اكتسب انعقاد الدورة الرابعة للحوار الاستراتيجي بين المغرب وبريطانيا بالرباط، في 9 مايو الجاري، بحضور كل من وزير الشئون الخارجية المغربي ناصر بوريطة، وزير الدولة البريطاني للشرق الأوسط وشمال أفريقيا وجنوب آسيا والأمم المتحدة اللورد طارق أحمد لويمبلدون، أهمية وزخماً خاصاً، لا سيما أنه جاء في الوقت الذي ما زالت الدول الغربية تواجه فيه تداعيات الحرب الروسية-الأوكرانية، وفي الوقت الذي تعمل فيه بريطانيا تحديداً، لاعتبارات عديدة، على تنويع وتوسيع نطاق الشراكة الاقتصادية مع الشركاء غير الأوروبيين في إطار سياستها القائمة على تقليل الاعتماد على الدول الأوروبية بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي.
وفي هذا السياق، وقعت بريطانيا مع المغرب خلال الدورة الرابعة للحوار الاستراتيجي على اتفاقية جديدة للتعاون بشأن العمل المناخي والطاقة النظيفة والنمو الأخضر، وهو تطور ما من شأنه أن يساهم في رفع مستوى العلاقات الاقتصادية بين الطرفين لتشمل مجالات جديدة، إلى جانب تعزيز التعاون في المجالات الأخرى، وفتح المجال أمام الشركات البريطانية للاستثمار في المغرب وخاصة في مجال التنقيب على الغاز.
مؤشرات عديدة
تتمثل أهم المؤشرات التي ترصد الاهتمام البريطاني المتزايد بتعزيز العلاقات الثنائية مع المغرب في:
1- ضخ مزيد من الاستثمارات البريطانية: عبّرت لندن عن هذا الاهتمام من خلال مشاركة 30 شركة بريطانية في معرض “الفلاحة” بمكناس خلال أبريل الماضي، فيما ارتفعت التجارة الثنائية لنحو 2.7 مليار جنيه استرليني بعد توقيع اتفاقية الشراكة مع المغرب في أكتوبر 2019، دخلت حيز التنفيذ في يناير 2021، بينما اتجهت العديد من الشركات البريطانية لتعزيز استثماراتها في قطاع التنقيب عن الغاز، على غرار شركة “إس دي إكس إنرجي” البريطانية التي تتولى عمليات حفر الغاز الطبيعي بمنطقة لالة ميمونة الجنوبية، في إطار مساعيها لحفر 12 بئراً استكشافية، وشركة “شاريوت” المتخصصة في التنقيب عن النفط والغاز، والتي ترجح احتواء بئر “أنشوا 2” في ساحل العرائش على كميات كبيرة من الغاز الجاف العالي الجودة.
2- إبرام اتفاقيات في مجال الطاقة النظيفة: وقعت الحكومة المغربية ونظيرتها البريطانية على إطار استراتيجي للتعاون بشأن العمل المناخي والطاقة النظيفة والنمو الأخضر، وذلك خلال انعقاد الدورة الرابعة للحوار الاستراتيجي، حيث تبدي بريطانيا اهتماماً بالغاً بتنفيذ مشروع الربط الكهربائي بين الدولتين باعتباره واحداً من المشاريع الضخمة والعملاقة، التي ترى أنها يمكن أن تساعدها في الحصول على طاقة نظيفة عبر الكابلات البحرية.
3- إجراء تدريبات عسكرية مشتركة: على غرار تدريب “جبل الصحراء 2022” الذي نظم خلال الفترة الممتدة ما بين 3 و17 نوفمبر الماضي في منطقتي مراكش وبن جرير، وكان الهدف منه هو تبادل الخبرات في مجال المهارات العملياتية، وتقوية القدرات القتالية في المناطق الحضرية، فضلاً عن دعم التوافق التقني والعملياتي والإجرائي بين الوحدات المشاركة، وتعزيز التعاون العسكري الثنائي بين الدولتين. وقد شهد التدريب محاكاة لحرب مدتها 6 أيام عملت فيها القوات التي شاركت في التدريب على الاستيلاء على مهبط للطائرات لاستخدامه في شن عملياتها الهجومية.
