بعد أربعة أيام من المفاوضات في بكين، توصلت السعودية وإيران إلى اتفاق لاستئناف العلاقات الدبلوماسية بين الجانبين. وتراوحت ردود أفعال المعلقين والسياسيين من الانتشاء بالسعادة الغامرة إلى السخرية والعداء الصريح. لكن الواقع يعلمنا أن التفاؤل الحذر هو المسار الأفضل.
وإليكم بعض الملاحظات حول ما حدث للتو ولماذا، وما يجب أن يحدث بعد ذلك. فقد كان لجمع الصين بين الطرفين دلالة مهمة. فلأسباب سياسية داخلية، لم تستطع الولايات المتحدة لعب هذا الدور ولن تضطلع به، وفتح الفراغ الدبلوماسي الباب أمام بكين. وتم إعداد المسرح نتيجة أخطاء الولايات المتحدة في المنطقة، بدءاً من حرب إدارة بوش الكارثية في العراق والنهج قصير النظر لإدارة أوباما تجاه الصفقة النووية الإيرانية، وتصرفات إدارة ترامب غير المتوقعة.
وأدت الغطرسة الأميركية، والسلوك غير المنتظم، وعدم الاهتمام باحتياجات الحلفاء، بأن يصف أحد المثقفين العرب العقدين الماضيين من السياسة الأميركية بأنها «رحلة مدوخة في أرجوحة أفعوانية ونحن نريد النزول». وفقدت بعض الدول العربية ثقتها في الدعم الأميركي، ولذا اقتربت أكثر من الصين وروسيا، بل وبدأت تشق طريقها نحو استئناف العلاقات مع إيران. فقد أحيت الإمارات علاقاتها الدبلوماسية مع إيران وبدأ السعوديون اجتماعات استطلاعية في بغداد مع نظرائهم الإيرانيين.
والصين التي تعمل على تعزيز العلاقات الاقتصادية مع كل من إيران ودول الخليج العربي، ويقع على عاتقها إتمام الصفقة من خلال لعب دور دبلوماسي مطلوب لتسهيل التوصل إلى اتفاق. ولا ينص الاتفاق بين الصين والمملكة العربية السعودية وإيران على استعادة العلاقات الدبلوماسية وعدم التدخل واحترام السيادة فحسب، بل يمهد الطريق أيضاً لعقد قمة اقتصادية إقليمية في وقت لاحق من هذا العام.
وتظهر استطلاعات الرأي في الآونة الأخيرة في الشرق الأوسط الدور الذي يتصاعد للصين في المنطقة على حساب الولايات المتحدة. وصحيح أن الولايات المتحدة مازالت تُعتبر حليفاً أقوى، لكن تتعزز وجهة نظر عنها بأنها متقلبة.
وترى الغالبية العظمى في معظم الدول العربية أن الصين هي القوة الناشئة التي ستتفوق على الولايات المتحدة في السنوات العشرين القادمة. لقد قمنا ببيع أسلحة للدول العربية، واستثمرنا بكثافة في المنطقة، وفي بعض الأحيان، وفرنا الأمن اللازم، لكننا أيضاً أهنّا المنطقة وكثرت مطالبنا منها وفشلنا في كثير من الأحيان في معالجة مخاوف الشركاء الإقليميين العرب. وكما قال زعماء المملكة العربية السعودية لرؤساء الولايات المتحدة بدءاً من بوش «إذا أصررتم على التصرف وفقاً لمصالحكم، حتى حين تتعارض مع مصالحنا، فسنتصرف وفقاً لمصالحنا، حتى حين تتعارض مع مصالحكم».
وهذه الاتفاقية بين الصين والمملكة العربية السعودية وإيران، جاءت نتيجة غطرستنا، وربما لأننا لم نعد، كما صرحت مادلين أولبرايت في أحيان كثيرة، «أمة لا غنى عنها». لكن إعلان أن «السلام وشيك» سابقة لأوانها. فإيران والسعودية ستقيمان علاقات، وستستغل الصين علاقاتها الاقتصادية مع كلا البلدين وآخرين في المنطقة لتوسيع إطار العمل .
ومدى جدية إيران في تحقيق التعايش السلمي والتركيز على التجارة والتنمية وتعزيز الرخاء لشعبها والمنطقة، ستتضح في مدى استعدادها للمشاركة في الجهود الإقليمية لتحقيق الاستقرار والعمل مع السعودية وآخرين لوضع حلول سياسية.
وإذا أصبح من الممكن البناء على الاتفاق بين الصين والمملكة العربية السعودية وإيران، فقد يمثل تحولاً كبيراً في المنطقة. ولو كانت الولايات المتحدة قد تحلت بذكاء كاف، لأدركت قواعد التطورات الجديدة سلفاً. ويمكننا إما أن نبقى دون حراك، مثل إسرائيل التي أذهلتها الصدمة وتطلق الاتهامات والوصوف السلبية على الاتفاق، أو يمكننا اغتنام هذه الفرصة وعرض الدعم والمشاركة في توسيع جهود صنع السلام الإقليمي. ويحدوني أمل أن نتبنى الخيار الأخير، لكننا أخشى أن نتبنى الخيار الأول.
نقلا عن الاتحاد