تدخل الحرب في السودان بين الجيش وميليشيا «الدعم السريع» أسبوعها الثالث، والواضح من هذه الحرب أن السودان هو الخاسر الوحيد، حيث لا بوادر سياسية حقيقية لحل الأزمة التي لم تصمد بها خمس اتفاقيات هدنة بشكل جاد. ورغم حجم الأزمة بالسودان إلا أننا أمام مجموعة دروس مستفادة على المنطقة، دولاً وأحزاباً وجماعات، وكذلك المجتمع الدولي، ضرورة تأملها، ومنها ما هو صارخ، ومنها ما يحتاج إلى تذكير دائم، ولو كان من البديهيات. ومن هذه الدروس أن كل سلاح خارج نطاق الدولة سيكون مدمراً للدولة، أياً كانت، ولدينا نماذج عربية في انتظار دورها لإشعال حروب متوقعة وحتمية طالما أن هناك سلاحاً خارج منظومة الدولة، بل ويوازيها. حدث ذلك في اليمن، وها هو يحدث في السودان، وهناك دول عربية مرشحة لذلك، للأسف، منها لبنان والعراق وسوريا، إذا كان فيها دولة أساساً. وما يحدث بالسودان، وقبله في اليمن، يقول لنا إن هذا أمر لا مفر منه طالما هناك سلاح يوازي سلاح الدولة. والدرس الآخر هو أن ما عرف زوراً بـ«الربيع العربي»، وسوريا حالة مختلفة، من ناحية الظروف، يقول لنا إنه لم ينجح أحد ممن هللوا لذاك «الربيع» المزعوم، ولم يستوعب كل من تحمس حينها لا العبر ولا الدروس. والمعنيون في ذلك هم القوى التي توقعت أنه بمجرد تغيير رأس النظام ستهب رياح الديمقراطية، وبعضهم كان صادقاً، لكنه حالم، والبعض الآخر كان يعي أن ذلك لن يحدث، لكن لديهم أهدافاً مختلفة، أهمها الوصول للحكم فقط، كحال «الإخوان المسلمين». والبعض الآخر توقع أنه بمجرد النزول للشارع، فإن ذلك يعني قوة دفع ترغم العسكر على العودة للثكنات، وهذا لم يحدث. والبعض ركن لدول مجاورة، مثل حال كثر من المعارضة السورية مع تركيا، تحديداً «الإخوان المسلمين»، وهذا فشل آخر. ومن الدروس التي تخص المجتمع الدولي، دولاً ومؤسسات، أنها لم تستوعب عمق الخلل في منطقتنا، حيث إن الحرب أسهل من السلام، والخصومة هي الأساس، والقطيعة هي الحل الدائم، حيث لم تستفد منطقتنا من كل تجارب الحروب والأزمات. واللوم ليس على المنطقة فقط، بل على الغرب أيضاً الذي لا يمتلك رؤية حقيقية تجاه المنطقة، وهنا أتحدث عن استراتيجية، وليس عن تكتيك وتحركات لمصالح انتخابية غربية، بل رؤية تراعي أن السلام والاستقرار هشّان في هذه المنطقة. خطأ المجتمع الدولي أنه إلى الآن يتعامل مع أزمات ملتهبة، مثل السودان وقبلها سوريا، بسذاجة سياسية بعيدة عن الواقع، فلا أعرف، مثلاً، كيف سيكون بمقدور الغرب، أو الأمم المتحدة، إعادة الجيش و«الدعم السريع» لطاولة الحوار الآن من خلال التصريحات. ولا أعرف كيف يمكن أن تؤدي تلك التصريحات عن بعد إلى عودة العسكر إلى الثكنات بالسودان، وتسليم الحكم للمجتمع المدني؟ أمر يصعب فهمه أو تصوره، كما يصعب فهم المجتمع المدني السوداني الذي لم يستوعب أن العسكر في معركة القصر أو القبر! الخلاصة أن الخطر على السودان كدولة حقيقي ويتطلب وضوحاً بالمواقف.
نقلا عن الشرق الأوسط