دوافع مختلفة
يمكن تفسير اتجاه بريطانيا إلى توسيع نطاق تعاونها مع المغرب في ضوء دوافع عديدة هى:
1- مواجهة تداعيات الحرب الروسية-الأوكرانية: بدأت بريطانيا منذ اندلاع الحرب الروسية-الأوكرانية في 24 فبراير 2022 في محاولة توسيع نطاق شراكاتها الدولية، وذلك بهدف توفير مزيد من الخيارات المتاحة أمامها، للتعامل مع التداعيات التي فرضتها الحرب، ولا سيما في مجال الطاقة، خاصة بعد أن قامت روسيا بقطع إمدادات الطاقة عن الدول الأوروبية في سياق ردها على العقوبات والضغوط التي مارستها الأخيرها عليها، بالمشاركة مع الولايات المتحدة الأمريكية، لدفعها إلى وقف الحرب. وفي هذا السياق، وضعت لندن خطة تهدف إلى التخلص من الطاقة التي تعتمد على الكربون بحلول عام 2035.
2- تنويع الشراكات الاقتصادية الدولية: خاصة بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي، حيث تبنت بريطانيا سياسة جديدة سعت من خلالها إلى رفع مستوى العلاقات الثنائية مع دول ومنظمات أخرى، على نحو بدا جلياً في انضمامها، في 31 مارس الماضي، لشراكة التجارة الحرة عبر المحيط الهادئ بعد 21 شهراً من المفاوضات، وهي أهم اتفاقية تجارية منذ خروجها من الاتحاد الأوروبي، إلى جانب استمرار مباحثاتها مع دول مجلس التعاون الخليجي لإبرام اتفاق تجارة حرة بين الطرفين.
3- استثمار الانسحاب الفرنسي من الساحل: يبدو أن بريطانيا ترى أن الانسحاب العسكري الفرنسي من منطقة الساحل، فضلاً عن توتر العلاقات بين فرنسا والعديد من الدول الأفريقية، سواء في شمال أفريقيا أو في منطقة الساحل، يوفر لها فرصة لتعزيز حضورها في القارة وإعادة ملء الفراغ الناتج عن ذلك، خاصة في ظل اتجاه قوى أخرى إلى تبني التوجه نفسه، على نحو ترى أنه لا يتوافق مع مصالحها وحساباتها في المرحلة الحالية.
4- احتواء انعكاسات التحركات الروسية في المنطقة: تراقب بريطانيا، كغيرها من الدول الغربية، التحركات التي تقوم بها روسيا في مناطق وأقاليم الجوار، حيث ترى أن موسكو تسعى إلى تعزيز حضورها في منطقتى شمال أفريقيا والساحل لدعم موقعها في مواجهة الضغوط والعقوبات التي تفرضها الدول الغربية عليها بسبب إصرارها على التمسك بالخيار العسكري لتسوية الأزمة العالقة مع أوكرانيا، والتي لا يتوقع أن تشهد انفراجة قريبة في ظل اتجاه الدول الغربية بدورها إلى رفع مستوى دعمها العسكري النوعي للأخيرة لتعزيز قدرتها على مواجهة العمليات العسكرية الروسية.
فرص التقارب
يمكن القول إن ثمة متغيرات عديدة يمكن أن تساهم في دعم التقارب بين بريطانيا والمغرب خلال المرحلة القادمة. إذ أن الأخيرة تبدو بدورها في حاجة إلى توسيع نطاق شراكاتها الدولية، خاصة أن ذلك يساعدها في استقطاب دعم دولي جديد للسياسة التي تتبناها إزاء قضية الصحراء، لا سيما في ظل التحركات الموازية التي تقوم بها الجزائر لتحقيق الهدف نفسه.
كما أنها ترى أن التداعيات التي تفرضها الحرب الروسية-الأوكرانية يمكن أن تساعدها في تعزيز موقعها لدى الدول الأوروبية خاصة في مجال الطاقة، سواء عبر توقيع اتفاقيات للربط الكهربائي كما حدث مع بريطانيا، أو من خلال المشاركة في مشروع أنبوب الغاز الذي يمد الدول الأوروبية بالغاز النيجيري، والذي دفع المغرب إلى توقيع مذكرة تفاهم مع 12 دولة أفريقية تلتزم بمقتضاه تلك الدول بتوفير 3 مليار متر مكعب من الغاز يومياً لدول غرب أفريقيا ثم إلى المغرب وأخيراً إلى أوروبا.