مرت الذكرى الـ78 لتأسيس جامعة الدول العربية قبل أيام (22 مارس 1945) مرور الكرام، من دون صخب كان يواكب عادة الاحتفاء بهذه المناسبة فى سنوات سابقة كانت فيها الجامعة العربية تتحلى بروح وحضور أكبر فى التأثير على ما يجرى على الساحة العربية من المحيط إلى الخليج، قبل أن تتشتت مضاربها، ويخفت صوتها، بفعل الصراعات الحادة التى مزقت العديد من البلدان العربية مشرقية كانت أم مغربية.
وعلى الرغم من أن تأسيس الجامعة العربية جاء ترجمة لأشواق وآمال مفكرين وسياسيين عرب كثر فى مطلع الأربعينيات من القرن العشرين، إلا أنه وبعد مرور كل تلك السنوات على اجتماعات التأسيس والدور الكبير الذى لعبته الجامعة العربية فى مساندة البلدان المستقلة حديثا، تبدو الجامعة العربية اليوم كيانا شبه عاجز عن تلبية الآمال الكبيرة التى عقدت عليها فى سنوات الأحلام الكبرى.
اليوم تبدو الجامعة العربية رهينة إرادات عربية مكبلة بقيود قطرية تارة، وتكالب لقوى إقليمية ودولية على المنطقة تارة أخرى، بينما يقف العرب وجامعتهم موقف المتفرج أحيانا «للأسف»، فلم تعد مصائر العرب تحدد فى «بيت العرب» كما يحلو للبعض تسمية الجامعة، بل وبنظرة سريعة على ما يدور فى هذا البلد العربى أو ذاك سنلمس بلا عناء اللاعبين الرئيسيين المتحكمين فى القرارات التى تتحول فى بعض الأوقات إلى كوارث تقع على أم رأس المواطن العربى.
هل باتت الجامعة العربية اليوم قادرة على الحفاظ على استقلال الدول الأعضاء كما تنص وثائقها؟ واقع الحال يقول إن بعض البلدان العربية غارقة فى حروب أهلية بالوكالة عن دول إقليمية، وبعضها الآخر ساحة لتواجد جيوش القوى الدولية الكبرى فى وقت لا تملك الجامعة سوى المتابعة بعين كليلة، فقد ألقى الضعف العربى بظلاله على الكيان الذى تأسس ليكون جامعا لإرادات العرب كافة، فتحول مع الأيام إلى مبنى يشهد اجتماعات دورية لا تسمن ولا تغنى من جوع!
بإطلالة سريعة على ما يجرى فى سوريا وليبيا واليمن والعراق ولبنان، مرورا بالخليج وحتى بلدان المغرب العربى سنجد المواطن العربى إما محاصر بخطر الموت برصاص المتحاربين، أو العيش مطحونا تحت ضغط تدبير لقمة شحيحة تقيم الأود، بينما الأنظمة مشغولة بتثبيت أركانها، على الرغم من فشلها فى الحفاظ على وحدة الأوطان وتجنيبها ويلات الحروب والصراعات التى تلتهم الأخضر واليابس.
لعبت الجامعة العربية فى فترات سابقة أدوارا مهمة فى الدفاع عن الكيان العربى، لا شك فى ذلك، غير أن الرياح لا تأتى عادة بما تشتهى السفن فقد تبدلت الأحوال ومضينا منذ نهاية السبعينيات من القرن العشرين، مرورا بالتسعينيات من القرن ذاته «غزو الكويت» ومطلع الألفية الثالثة «الغزو الأمريكى للعراق» حتى وصلنا إلى الصورة الحالية من العجز عن لملمة شعث الأوطان المنثورة على خريطة ممزقة يسعى كل من هب ودب لرفع رايته على جزء منها!
وفى ظل هذا الواقع المؤلم هل ستظل الجامعة العربية «العنوان الأول» الذى يجمع العرب على حد وصف الأمين العام للجامعة السيد أحمد أبو الغيط، وهو يهنئ «كل العرب قادة وشعوبا» بذكرى تأسيس جامعتهم؟
جميعنا يود أن يخرج العرب من كبوتهم، وأن تظل الجامعة «العنوان الأول» للذود عن مصالحهم والدفاع عن قضاياهم، وأن نبقى متفائلين بقدر تفاؤل السيد أحمد أبو الغيط الذى يقول إنه «مهما كانت صعوبات الواقع، فلن يمنعنا من التطلع إلى غد أفضل، ومستقبل أكثر إشراقا»، لكن نقول إن الغد الأفضل يحتاج إلى فعل وإرادة، وكسر لقيود لا تزال تكبل الشعوب وتقمع رغبتها فى صنع مستقبلها، وتلك هى جوهر التحديات التى تواجهنا كعرب.
نقلا عن الشروق