د.إدريس لكريني
ضمن خطوة مفاجئة ولا تخلو من أهمية، تم الإعلان عن قرار استئناف العلاقات الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية وجمهورية إيران، برعاية صينية، وجهود إقليمية تمت بكل من العراق وسلطنة عمان، وقد تم التأكيد في الاتفاق الثلاثي الصادر في هذا الخصوص على احترام سيادة الدول، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وعلى مناقشة سبل تعزيز العلاقات بين الطرفين، وتفعيل اتفاقية التعاون الأمني لعام 2001، والاتفاقية العامة للتعاون في مجال الاقتصاد والتجارة والاستثمار والتقنية والعلوم والثقافة والرياضة والشباب لعام 1998 المبرمتان بينهما.
وتنطوي المبادرة على قدر من الأهمية، بالنظر إلى الظرفية المشوبة بالتوتر على المستويين الإقليمي والدولي التي تمت فيها، فهناك حالة استقطاب دولي متزايدة، بحثاً عن موازين قوى جديدة، إضافة إلى تنامي المخاوف إزاء مستقبل المنطقة، مع تصاعد حدة النزاعات التي تذكيها التدخلات الخارجية.
وتثار أسئلة كثيرة على هامش هذا التحوّل، بشأن مستقبل الملف النووي الإيراني، وما إذا كانت الخطوة ستسهم أيضاً في التخفيف من منسوب التوتر في المنطقة، إضافة إلى انعكاساتها المحتملة، بالنسبة لمستقبل الصراع العربي – الإسرائيلي.
تحمل المبادرة دلالات عدة، فعلى المستوى الإقليمي، يمكن القول إنها نتاج للفراغ الذي أحدثه الانزواء الأمريكي الذي ترسخ قبل بضع سنوات، وتعبير واقعي عن القناعة بأهمية الحوار، كسبيل لتلافي خيارات سيئة، لن تكون في صالح المنطقة، وبمثابة مؤشر على إرساء توازنات جديدة في المنطقة، تأخذ مصالح الطرفين بعين الاعتبار، وقد تكون لها انعكاسات على مستوى التعامل الإيجابي مع عدد من النزاعات والملفات المطروحين في المنطقة.
وعلى المستوى الدولي، فالأمر هو انتصار لدبلوماسية الصين التي تقدّم نفسها كقطب وازن، يطمع في إرساء نظام دولي تعددي، بأساليب تعزّز التعاون، وفي توفير مناخ إقليمي داعم لمشروعها الواعد «طريق الحرير الجديد»، بعيداً عن كل مظاهر تأجيج الصراعات والنزاعات؛ التي كثيراً ما نهجتها قوى دولية أخرى.
خلّف هذا الإعلان التي صدر بعد زهاء سبع سنوات من القطيعة بين الجانبين، ردود فعل دولية، طغى عليها التفاؤل وبعض الحذر؛ بشأن انعكاساتها المستقبلية، باعتبارها توفر أرضية لبناء الثقة والحوار، فإيران اعتبرت الاتفاق «خطوة توفّر إمكانيات كبيرة للعالم الإسلامي»، أما المملكة العربية السعودية، فأكدت أنه امتداد لرؤية المملكة المبنية على الحلول السياسية والحوار.
واعتبرت الصين من جانبها، أن الأمر يتعلق بانتصار لمنطقي الحوار والسلام، فيما رحب الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة بالاتفاق، واعتبر أن دعم علاقات حسن الجوار بين السعودية وإيران، هو خطوة أساسية لاستقرار منطقة الخليج.
أما جمهورية مصر العربية، فعبرت عن أملها في أن تسهم الخطوة في تلطيف الأجواء في المنطقة، أما الولايات المتحدة فرحّبت بما أسمته «كل الجهود الرامية إلى إنهاء الحرب في اليمن، والحد من التوترات القائمة في المنطقة»، أما إسرائيل فرأت في المبادرة ضربة للجهود الرامية إلى إحداث تحالف ضد إيران.
إن ما حققته الصين في هذا الخصوص، يمثّل انتصاراً لدبلوماسيتها في فضاء مرتبك، بعدما استطاعت أن تكسب ثقة دولتين لهما وزنهما الإقليمي، مستثمرة في ذلك ثقلها الاقتصادي وعلاقاتها المتطورة مع البلدين، خصوصاً أنها تعتمد بشكل كبير على النفط السعودي، فيما تطورت علاقاتها مع إيران بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة.
كما أن إنضاج هذه الخطوة، قد يسهم في تخفيف التوتر الحاصل في العلاقات بين الولايات المتحدة من جهة، وإيران من جهة أخرى بسبب تطورات ملفها النووي، إضافة إلى الفتور الذي طبع العلاقات الأمريكية – السعودية خلال السنوات الأخيرة.
ويشير عدد من المراقبين والباحثين إلى أن الاتفاق، سيمثل بالنسبة لإيران منطلقاً للتخلص من العزلة التي عانتها لسنوات بفعل تحركاتها في المنطقة خلال السنوات الأخيرة. كما أن ذلك سيمثل أرضية لتدارس عدد من الملفات الخلافية التي يمكن أن تنعكس إيجاباً على واقع ومستقبل المنطقة.
إن نجاح هذه المبادرة على مستوى تمتين العلاقات بين البلدين، وخدمة السلام في المنطقة، يتوقف في جزء كبير منه على إرساء أجواء من الثقة، وحرص طهران على إقامة علاقات متوازنة مع جيرانها في إطار من التعاون واحترام سيادة الدول.
نقلا عن الخليج