تجددت الهجمات التي تتعرض لها قواعد التحالف الدولي ضد “داعش” في شمال شرق سوريا، وكان آخرها الهجوم الذي وقع في 14 مارس الجاري واستهدف موقع دعم المهمات التابع لقوات التحالف. ورغم أن الهجوم الأخير لم يسفر عن وقوع إصابات مادية أو بشرية، فإنه في النهاية وجّه رسائل مباشرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، خاصة أنه يتزامن مع تطورات أخرى تشهدها الساحة السورية، سواء على صعيد الحضور العسكري الأمريكي نفسه، أو على مستوى التصعيد الإيراني – الإسرائيلي المستمر، أو على صعيد الجهود المبذولة لتسوية الخلافات العالقة بين تركيا والنظام السوري خلال المرحلة القادمة.
أهداف عديدة
على غرار الهجمات السابقة، لم تعلن أي جهة مسئوليتها عن الهجوم الأخير، الذي قال المتحدث باسم القيادة المركزية الأمريكية جو بوتشينو بشأنه، أنه “يُعرِّض قوات التحالف والمدنيين للخطر، ويُقوِّض الاستقرار والأمن الذي تحقق بشق الأنفس في سوريا والمنطقة”. ويمكن القول إن الجهة التي تواصل تنفيذ هذه النوعية من الهجمات تسعى إلى تحقيق أهداف عديدة يتمثل أبرزها في:
1- الرد على زيارة ميلي إلى شمال شرق سوريا: كان لافتاً أن الهجوم الأخير جاء بعد مرور نحو عشرة أيام على الزيارة التي قام بها رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة الجنرال مارك ميلي إلى شمال شرق سوريا، في 4 مارس الجاري. ورغم أن العنوان الرئيسي للزيارة تركز، حسب التصريحات الأمريكية، حول إجراء عملية تقييم للمهام التي تقوم بها القوات الأمريكية في تلك المنطقة في سياق الحرب ضد تنظيم “داعش”، فإن قوى إقليمية ودولية عديدة اعتبرت أنها تمثل رسالة تحدٍّ من جانب الولايات المتحدة الأمريكية تسعى من خلالها إلى تأكيد حضورها في الترتيبات السياسية والأمنية التي تجري صياغتها على الساحة السورية، خلال المرحلة الحالية، في ظل الجهود التي تبذلها دول مثل روسيا وإيران وتركيا من أجل إعادة تحديد اتجاهات تلك الترتيبات بناءً على رؤيتها للانعكاسات المحتملة التي يمكن أن تفرضها على مصالحها وحساباتها في سوريا.
2- رفع كُلفة الضربات العسكرية الإسرائيلية: لا يمكن فصل الهجوم الأخير الذي تعرضت له قاعدة التحالف الدولي عن الضربات العسكرية المتتالية التي تواصل إسرائيل شنها ضد المواقع التابعة لإيران والنظام السوري والمليشيات الموالية، وكان آخرها الهجوم على مطار حلب الدولي، في 6 مارس الجاري، والذي أدى إلى خروجه من الخدمة لمدة ثلاثة أيام.
وقد اتهم النظام السوري إسرائيل بالمسئولية عن هذا الهجوم، الذي يعكس تزايد مخاوف الأخيرة من استمرار استغلال إيران لتداعيات الزلزال الذي وقع في 6 فبراير الفائت، في نقل الأسلحة إلى المليشيات الموالية لها داخل سوريا.
ومن هنا، فإن الجهة المسئولة عن الهجوم على قاعدة التحالف ربما تسعى عبر ذلك إلى الرد على الهجمات الإسرائيلية عبر استهداف المصالح الأمريكية، أو بمعنى آخر ممارسة ضغوط على الولايات المتحدة الأمريكية لدفع إسرائيل إلى تقليص هذه الهجمات أو وقفها خلال المرحلة القادمة، وهو ما لا يبدو أنه سوف يحقق نتائج بارزة، في ضوء إصرار تل أبيب على المضيّ قدماً في مواجهة مساعي إيران لتكريس وجودها العسكري داخل سوريا، على نحو يبدو جلياً في التقارير التي أشارت إلى أن إيران تسعى إلى نشر شبكة رادارات داخل سوريا بهدف الاستعداد مسبقاً لأي هجوم إسرائيلي محتمل على منشآتها النووية، وهو متغير يمكن أن يؤثر على توازنات القوى ومعادلة الصراع بين الطرفين، بشكل قد لا تسمح به الأخيرة، التي ما زالت ترى أنه أياً كان المسار الذي سوف تنتهي إليه أزمة الاتفاق النووي بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، فإنها ستنتج تداعيات سلبية عليها.
