100 شركة ليبية للمرة الأولى، فيما يعتقد أن وجود آليات دبلوماسية وقنصلية مباشرة سيسهم في تحقيق قفزة في حجم التبادل التجاري بين البلدين.
3- مقدمة لإعادة التطبيع الدبلوماسي الكامل مع ليبيا: تقتصر الرباط في المرحلة الحالية على خطوة تعيين قناصل في ليبيا وعدم اقتران تلك الخطوة بإعادة افتتاح السفارة على غرار معظم الدول، ولا يعتقد أن المغرب ستقدم على خطوة التطبيع الكامل قبيل نجاح العملية السياسية الليبية، فتعيين دبلوماسيين سيشكل تطبيعاً كاملاً مع حكومة الوحدة الوطنية ودعماً لها في المرحلة الحالية، وهو ما قد يؤثر على دور المغرب كوسيط محايد ما بين كافة الأطراف، خاصة وأن المغرب قد تكون قبلة الساسة الليبيين في المرحلة المقبلة لتشكيل حكومة ليبية موحدة تنهي وجود حكومة الوحدة الوطنية.
4- تحسن نسبي في الأوضاع الأمنية بليبيا: في الوقت الراهن أعلنت العديد من دول العالم عن عودتها إلى فتح سفاراتها في ليبيا على إثر التحسن النسبي في الوضع الأمني، سواء في الشرق أو الغرب الليبي، ومن ثم تواكب المغرب هذه الحركة بقرار إعادة العمل القنصلي من ليبيا أولاً قبل أن تستأنف التمثيل الدبلوماسي المباشر بشكل كامل، في حين تتأنى الرباط في إعادة فتح السفارة هناك، والتي ستظل خطوة مؤجلة لحين استقرار البلاد أمنياً.
5- مواكبة المغرب لعودة العلاقات الدبلوماسية الجزائرية الليبية: فقد أعادت الجزائر فتح سفارتها في ليبيا في ديسمبر 2021، وتشير المصادر الليبية إلى أن نظرة المغرب إلى هذه الخطوة على قدر من الأهمية، كما تشير تقارير مغاربية إلى أن الرباط تراقب عن كثب تطورات العلاقات الليبية – الجزائرية، بالإضافة إلى بعض الملفات التي تهم الجانب المغاربي في ظل توتر العلاقات المغربية الجزائرية أيضاً ولا سيما الملف الأمازيغي، فالأمازيغ في ليبيا يرتبطون بعلاقات أفضل مع نظرائهم في المغرب على عكس علاقتهم المتوترة مع الجزائر. واللافت في هذا السياق أن الرباط أعلنت عن تسمية قنصل لها في وهران الجزائرية في بادرة يعتبرها بعض المراقبين المغاربة أنها تعكس سياسة “اليد الممدودة” لرأب الصدع القائم في العلاقة ما بين البلدين، بينما يقول آخرون إن الهدف إداري تماماً في ظل وجود جالية مغاربية هناك.
عودة متدرجة
خلاصة القول، من المتصور أن المغرب يسعى لتمهيد عودة استئناف نشاطه الدبلوماسي الكامل في ليبيا بخطوة استئناف العمل القنصلي، وعلى الرغم من أن المغرب لاعب رئيسي في العملية السياسية الليبية باستضافة فعالياتها العديدة بعيداً عن الأضواء، إلا أن المغرب تأخر في تلك الخطوة مقارنة بالعديد من دول العالم ولا سيما الدول العربية التي أعادت فتح سفاراتها في ليبيا وتطبيع العلاقات الدبلوماسية بشكل كامل معها، إلا أن المغرب يتحفظ على تلك الخطوة لتأمين دوره الدبلوماسي المحايد في العملية السياسية الليبية.