إجراءات مضادة:
ماذا يعكس مشروع القانون الأمريكي الجديد لمكافحة التطبيع مع سوريا؟

إجراءات مضادة:

ماذا يعكس مشروع القانون الأمريكي الجديد لمكافحة التطبيع مع سوريا؟



قدم مشرّعون من الحزبين الأمريكيين الديمقراطي والجمهوري، في 9 مايو 2022، مشروع قانون لمكافحة التطبيع مع نظام “بشار الأسد”، وهو يُعتبر تعديلاً يتم إدراجه في “قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا” الذي تم سريان عمله بدءاً من 17 يونيو 2020، والذي بمقتضاه يتم فرض عقوبات اقتصادية ومالية ومصرفية تستهدف بشكل أساسي الأفراد والأعمال التجارية التي توفر التمويل أو المساعدة للرئيس السوري بشار الأسد.

قيود ضاغطة

يطرح مشروع القانون الجديد (أو التعديل) العديد من القيود على الدول أو الجهات أو الأفراد الذين يتعاملون مع نظام الأسد، من أهمها ما يلي:

1- فرض عقوبات على أي حكومة تعلن الاعتراف بنظام الأسد وحكومته، أو تقوم بتطبيع العلاقات مع الحكومة السورية التي يقودها الرئيس “بشار الأسد”.

2- استخدام كافة الوسائل المتاحة لمنع أي أنشطة لإعادة إعمار المناطق الواقعة تحت سيطرة نظام الأسد.

3- إلزام الجهات الرسمية الأمريكية المعنية (مثل وزارة الخارجية الأمريكية ووزارة الخزانة) بتقديم تقرير للجان الكونجرس المتخصصة بشأن أي أنشطة يتم من خلالها تطبيع العلاقات السياسية، الدبلوماسية، الاقتصادية، بين حكومات دول أخرى مع سوريا، وتوضيح الإجراءات الأمريكية المضادة بذات الشأن، ويتم الإشارة في التقرير لأي اجتماعات يقوم بها الممثلون الدبلوماسيون لكل من (تركيا، الإمارات، مصر، الأردن، العراق، عُمان، البحرين، الكويت، السعودية، تونس، الجزائر، المغرب، ليبيا، ولبنان) مع النظام السوري.

4- الإبلاغ عن أي معاملات مع نظام الأسد أو لتلك في مناطق سيطرته، مثل: المنح، والاستثمارات، والتبرعات، والتعاقدات، والقروض، وذلك لأي مبلغ يتجاوز الـ50 ألف دولار.

هيكلة مرفوضة

إن مشروع القانون المقترح، سواء سيتم تمريره أم لا، يعكس وجود تيار داخل الولايات المتحدة الأمريكية يرفض بشكل قاطع عودة نظام بشار الأسد إلى المجتمع الدولي، وذلك على خلفية الجرائم التي نفذها ضد المدنيين (وفق ما ذكره مشروع القانون الجديد)، ولكن في الوقت نفسه يُرى أن مشروع القانون يعكس التخوف من إعادة هيكلة اقتصاد المنطقة بما لا يصب في صالح الولايات المتحدة، وتحديداً في عهد الإدارة الحالية، وذلك نظراً للتالي:

1- التخوف من التمدد الاقتصادي للدول غير الصديقة: إن ضلوع سوريا في عملية التطبيع مع الدول العربية، يعني انفتاحها على كافة المستويات خاصة الاقتصادية، وهو الأمر الذي قد تنتفع منه بعض الدول مثل إيران وروسيا والصين، لا سيما وأن موسكو وطهران لديهما العديد من الشركات العاملة في سوريا في عدد من المجالات الحيوية، مثل قطاع الطاقة وتحلية المياه، وبالتالي خروج تلك الشركات من سوريا صعب حدوثه في الأجل المنظور، بل ومن المتوقع ازدياد دور شركات تلك الدول في سوريا حال تلقيها مساعدات أو استثمارات عربية بشكل غير مباشر.

ويعزز من مخاوف الولايات المتحدة أن روسيا بذلت جهود وساطة في عام 2023 لعودة العلاقات السعودية / السورية (وفق مصادر أمريكية)، ويأتي ذلك تزامناً مع نجاح الصين في خفض مستوى التوتر بين إيران والمملكة، بما يشير إلى وجود مصلحة استراتيجية لكل من موسكو وبكين في عودة العلاقات الطبيعية بين كل من إيران وسوريا والدول العربية، خاصة وأن ذلك سيمهد لانتشارهما بشكل واسع في سوريا في مقابل تحفظ من الدول الغربية بذات الشأن، الأمر الذي يبرز رغبة الصين وروسيا في صياغة شكل جديد للمنطقة يقلص من الهيمنة الغربية على دول غرب آسيا.

2- التخوف من انعكاسات مشاريع الربط الإقليمي: إن الانفتاح السوري على دول المنطقة يفتح المجال أمام بعض المشاريع الإقليمية التي من خلالها سينتشر النفوذ الإيراني، مثل خط السكة الحديد الجاري العمل عليه لربط إيران بالعراق وسوريا، مما يعزز العلاقات التجارية بين الدول الثلاث، ومما يمهد في مرحلة أخرى استخدام ذلك الممر كطريق تجاري لتصدير المنتجات الإيرانية لدول المشرق العربي، وهو الممر الذي سيدعم في الوقت نفسه مبادرة “الحزام والطريق” الصينية، أخذاً في الاعتبار أن سوريا وقّعت مذكرة تفاهم في يناير 2022 مع الصين للانضمام إلى المبادرة، كما أن هناك مخططات إيرانية لخلق شبكة طرق تربطها بميناء اللاذقية السوري لتعظيم الاستفادة من كونها ممراً حيوياً لربط الصين بالمشرق العربي (انظر شكل 1).