3- التماهي مع دعوة إنهاء الوجود العسكري الأمريكي: جاء الهجوم الأخير بعد فترة وجيزة من تجدد الدعوة التي تتبناها قوى عديدة إقليمية ودولية من أجل إخراج القوات الأمريكية من سوريا. فرغم أن الولايات المتحدة الأمريكية تبرر هذا الوجود بأنه آلية مهمة لمحاربة تنظيم “داعش” وضمان عدم عودته من جديد إلى المناطق التي سبق أن سيطر عليها وخرج منها بفعل الضربات والهزائم العسكرية التي تعرَّض لها، فإن هذه القوى ترى أن هذا الوجود “غير قانوني” باعتبار أنه لم يأت بناءً على طلب من جانب الحكومة السورية.
وقد كان لافتاً أن النظام السوري وتركيا اتفقا على توجيه انتقادات قوية للزيارة التي قام بها ميلي إلى شمال شرق سوريا، بل إن أنقرة استدعت السفير الأمريكي لديها جيفري فليك، لطلب توضيحات بشأن زيارة رئيس الأركان الأمريكي إلى شمال شرقي سوريا، معبرة عن “عدم ارتياحها للزيارة”، باعتبار أنها تمثل مؤشراً يكشف حرص واشنطن على مواصلة التعاون مع مليشيا “قوات سوريا الديمقراطية” الكردية (قسد)، التي تعتبرها أنقرة منظمة إرهابية وتهدد بالتدخل عسكرياً في المناطق التي تسيطر عليها لإقامة منطقة آمنة على طول الحدود وبعمق 30 كيلومتر.
4- انتقاد رفض الكونجرس سحب القوات الأمريكية من سوريا: يبدو أن الجهة التي نفذت الهجوم سعت أيضاً، ضمن أهدافها العديدة، إلى الرد على رفض مجلس النواب الأمريكي، في 9 مارس الجاري، مشروع قانون قدمه النائب الجمهوري المحافظ مات جايتس يقضي بمطالبة الرئيس جو بايدن بسحب القوات الأمريكية المنتشرة في سوريا خلال 6 أشهر، حيث استند الاتجاه الرافض إلى أن ذلك يمكن أن يعزز من فرص عودة تنظيم “داعش” إلى ممارسة نشاطه بشكل أكبر، وربما السيطرة مجدداً على المناطق التي سبق أن خرج منها منذ عام 2019.
وهنا، فإن هذه الجهة تسعى عبر هذا الهجوم إلى توجيه رسالة مباشرة مفادها أن استمرار الوجود العسكري الأمريكي كفيل بتجديد هذه الهجمات، على نحو يمكن أن يسفر عن وقوع خسائر بشرية في مرحلة لاحقة، وهو ما يمكن أن يفرض، في رؤيتها، ضغوطاً قوية على الإدارة الأمريكية لتغيير سياستها إزاء التطورات التي تشهدها الساحة السورية.
تهديدات متصاعدة
في ضوء التطورات التي طرأت على الساحتين السورية والإقليمية في الفترة الأخيرة، يمكن ترجيح استمرار الهجمات التي تتعرض لها القوات الأمريكية وقوات التحالف الدولي لمحاربة تنظيم “داعش”، خلال المرحلة القادمة. فالتصعيد بين إيران وإسرائيل سوف يتواصل بصرف النظر عمّا إذا استمر تعثر المفاوضات النووية أو تم الوصول إلى اتفاق جديد.
كما أن الجهود تتواصل لتسوية الخلافات العالقة بين تركيا والنظام السوري، على نحو يبدو جلياً سواء في الزيارة التي يقوم بها الرئيس السوري بشار الأسد إلى موسكو بداية من 14 مارس الجاري، أو في الاجتماع الرباعي الذي سوف يعقد في موسكو يومي 15 و16 مارس الجاري، ويضم نواب وزراء خارجية تركيا وإيران وسوريا وروسيا، حيث يهدف إلى اتخاذ خطوات جديدة لتحسين العلاقات بين تركيا والنظام السوري تمهيداً لعقد اجتماع على مستوى وزراء الخارجية في الدول الأربع، وهي جهود لا تنفصل في كل الأحوال عن محاولات هذه القوى إنهاء الوجود العسكري الأمريكي في سوريا.