نظّم مركز “العالم العربي للأبحاث والدراسات المتقدمة”، بالقاهرة، بتاريخ 22 مارس 2023، جلسة استماع بعنوان “الاستقرار الإقليمي: أبعاد التحول في الدور الصيني في الشرق الأوسط”، واستضاف السفير على الحفني، سفير مصر الأسبق في الصين، ونائب رئيس جمعية الصداقة المصرية الصينية (كمتحدث رئيسي في الجلسة)، كما شارك في الجلسة عددٌ من الخبراء والباحثين المتخصصين في مجالات مختلفة، وهم: الدكتور محمد عز العرب، والدكتور محمد عباس ناجي، والأستاذ أحمد عليبة، والأستاذ عمرو عبد العاطي، والأستاذ حسين معلوم، والدكتور حمدي بشير، والأستاذ كرم سعيد، والأستاذ محمد الفقي، والدكتور هيثم عمران، والأستاذ محمد عمر.
ملامح التحرك
يُحدد “الحفني” ملامح تحول الدور الصيني تجاه المنطقة العربية والشرق الأوسط، والتي بدأت قبل سنوات، كالتالي:
1- عقد القمة العربية الصينية في السعودية: يشير انعقاد القمة العربية الصينية،وما أسفرت عنه في إطار العلاقات الصينية مع دول الخليج، ولا سيما السعودية، إضافة إلى عدم استثناء الدول العربية، إلى أن العلاقات الصينية العربية، وبالأخص العلاقات مع دول الخليج، شهدت وسوف تشهد مزيداً من التفاعلات خلال الفترة المقبلة، في إطار من تبادل المصالح بين الطرفين، ولكن هذا التقارب الصيني العربي، ومع دول الخليج بشكل خاص، لن يكون على حساب العلاقات الوطيدة لهذه الدول مع أمريكا ودول الاتحاد الأوروبي.
2- تعيين مبعوث لشؤون القرن الأفريقي: اتجهت الصين إلى تعيين مبعوث خاص لشؤون منطقة القرن الأفريقي، وهي منطقة تضم دولاً عربية، إذ تسعى الصين إلى “تصفير المشكلات”، وحل جميع الأزمات والنزاعات ذات الطابع السياسي والأمني، والمشكلات الحدودية، وتحاول الصين إغراء أطراف تلك المنطقة بأنها بشكل متوازٍ سيتم ضخ استثمارات كبيرة، مثل خطوط السكك الحديدية لربط دول شرق أفريقيا، بما يساهم في حركة التنمية في كافة المجالات بتلك الدول، وتشمل تلك المنطقة دولاً تطل على سواحل البحر الأحمر، وبالتالي فإن هناك اهتماماً صينياً كبيراً بالأوضاع السياسية والأمنية، ولكن في ظل مصالح اقتصادية لها.
3- إطلاق مبادرة الحزام والطريق و”العولمة” الصينية: بشكل عام،الصين لا تهتم فقط بالجوانب الاقتصادية. لو كان الاهتمام يقتصر على الجوانب الاقتصادية، لما أطلقت مبادرة الحزام والطريق، إذ إن تلك المبادرة ينظر لها على أنها “عولمة” جديدة على الطراز الصيني، وليست وليدة اللحظة، فهناك منتدى التعاون الصيني العربي، ومنتدى التعاون الصيني الأفريقي. ليس هناك شك في أن المبادرة سمحت للصين بتعزيز وجودها على مستوى الدول العربية، ومنطقة الشرق الأوسط، من خلال تنفيذ كثير من المشروعات متعددة الأوجه، ليس الجانب التقني والاتصالي فقط، ولكن أيضاً فيما يتعلق بالجوانب الصحية والمعرفية.
وقد أتاحت مبادرة الحزام والطريق للصين حضوراً متزايداً على المسرح الدولي، بما أدى لزيادة نفوذها ومساحات تواجدها، ولكن الأساس أن المبادرة تراعي المصلحة الصينية في المقام الأول.
4- التوسط لعودة العلاقات بين إيران والسعودية: التطور الأخير فيما يتعلق بتوسط الصين في التوتر بين إيران والسعودية يُعد تطوراً هاماً، على المستوى الدبلوماسي الصيني، ولكن ينبغي التعامل مع هذا التطور بحذر شديد لأن هذا الموضوع غاية في التعقيد وشائك جداً، ومرتبط بأطراف خارجية أخرى، في منطقة الشرق الأوسط، ويرتبط بأزمات في بعض الدول العربية.
