الكثيرون يتحدثون عن لحظة الخليج العربي في التاريخ، وهم بذلك يرمزون إلى الثقل العالمي الذي أصبحت دول مجلس التعاون الخليجي تتمتع به في الآونة الأخيرة. فمن التطور الحضري السريع، إلى إرسال رواد إلى الفضاء، مروراً بالثورة التقنية التي شملت جميع مناحي الحياة وحوّلت مدن الخليج العربي إلى مدن عصرية، كانت النقلة هائلة وسريعة بالنسبة لمجتمعات كانت تُعرف دوماً بأنها مجتمعات محافظة.
والأهم من تلك التطورات المحلية هو بروز الخليج العربي على الساحة الدولية كشريك فاعل وليس في القضايا الدولية، يمارس دوره في الوساطة لإيجاد الحلول لقضايا العالم السياسية والاقتصادية والإنسانية والمناخية. فمن اتفاقية الأخوة الإنسانية إلى عقد الشراكات الدولية المتنوعة إلى احتضان المؤتمرات العالمية المؤثرة مثل مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيُّر المناخ (كوب 28)، فإن ما حدث ويحدث يستحق الدراسة والتأمل للوصول إلى صورة حقيقية للدور الخليجي الجديد والمأمول ويقدم لنا لمحة عن مستقبل المنطقة.
عبر التاريخ كانت منطقة الخليج دوماً تحت المجهر الدولي، فقد مرت به أحداث عظام وشهدت مياهه صراعات دولية عديدة، لكن في المقابل فقد شهد إنشاء مراكز تجارية وحضارية جذبت إليها دول كبرى ومستثمرين من كافة انحاء العالم جاؤوا إلى المنطقة مدفوعين بالرغبة في تحقيق شراكات ومصالح استراتيجية واقتصادية واستثمارية متنوعة.
لقد أعادت منطقة الخليج العربي تموضعها وصولاً إلى الشراكة في صنع المتغيرات والتوازنات الدولية عبر الانفتاح على جميع دول العالم. وما يميز المنطقة أنها استطاعت أن تجمع مصالح العالم وأن تكون نقطة التقاء للبشر من جميع الأطياف. ولقد نجحت بقوة فائقة في أن تكون نقطة جذب ديمغرافي واقتصادي واستثماري قل مثيلها في العالم. وقد تم كل ذلك وفق خطط تنموية فائقة حققت قفزات نوعية على المستويين العربي والعالمي.
كل هذه التطورات أدت إلى بروز معطيات جديدة لدى أبناء المنطقة أبرزها الوعي العام بأهمية دورهم في البناء السياسي والتنموي والاقتصادي والاجتكاعي والثقافي وأنهم جزء منه مع ضرورة التكيف مع التغير وأهمية التكاتف لبناء مجتمع قادر على المنافسة مع الآخر. إذاً ما تغير في منطقة الخليج ليس البيئة الحضرية فحسب، بل الإنسان نفسه الذي انغمس في عملية البناء بكل معطياتها، مع المحافظة على أصالته وموروثه الثقافي والاجتماعي وقيمه وعاداته وأصبح مدركاً لتأثيره الكبير في محيطه العالمي. الشراكات الكبرى التي تعقد بصورة دائمة والتحالفات والدور الملموس لدول الخليج لعبت دوراً أساسياً في إيجاد الحلول للقضايا العالمية المتشابكة علاوة على الأهمية الاقتصادية الكبرى التي تتمتع بها دول الخليج في دفع المنطقة للبروز ودفع العالم للتنافس لعقد الشراكات النافعة مع هذه الدول. هذا الوضع جعل دول الخليج مدركة أكثر من أي وقت مضى أهمية الأمن والسعي نحو استقرار المنطقة.
لقد كان لخطط التنمية والمواقف المتوازنة في المنطقة مردودها المؤثر على العالم بأسره، حيث وضعت دول الخليج يدها في يد حلفائها نحو عالم أكثر استقراراً وأماناً. بالإضافة إلى ذلك فقد ساهمت دول الخليج المنتجة للطاقة في استقرار سوق الطاقة العالمية بطريقة زادت من احترام العالم لها وثقته في مقدرتها على التأثير الإيجابي في السوق العالمية. ولقد ساهمت للشراكات الاستراتيجية مع العالم في ترسيخ السلم والأمن الدوليين والتوجه نحو التنمية المستدامة، حيث عززت تلك الشراكات الدولية التكاتف بين العالم والقدرة على مواجهة التيارات التي تعصف به ومواجهة الإرهاب والتطرف الذي يهدد استقراره.
ولا يصبح العالم إنسانياً وقابلاً لأن يحتضن كل الأجناس والأطياف والأديان التي تعيش على أرضه بدون عقد معاهدات الأخوة والصداقة التي تنشر العدالة والإخاء في العالم، ولهذا تسير دول الخليج العربي في هذا المنحى، وتمد يدها لدول العالم الراغبة في التعايش السلمي، وتقدم نفسها كأنموذج حديث للتعايش السلمي بين الأديان. كل ذلك تؤهل المنطقة كلها لأن تدخل المستقبل بثقة وتوفر الأمن والأمان للعالم.
نقلا عن البيان