ممكنات وتحديات «شرق أوسط» جديد – الحائط العربي
ممكنات وتحديات «شرق أوسط» جديد

ممكنات وتحديات «شرق أوسط» جديد



طرحت عودة العلاقات الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية وإيران، سؤال الممكنات والتحديات أمام ولادة «شرق أوسط جديد»، انطلاقاً من عاملين مباشرين، يتمثل الأول في رعاية الصين للاتفاق، والتي اعتبرت بمثابة مفاجأة دولية، أما العامل الثاني، فهو متصل عضوياً بالأول، ويتمثل في التحولات في السياسات الأمريكية التي تركز على الحرب الروسية الأوكرانية، واحتواء الصين في شرق آسيا. 

وكانت قد سبقت عودة العلاقات بين السعودية وإيران، العديد من الإشارات الإقليمية التي أبرزت وجود مصلحة مشتركة لدى دول إقليمية فاعلة لتخفيض حدة الصراعات، وإبداء استعدادها لتبنّي سياسات مختلفة، كما في الموقف التركي تجاه تطبيع العلاقات مع دمشق، أو في اتخاذها خطوات إعلامية ودبلوماسية تجاه مصر.

هناك نقاط قوة في التوجّه نحو «شرق أوسط» جديد، فالانشغال الأمريكي في ملفات أكثر حيوية لأمن الولايات المتحدة القومي، يقلل من إمكانياتها في الضغط على الأطراف الإقليمية من جهة، كما يدفع  من جهة أخرى  هذه الأطراف إلى التقليل من الاعتماد على الموقف الأمريكي، وبالتالي فإن تحييد دور واشنطن  ولو نسبياً  من شأنه أن يدفع صناع القرار في المنطقة إلى بناء حسابات مستقلة، خصوصاً في ما يتعلق بالحسابات الاستراتيجية.

تشكل حالة التعب والإرهاق العامة التي أصابت معظم دول الإقليم، نتيجة الاضطرابات والحروب التي سادت في بعض دول المنطقة، نقطة ضعف وقوة في الآن نفسه، لكن إذا ما أخذت هذه المسألة في ميزان القوى الاستراتيجي، يمكن تحويلها من نقطة ضعف إلى نقطة قوة، خصوصاً إذا ما تم التوصل سوية إلى قراءة متوازنة لأسباب الصدام في الرؤى والأهداف، واستبعاد التحليل الأيديولوجي لمصلحة التحليل الواقعي، الذي يركز على الحقائق الموضوعية، ويأخذ في ميزانه ضرورات تحقيق مصالح متبادلة لجميع الأطراف.

هناك احتياجات عديدة تدفع للتفكير في بناء منظومة «شرق أوسطية» جديدة، سياسية واقتصادية وأمنية وتنموية، لكن تحقيق هذه الاحتياجات مرتبط أشد الارتباط بمستويات التطور في كل دولة على حدة، وهي مستويات تطور غير متكافئة، ليس فقط نظراً لغياب الموارد المالية لدى بعض دول الإقليم الأساسية؛ بل بسبب البنى الداخلية التي لا تعيق فقط التقدم نحو تفاهمات مشتركة على صعيد الإقليم؛ بل تعيق التطور الداخلي، وربما تكون طبيعة السوق الاقتصادية، أحد أبرز الأمثلة على التطور غير المتكافئ، حيث تهيمن في بعض الاقتصادات توجهات تحد من حركة السوق الطبيعية لمصلحة الاقتصاد الموجّه.

الاتفاق على صيغة معقولة ومتوازنة للأمن القومي في الشرق الأوسط، تواجه تحديات عديدة، أبرزها تآكل الدولة الوطنية في المشرق العربي (سوريا والعراق ولبنان)، حيث تتضارب رؤى ومصالح القوى الأساسية في المنطقة حول آليات بناء الاستقرار في المشرق العربي. وبناء عليه، فإن بناء «شرق أوسط» متوازن، ينبغي أن يمر عبر إعادة الاعتبار للدولة في المشرق العربي، خصوصاً أن بلدانه تعاني اليوم ضعف الحكومات المركزية، لمصلحة قوى غير حكومية، ولن يكون من الممكن فعلياً إعادة بناء الدولة الوطنية، من دون اتفاق بين القوى الرئيسية في الإقليم، على الانتقال الكلي من حالة التصادم والتنافس إلى حالة التعاون، وإعادة تعريف المصالح بدلالات المستقبل، لا بدلالات الماضي.

الممكن الأبرز الذي يمكن أن يسهم في إحداث تحولات كبرى، هو سوق العمل الواسع، ليس فقط من حيث الاستهلاك؛ بل بما يتضمّنه من ثروات وإمكانيات مالية هائلة، وخبرات متعددة، مع وجود نماذج جاذبة للاستثمار، كما في النموذج الإماراتي، أو في توجهات السعودية ضمن «رؤية المملكة 2030»، بحيث يكون الهاجس الرئيسي في الاستقرار «الشرق أوسطي»، بناء منظومة عمل فيها مستويات كبيرة من التكامل، وإعادة الاعتبار لقضايا العدالة الاجتماعية التي ترتبط بشكل مباشر بحياة المواطنين في بلدان الشرق الأوسط، حيث توجد حالات تفاوت هائلة في متوسط دخل الفرد، وازدياد نسبة الفقراء في بعض البلدان إلى مستويات كارثية.

مشروع «شرق أوسط» جديد مستقر وآمن له عناوين مختلفة، لكن إذا ذهبنا نحو الإيجاز، فيمكن القول إن العقلنة شرط لا غنى عنه، لعكس اتجاه الماضي نحو مستقبل مختلف، وتحت هذا العنوان الكبير يمكن التعامل مع كل العناوين السياسية والاقتصادية والأمنية والتنموية.

نقلا عن الخليج