ويبقى التساؤل: هل الصين تمتلك إمكانات لحلحلة الوضع فيما يتعلق بالتوسع الإيراني في المنطقة العربية؟ وإلى أي مدى ستنجح هذه الوساطة في تحقيق انفراجة حقيقية، وبشكل خاص على مستوى الوضع في اليمن، هذا بخلاف مناطق النزاع في المنطقة العربية؟.
ولو حصلت انفراجة في الأزمة اليمنية فسيكون هذا إنجازاً كبيراً، ولكن “هل الآخرون سيسمحون للصين بتحقيق هذا الإنجاز؟”، إذ إن المسألة ليست عودة السفراء والعلاقات الدبلوماسية، وإنما هناك مشاكل حقيقية في هذه المنطقة.
أبعاد التحولات
يُشير “الحفني” إلى عدد من العوامل التي ساعدت في تحولات الدور الصيني بالمنطقة، بصورة أدت إلى انخراط متزايد خلال الفترة الحالية، وأبرزها:
1-رؤية الصين بشأن الاستثمار في الاستقرار: الصين تستثمر في الاستقرار، وهذا الاستقرار مهم جداً بالنسبة لها، ويدلل على رؤية الصين ما حدث في البرلمان الصيني مؤخراً، وخلال المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الصيني، إذ يكشف أن أمامها طريق طويل ينتظرها، وفي بداية العام الماضي تخلصت من الفقر المدقع، ولكن لكي تبدأ في تنمية أرجاء الصين بالشكل الذي حظيت به المقاطعات والمدن الرئيسية التي تمثل أولوية من الناحية الاقتصادية، فلن تدخر الصين جهداً للحفاظ على الاستقرار.
ولذلك، لا ترغب الصين في الوقوع بفخالمواجهات العسكرية، لأن ذلك سيؤدي إلى عملية استنزاف، في حين أنها ترغب في توفير مستوى معيشي لسكانها مثل الدول الغربية، وصحيح أن انخراط الصين في النظام الدولي يرتبط بـ”تكلفة الدور” بعد الاتجاه إلى لعب دور سياسي وليس اقتصادياً فقط، مقارنة بأن الولايات المتحدة تعيش على إثارة النزاعات، وتشغيل الشركات العسكرية، ولذلك تدفع الصين إلى تهدئة الخلافات والنزاعات واستدامة الاستقرار.
وفي هذا الإطار، يدعم الموقف الصيني وتحركاتها أنها لم تكن قوة معتدية أو غازية لدول أخرى، إذ إنها لا تمتلك تاريخاً استعمارياً.
2- بروز استعداد عربي لاستغلال إمكانات الصين: العلاقات الصينية العربية لم تكن بهذا العمق والثراء خلال فترات سابقة، ولكنّ هناك تعاوناً على المستوى العسكري وتكنولوجيا الفضاء والتقنيات الفائقة، ومجال الاتصالات والأبحاث العلمية، بما يشير إلى أن ثمة اتجاهات عربية متزايدة للاستعداد لاستغلال العلاقات العربية الصينية لأقصى درجة في مختلف الجوانب.
ويتضح أن هناك إدراكاً عربياً بأن هذا المارد وهو الصين قادم لا محال، ويبرز ذلك -على سبيل المثال- على مستوى مصر، بعمل صحوة على مستوى العلاقات بين البلدين خلال السنوات القليلة الماضية.
وهناك دول عربية تجاوزت في علاقاتها مع الصين مصر، ويرجع ذلك لإمكانيات تلك الدول، وتحديداً على مستوى دول الخليج، بما تمتلكه من موارد الطاقة وهو ما تحتاجه الصين وبشدة، كما أن الصين لديها علاقات أيضاً مع أطراف عربية مثل الجزائر والمغرب.
3- استغلال صيني للتراجع الأمريكي بالشرق الأوسط: الصين لديها ميزة التخطيط للمستقبل بشكل عميق ومتأنٍّ، وما نلاحظه في الآونة الأخيرة في انفراجة بين دول مجلس التعاون الخليجي والصين على وجه الخصوص، يدعمه بلا شك ظروف دولية وإقليمية مهدت لذلك، خاصة مع توتر العلاقة الأمريكية مع هذه الدول، والفراغ الذي خلفته الولايات المتحدة بعد إعلانها تراجع اهتمامها وانسحابها التدريجي من هذه المنطقة، وهو فراغ استغلته الصين بذكاء وبشكل متدرج ومتأنٍّ.
