تشير أغلب الموشرات إلى ان القطيعة بين سوريا والدول العربية تقترب من نهايتها بعد عقد او اكثر بقليل من تعليق عضويتها بجامعة الدول العربية فى عام ٢٠١٢ ، ومنح مقعدها لجماعة من جماعات المعارضة السورية ، فى انتهاك صارخ لميثاق الجامعة العربية .
وسوريا التى نتحدث عنها ليست سوريا النظام السياسى أو شخصا بعينه ، وانما نتحدث عن سوريا التاريخ وسوريا الجغرافيا، وسوريا الدور فى تاريخ الحضارة العربية – الإسلامية وفى التاريخ العربى، وسوريا فى معادلة الصراع العربي- الاسرائيلي. وعند تناول الدور السورى فى التاريخ العربى، ينبغى ألا ننسى ان مصر وسوريا خاضتا معا حرب اكتوبر ١٩٧٣ ، وانه عندما تعرضت دار الإذاعة المصرية للقصف الجوى خلال العدوان الثلاثى فى عام ١٩٥٦ قامت الإذاعة السورية بدورها معلنة « هنا القاهرة من دمشق» ، وان كل انتصارات الأمتين العربية والإسلامية تحققت فى إطار تحالف مصري- سوري؛ وهذه حقيقة استراتيجيةً تنسحب على المستقبل ،ولا تقتصر فقط على الماضى القريب والبعيد .
عودة سوريا الى الحاضنة العربية قومية التوجه اضافة مهمة للعمل العربى المشترك، كما انها فرصة كبيرة لسوريا لإجراء عملية إعادة تقييم موضوعية وشاملة لمسار الأحداث التى حلت بسوريا منذ ١٥ مارس ٢٠١١. وبالمثل هى فرصة كذلك للدول العربية ان تراجع شريط الأحداث خلال سنوات الخريف العربى لتستخلص الدروس المستفادة من العقد المنصرم الذى شهد وبصورة غير مسبوقة تدخلا اقليميا ودوليا مختلفا لم نعهده من قبل فى الشأن العربى كانت سوريا اول ضحاياه ، فاقمه غياب رؤية عربية مشتركة عن كيفية التعامل مع الأزمة السورية.
ولعل اول درس مستفاد هو تجنب الخلط بين الدول ونظم الحكم فيها .لقد مرت على الدول والشعوب العربية تجارب تاريخية مريرة ومأساوية من جراء هذا الخلط الذى كان متعمدا خدمة لأغراض ارتبطت فى اغلبها بمصالح أجنبية واسرائيلية.فهناك درس العراق والرئيس صدام حسين، وهناك درس ليبيا والعقيد معمر القذافى ؛ وكادت سوريا تذهب لذات المصير لولا دعم عسكرى روسى أنقذ سوريا من ان تقع فريسة لحكم الدواعش .
الدرس الآخر هو تجنيب جامعة الدول العربية الدخول طرفا فى الخلافات السياسية الآنية فيما بين بعض الدول، فليس هذا دور الجامعة التى تنص المادة الثامنة من ميثاقها على احترام سيادة الدول الاعضاء وعدم التدخل فى شئونها الداخلية. لعل توظيف بعض القوى الغربيةً لقرارات صادرة عن الجامعةً لشرعنة التدخل فى الازمات العربية سواء عن طريق تسليح جماعات معارضة منتقاة مثلما حدث فى سوريا ، او استخدام القوة المسلحة لتدمير جيوش والقضاء على أنظمة عربية مثلما حدث فى العراق فى ٢٠٠٣وفى ليبيا فى ٢٠١١ – لعل ذلك الدرس يستفاد منه مستقبلا لتفويت الفرصة على القوى الغربية فى التربص بحكومات عربية لا ترضى عن سياساتها، او ان مواقفها فى سياق الصراع العربي- الاسرائيلى لا تتفق ولا تنسجم مع توجهات ومواقف تلك القوي.
الدرس الآخر يتعلق بالديمقراطية التى استخدمت كحصان طروادة لإسقاط أنظمة عربية تناقضت توجهاتها وسياساتها مع المصالح الامريكية والاسرائيلية.فالديمقراطية كنظام حكم لايمكن ان تفرض بقوة السلاح، كما انه ليس هناك انظمة ديمقراطية جاهزة يمكن استيرادها من الغرب لاستنساخها فى الدول العربية .ولا توجد قوى وطنية تقبل انهيار مجتمعاتها من اجل شعار الديمقراطيةً البراق والزائف. والمفارقة الصارخةً فى هذا السياق ان الجماعات والقوى السياسية العربية التى رفعت هذا الشعار، واستقوت بالخارج للاستيلاء على الحكم فى بلادها، أغلبها لا يقبل اساسا بالتعددية السياسية، او التعددية الدينيةً والطائفية، وواقع الامر ان غالبيتها تقصى كل من يختلف معها سياسيا، او لا يشاركها ذات الانتماء الديني.
الدرس الاخير يتعلق بسوريا ذاتها. فسوريا العائدة ليست هى سوريا عام ٢٠١١ و٢٠١٢. سوريا فى المستقبل ينبغى ان تصبح سوريا الحكم الرشيد. ولعل عودة سوريا الى الجامعة العربية تكون فرصة مواتيةً للحكومة السورية وقوى المعارضةًالوطنيةً ومنظمات المجتمع المدنى بسوريا ان تبلور اجماعا وطنيا لبدء مرحلة التحول الديمقراطى وترسيخ مفاهيم التعددية السياسية وسيادة القانون واحترام حقوق الإنسان .ويبرز فى هذا السياق قرار مجلس ألأمن الدولى ٢٢٥٤ الصادر فى ديسمبر ٢٠١٥ كمرجعية لتحقيق تلك الأهداف.
تثير الأزمة السورية قضية خطيرة فى السياسة العربية الا وهيً تحالف البعض من العرب مع قوى غربية وإقليمية من اجل استهداف دولة عربية أخرى ، وواقع الحال ان العالم العربى دفع ثمنا غاليا لهذه السياسة القصيرة النظر، وربما الدمار الذى حل ببعض الدول العربيةً – وسوريا خير مثال على ذلك – يجعل مثل هذه السياسة أمرا من الماضي.
وبقدر ما نعتز بسوريا وبالدور السورى عربيا وإسلاميا على مر العصور ، بقدر ما نطمح الى سوريا القوية مستقبلا بفضل نظامها الديمقراطى الذى يستوعب كل القوى السياسية سواء التى تقف فى خندق واحد مع الحكومة ، أو التى تصطف كقوى معارضة وطنية لا تستقوى بالخارج ، ولا تكون قد حملت السلاح ضد مؤسسات الدولة .
نقلا عن الأهرام