ما لم تحدث معجزة فإن الحسم العسكرى الساحق والماحق لن يتحقق لأى من طرفى الصراع فى الخرطوم.
تمنياتى كمصرى عربى أن يكون هناك جيش واحد موحد فى السودان، وتمنياتى الكبرى أن تختفى ظاهرة الميليشيات والتنظيمات العسكرية المسلحة من كل البلدان العربية المتواجدة فيها، لكن التمنى شىء والواقع شىء آخر.
فى كل صراع عسكرى من هذا النوع، فإن كل طرف يسارع فى الساعات الأولى للإعلان بأنه حسم المعركة، أو أنه سيحسمها خلال ساعات أو أيام قليلة.
ونعلم جمعيا أن هناك معارك مماثلة لم تحسم حتى الآن فى المنطقة العربية كما هو الحال فى الأزمة الليبية المستمرة منذ سقوط نظام معمر القذافى نهاية ٢٠١١ وحتى الآن، الصراع يستعر حينا ويهدأ حينا آخر، لكن النار ما تزال تحت الرماد، وكل طرف يتمترس فى مواقفه شرقا وغربا، والأمر نفسه مع الفارق فى الأزمة اليمنية التى بدأت 2011 واشتعلت أكثر 2015.
فى المعارك العسكرية كل شىء وارد لكن من قراءة المؤشرات الراهنة للصراع الدموى فى السودان، يتضح أن الطرفين بعيدان تماما عن الحسم العسكرى.
فهما يتصارعان منذ اندلاع القتال صباح السبت ١٥ من أبريل، وحتى هذه اللحظة حول مقر القيادة العامة للقوات المسلحة والقصر الجمهورى، ومطار الخرطوم ومنطقة مروى أو بعض المناطق الاستراتيجية الأخرى، وهو ما يعنى وجود تكافؤ فى قوى الطرفين، وإن كان العديد من المراقبين يقولون إن الكفة بدأت تميل تدريجيا لصالح القوات المسلحة، التى استعادت زمام المبادرة، خلافا لبداية الصراع حينما فاجأت ميليشيا الدعم السريع الجيش، واستولت على كثير من المواقع الحيوية المهمة مثل مبنى الإذاعة والتليفزيون، وإن كان الجيش يرد على ذلك بأن قوات الدعم السريع هى التى كانت تتولى أصلا حماية هذه المواقع، وبالتالى لا يعقل أن يقال إنها استولت عليها من الجيش النظامى.
طبعا المنطقى والبديهى أن تسليح الجيش السودانى أفضل وأقوى، ولا يوجد أساس كبير للمقارنة بينهما سواء من ناحية عدد الأفراد نهاية بنوعية وأعداد الأسلحة والمعدات.
لكن من المعروف أن المعارك الأهلية أو الصراعات داخل المدن الكبرى لا تتوقف فقط على هذه العناصر، فإذا كان الجيش النظامى مثلا يملك أفضلية عظمى فى القوات الجوية والبحرية والمدرعات، غير المتوافرة أصلا لميليشيا الدعم السريع، لكن الجيش يصعب عليه استخدام غالبية هذه الأسلحة، لأن قوات الدعم السريع تقاتل داخل المدن والمناطق المأهولة بالسكان، بل إن الجيش يتهمها بأنها حولت المدنيين فى بيوتهم إلى رهائن ودروع بشرية مما يحد من قدرة الجيش على استخدام الطائرات والدبابات، وإلا سقط ضحايا بلا حصر من المدنيين.
النقطة الثانية أن الميليشيات تبدو سريعة الحركة مقارنة بالبطء الذى تتسم به غالبية الجيوش النظامية.
الجيش يملك العديد من المزايا النسبية تسليحا وعتادا وربما تأييدا شعبيا إلى حد ما، لكن فى المقابل فإن الدعم العسكرى الذى قد تتلقاه قوات الدعم السريع من حلفاء دوليين وإقليميين قد يكون عاملا مهما فى إطالة أمد المعركة، وسيزيد الوضع سوءا إذا طالت المعركة وتدخلت بعض الدول سواء إقليميا أو دوليا لحسابات كل طرف على حدة.
أحد المشاكل الأساسية التى تواجه المحللين فى مثل هذه المعارك هو غياب المعلومات والبيانات الدقيقة خصوصا ميزان القوى الدقيقة بين الطرفين المتصارعين، وغياب المعلومات الأساسية عن المدى الذى سيذهب إليه كل طرف إقليمى ودولى فى دعم طرف على حساب آخر. وبالتالى وانطلاقا من النقطة الأخيرة فإن كل المفاجآت واردة.
وإذا تأكد وجود تنافس أمريكى روسى صينى وانحياز كل دولة من الدول الثلاثة، إضافة لبعض القوى الإقليمية لصالح أحد الطرفين، فإن ذلك من شأنه أن يحول السودان إلى سوريا جديدة تتصارع عليها قوى إقليمية ودولية مختلفة، وهو ما يعنى إمكانية تمدد الصراع فى القارة الأفريقية خصوصا الدول المجاورة للسودان غير القادرة على صد موجات اللجوء أو عبر الميليشيات غير النظامية الموجودة فيها خصوصا تشاد.
بصفة عامة فإن الصراع مرشح للاستمرار، وحتى إذا شهدنا عشرات الهدنات بل وحتى وقف إطلاق النار وانتصار فريق بصورة ناقصة، فإن غياب الحسم العسكرى سيعنى أن الصراع سوف يتجدد إن آجلا أو عاجلا.
نقلا عن الشروق