قمة التجديد والتغيير – الحائط العربي
قمة التجديد والتغيير

قمة التجديد والتغيير



ليس من قبيل المبالغة وصف قمة جدة بأنها قمة التغيير والتجديد، وأنها تشكل علامة فارقة فى تاريخ العمل العربى المشترك. فقد استحدثت، أولا، نهجا فى التعامل بصدد القضايا والأزمات العربية المطروحة يتأسس على أخذ القرارات بالتوافق، وليس بالضرورة بالإجماع. وثانيا، الأخذ بتوجه مبدئى لتسوية القضايا العربية فى الإطار العربى / العربى، وبمعزل عن القوى الخارجية، لوأد التدخلات الخارجية وتأمين وحدة أراضى الدول وسلامتها الاقليمية والمحافظة على مؤسساتها الوطنية، حتى لا تصبح دول وشعوبها رهينة للفوضى والتدخلات الخارجية. وثالثا، تناول غير مسبوق فى التعامل بصدد العمل العربى المشترك فى المجالات الثقافية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية وخاصة المرتبطة بالتنمية المستدامة، مستهدفة الحفاظ على الثقافة العربية والهوية العربية، مع احترام قيم وثقافات الآخرين دون تدخل فى الشأن الداخلى. وقد تجسد ذلك فى مبادرات متنوعة يتم تفعيلها على الأرض، تشمل مبادرة تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها ربطا بالجيلين الثالث والرابع للمهاجرين العرب، ومبادرة الثقافة والمستقبل الأخضر، ومبادرة سلاسل الإمداد للسلع الغذائية الأساسية للدول العربية، ومبادرة البحث والتميز فى صناعة تحلية المياه وحلولها، ومبادرة حاوية فكرية للبحوث والدراسات فى الاستدامة والتنمية الاقتصادية. وجميعها فى المجمل تعزز وتؤكد وتحافظ على الهوية العربية وخاصة الهوية العربية للجاليات العربية وغير العرب خارج المحيط العربى، وتسهم أيضا فى المجمل فى مواجهة تحديات الامن الغذائى والامن المائى للدول العربية وشعوبها، وتسهم فى دفع عملية التنمية المستدامة فى كل من الاقتصاد الاخضر والاقتصاد الازرق للدول العربية بدعم من مبادرة الحاويات الفكرية والبحوث والدراسات فى هذه الأطر، كروافد للتكنولوجيا الحديثة.

وفيما يتعلق بالقضايا العربية الساخنة، فقد كان هناك تأكيد ثوابت الموقف العربى بصدد القضية الفلسطينية باعتبارها القضية المحورية المرتبطة بتحقيق الامن والاستقرار فى المنطقة، مع التركيز على إبراز مخاطر ممارسات وانتهاكات الحكومة الإسرائيلية الممعنة فى التطرف، ضد الشعب الفلسطينى وحقوقه المشروعة. وقد دعت القمة المجتمع الدولى لتحمل مسئولياته لإنهاء الاحتلال، ووقف الانتهاكات المتكررة وحماية القدس ومقدساتها والوضع التاريخى والقانونى القائم فيها. وهى أمور تدعم فى المجمل التحرك العربى الفلسطينى الساعى للحصول على العضوية الكاملة لدولة فلسطين فى الامم المتحدة والمطالبة بحماية المدنيين، وتواصل التوجه لكل من المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية بصدد الانتهاكات والممارسات وحقوق الشعب الفلسطينى.

لقد استحدثت القمة أيضا وهى بصدد الحلول العربية للقضايا العربية، آليات للمتابعة والتنفيذ لما صدر عن قرارات وتفعيل دور الجامعة العربية فى هذا الصدد. فقد ارتبط بعودة سوريا للجامعة العربية، إنشاء آلية رباعية تضم كلا من مصر والسعودية والأردن والعراق0والأمين العام، وهى فى الواقع الامر الآلية التى اضطلعت بدور محورى فى التمهيد لتلك العودة والتى كان أبرز مخرجات جهودها بيان عمان الذى شكل الاساس لقرار العودة عبر منهج الخطوة مقابل خطوة، وأولها عودة النازحين واللاجئين السوريين .

كما استحدثت أيضا آلية للاسهام بدور عربى فى جهود تسوية الأزمة السودانية تشمل كلا من مصر والسعودية والأمين العام، للتشارك مع الآلية الثلاثية ( آلية المنظمات وهى الأمم المتحدة / الاتحاد الافريقى/ الإيجاد ) والآلية الرباعية (آلية الدول وهى السعودية / الامارات / المملكة المتحدة / الولايات المتحدة). وبتقدير أن هذا التحرك سينطلق من رؤية تستدعى مبدأ الشمولية فى العملية السياسية السودانية ، لتصحيح مسارها، وهو مبدأ نودى به من قبل وتم الإشارة اليه فى كلمات ألقيت بالقمة. أولا، شمولية آليات التيسير أو الوساطة لتشمل فى مكوناتها الآلية العربية بجانب الامم المتحدة والاتحاد الافريقى والايجاد، وشمولية مسار العملية السياسية لكل مكونات المجتمع المدنى ولايقتصر على قوى الحرية والتغيير المجلس المركزى/ الاتفاق الإطارى لينضم الى باقى مكونات المجتمع المدنى، وصولا لتوافق وطنى منشود لا يزل مفقود. إن التوافق المنشود أمر يسير حيث أكد المكون العسكرى بطرفيه المتصارعين التزامهما بالابتعاد عن الشأن السياسى، وكان ذلك مطلب القوى المعارضة والمتحفظة على الاتفاق الإطارى خاصة أن هذا الاتفاق قد فقد صلاحيته، وأضحى كأن لم يكن أوبحتمية إجراء تعديلات جوهرية عليه .وفيما يتعلق، بالموقف العربى بصدد ما يشهده العالم من تطورات إقليمية ودولية، فقد برز التوجه نحو الاخذ بالعمل العربى المشترك فى الإطار السياسى، بالتعامل مع الازمات الدولية، لمواجهة حالة الاستقطاب الدولى المهددة لمنظومة العولمة وما تدفع به نحو صراعات إقليمية ودولية.، تدفع نحو تبنى علاقات متوازنه ومنفتحة على دول الجوار العربى، ومع القوى والأقطاب الدولية المتصارعة, وهو الامر الذى تجسد فى العلاقات العربية مع دولتى الجوار ايران وتركيا، وفى علاقات الدول العربية مع كل من روسيا والصين والولايات المتحدة والاتحاد الاوروبى .وهى مقاربة تتيح للدول العربية الاضطلاع بدور إيجابى وبناء ـ ميسر ـ وساطةـ-لتهدئة الصراعات واحتوائها .لقد جاءت مشاركة زيلينسكى فى القمة، وخطاب بوتين للقمة ـ المتضمن عرض وساطة روسيا فى أزمات عربية ـ فى مجمل ما تقدم . كما برز التوجه نحو الاخذ بالعمل العربى المشترك فى الاطار الاقتصادى، بالاشارة الى ضرورة التنسيق العربى لإصلاح منظومة الحوكمة الاقتصادية العالمية ومن أبرزها مؤسسات التمويل الدولية التى يتعين عليها تفهم التحديات التى تواجه العالم النامى، ومن بينها دول عربية.

نقلا عن الأهرام