شكل (1): مخطط إيران للوصول إلى ساحل البحر المتوسط عبر العراق وسوريا
(Source: www.fdd.org)

يشكل خط السكة الحديد طهران – البحر المتوسط خاصرة حيوية لكل من روسيا والصين، حيث سيربطهما بإيران عبر شبكة طرق برية وسكك حديدية، وذلك عبر ممر “شمال جنوب” الذي يربط روسيا بإيران، وكذا خطوط سكك حديدية تربط إيران بالصين (انظر شكل 2)، مما سيوفّر للبلدين إطلالة دائمة وبشكل سريع عبر البر إلى البحر المتوسط، على أن يصاحب ذلك تأمينهما لتلك الخطوط وتمركز شركاتهما في المنطقة لتقديم الخدمات اللوجستية وكذا الصيانة للقطارات المارة على مسار الخطوط المزمع بناؤها.

شكل (2): مسارا الربط البري بين كلٍّ من روسيا والصين بإيران
(Source: www.irna.ir, www.onthemosway.eu)

بخلاف مشروع الربط البري، هناك مخططات عربية تاريخية لربط شبكات كهرباء الدول العربية، ومن ضمنها سوريا التي تُعد نقطة ربط بتركيا، ويُعرف هذا المشروع باسم الربط الثماني “EIJLLPST” (انظر شكل 3)، وهو ما سيمتد إلى شبكة الكهرباء الأوروبية.

وقد يكون لذلك المشروع ارتدادات على شريك أمريكا الأوروبي، لأنه بموجب ذلك الربط سيتم تصدير الكهرباء العربية الفائضة لأوروبا، مما سيزيد الاعتماد الأوروبي على دول المنطقة، وبالتالي سيسفر ذلك عن استحداث عوامل ضغط جديدة على السياسات الغربية في المنطقة من خلال الدول المشاركة في الربط الكهربائي، وما يعد تكراراً لأزمة الاحتكار الروسي لمصادر الطاقة الأوروبية.

شكل (3): مخطط الربط الكهربائي بين الدول العربية وتركيا
(المصدر: الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي)

3- ضمان تنافسية الاقتصاد الإسرائيلي في المنطقة: بخلاف خلق بؤرة توتر جديدة لإسرائيل على حدودها في حالة استقرار الوضع في الأراضي السورية، فإن ظهور نوع من أنواع التكامل العربي في المشرق العربي ستكون له ارتدادات على الاقتصاد الإسرائيلي، لأنه من غير المتوقع تجاوز الخلافات التاريخية بين إسرائيل وكل من العراق وسوريا ولبنان وإيران وفلسطين، وبالتالي من الممكن أن يعرقل ذلك من تطبيع العلاقات الإسرائيلية بالمنطقة العربية، وستكتفي تل أبيب بتطبيع العلاقات الثنائية فقط، وهو ما سيكون له انعكاس سلبي على مخططها الرامي لزيادة العلاقات التجارية والاستثمارية مع الدول العربية.

بخلاف العزلة الاقتصادية التي قد تتعرض لها إسرائيل، على خلفية ظهور جبهة عربية قوية تقوض من تمدد نفوذها الاقتصادي داخل المنطقة، في حالة عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، فإن الموانئ السورية تمثل منافساً مباشراً لنظيرتها الإسرائيلية، خاصة إذا ما تم تطويرها عبر ضخ استثمارات من دول عربية أو حتى الصين، أخذاً في الاعتبار أن هناك معارضة أمريكية لتواجد الصين كمشغل أو مطور للموانئ الإسرائيلية، وهو ما أدى إلى استبدال “مجموعة شنغهاي الدولية للموانئ”، والتي كان يفترض إدارتها محطة حاويات جديدة في ميناء “حيفا” بكونسورتيوم مكون من شركة “أداني” الهندية وشركة “جادوت” الإسرائيلية.

أعباء متزايدة

في الختام، يمكن القول إن التحولات السياسية الجارية في منطقة الشرق الأوسط تعمل على إعادة صياغة شكل المنطقة الاقتصادي، بهدف التحول إلى نوع من أنواع التكامل، أو على أقل تقدير وقف نزيف الخسائر الاقتصادية الناتج عن استمرار النزاع بين دولها. ولعل عودة علاقات سوريا بالدول العربية إلى شكلها الطبيعي يشكل خطوة محورية في تلك الصياغة. وبالرغم من احتمالية إحداث اختراق على صعيد التعاون الاقتصادي العربي على المدى البعيد، إلا أن هناك العديد من الاعتبارات التي تتخوف منها الولايات المتحدة، وستعمل على تعطيل عودة سوريا إلى المنطقة العربية، إلا إذا تم تقديم ضمانات تتماهى مع رؤية واشنطن للشرق الأوسط، مع الحفاظ على مصالحها الدولية المتمثلة في رفض تمدد الصين وروسيا في المنطقة، الأمر الذي يدفع بضرورة طرح دول المنطقة صيغاً توافقية تضمن التوازن بين مصالح الدول الكبرى، مع إعطاء الأولوية لمصالحها التي يمكن تحقيقها بشكل تدريجي.