وهنا فإن الصين تتعامل بذكاء مع التراجع الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط، خاصة بعد القمة العربية الصينية في السعودية، والتي وجهت رسالة للولايات المتحدة والغرب بأن العرب سيراعون التوازن في العلاقات الخارجية.
4- تصاعد التحركات الأمريكية تجاه الصين: دفعت التحولات الدولية، وتحديداً ما يتعلق بالتدخل العسكري الروسي في أوكرانيا، إلى انخراط متزايد للصين على الساحة الدولية، ولكن تحركات الصين لم تبرز سوى بعد عام من تلك الحرب، إذ ظلت تتابع الوضع في أوكرانيا، قبل زيارة الرئيس الصيني إلى روسيا، خاصة أن الصين تتعامل مع وضع دولي في غاية التعقيد، مع منافس شرس وهو الولايات المتحدة الأمريكية، ومعها دول الاتحاد الأوروبي تقريباً، ودول حلف الناتو.
وكانت الرسالة الصينية من زيارة رئيسها لروسيا، مفادها: “لسنا موافقين على غزو أوكرانيا، ولكننا نتفهم تماماً الاعتبارات الأمنية لروسيا”، وهنا العلاقات الصينية الروسية عضوية منذ سنوات، وليست وليدة اللحظة المتعلقة بالحرب في أوكرانيا، كما أن الصين تدرك أن ما يحدث في روسيا في الوقت الراهن، جر روسيا لهذا المستنقع وإضعافها، ولن تقف لتشاهد هذا الأمر، إذ إن إضعاف روسيا هو إضعاف للصين، وسيأتي الدور عليها، ولذلك ستدعم الصين استمرار العلاقة مع روسيا، دون أن يؤثر هذا على مصالح الصين مع الدول الغربية.
5- توازن العلاقات بين الفرقاء الإقليميين: وبشأن التوسط الصيني لإعادة العلاقات السعودية الإيرانية، يتضح أن الصين تعتمد على توازن العلاقات بين الفرقاء الإقليميين، وسبق هذا الاتفاق توقيع اتفاق بين الصين وإيران لمدة 25 سنة وقوامه 400 مليار دولار، والصين كانت تخطط لخطوات أخرى مع دول مجلس التعاون الخليجي، بالشكل الذي يجعل هناك توازناً في علاقات الصين، وهي مبنية بالأساس على مصالح اقتصادية، وإن كان الاتفاق الصيني الإيراني ليس معناه موافقة الصين على السياسات الإيرانية، ولكن كان عليها اتخاذ موقف مؤيد لإيران خاصة في ظل مسار مفاوضات الملف النووي.
ورغم القضايا والملفات الشائكة بين السعودية وإيران التي تتجاوز الأزمة اليمنية، إلا أن الصين ستبذل كل جهد لعدم فشل هذه الخطوة، باعتبارها أول محرك وتجربة، ولذلك ستتابع الصين عن قرب مسار العلاقات بين إيران والسعودية، هذا على الرغم من أن المفاوضات بين الجانبين بدأت قبل عامين وبذلت دول مثل العراق دوراً فيها، إلا أن الخطوة محسوبة للصين، لذلك ستعمل على إغراء الطرف الأكثر تشدداً، وستعمل على التركيز على ملف واحد، نظراً لتعدد الملفات الشائكة، لأن نجاح الاتفاق سيعزز من صورة الصين على المسرح الدولي.
انخراط متزايد
وأخيراً، يرى السفير المصري الأسبق في الصين أن الصين لديها الرغبة في بذل مزيد من المساعي بمناطق أخرى لحلحلة الأزمات وتهدئة الأوضاع المضطربة، وربما يكون هناك استعداد للعب دور على مستوى أزمة “سد النهضة”، ولكن يصطدم ذلك بالموقف الأثيوبي المتعنت، رغم أن الصين من أكثر الدول استثمارات في أثيوبيا، إلا أنها لا تميل إلى أسلوب الضغط في السياسة الخارجية. ويدعو إلى عدم السماح بمواطن صدام بين الدول العربية والصين، والسعي المتواصل إلى تعزيز المصالح، مثل إقبال الشركات الصينية على الاستثمار في الطاقة النظيفة بمصر خلال الفترة الحالية، لإيجاد موطئ قدم لها في تلك المنطقة، باعتبارها بوابة إلى أوروبا، والتقارب على المستوى السياسي وليس الاقتصادي فقط، خاصة على مستوى الدول خارج مجلس التعاون الخليجي.