شهدت جلسة مجلس الأمن الدولي التي عقدت حول تطورات الأوضاع السياسية الراهنة في السودان، في 8 مارس 2023، تمديد العقوبات الدولية المفروضة على السودان لمدة عام إضافي حتى مارس 2024، وذلك بعد تصويت 13 عضواً من أعضاء مجلس الأمن على ذلك، في مقابل امتناع كل من روسيا والصين عن التصويت. وقد جاء التصويت على تمديد هذه العقوبات قبل أربعة أيام من الموعد الرسمي لانتهاء التمديد السابق الذي أقره مجلس الأمن في 12 فبراير 2022 عندما تمّت الموافقة على التمديد لمدة عام جديد لولاية فريق الخبراء الخاص بلجنة العقوبات الدولية المفروضة على السودان وفقاً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم “1591” الصادر في 29 مارس 2005، والتي تشمل حظر توريد الأسلحة، ومنع سفر أشخاص متورطين في صراع إقليم دارفور غرب البلاد الدائر منذ عام 2003، وتجميد أصولهم المالية.
أسباب التمديد
يمكن تفسير قرار مجلس الأمن الدولي بتمديد العقوبات الدولية المفروضة على السودان لمدة عام إضافي، من خلال مجموعة من العوامل، من أهمها ما يلي:
1- استمرار الفوضى الأمنية في دارفور، فلا تزال الأوضاع الأمنية في معظم الولايات السودانية تتسم بالفوضى وعدم الاستقرار، وخاصة في إقليم دارفور، في ظل الانفلات الأمني واستهداف المدنيين واستمرار النزوح بسبب استمرار النزاعات القبلية والعرقية المسلحة وانتشار السلاح بين المكونات القبلية القاطنة هناك على نطاق واسع وما ترتب على ذلك من وفاة حوالي 991 شخصاً وإصابة 1173 آخرين في عام 2022، وعدم قدرة السلطات السودانية الانتقالية على حلّ هذه الصراعات بشكل جذري يمنع من استمرارها على هذا النحو، وساعد على ذلك عدم تنفيذ اتفاق جوبا النهائي للسلام منذ توقيعه في أكتوبر 2020، خاصة وأن هناك بعض الجماعات المسلحة في دارفور التي ترفض التوقيع على هذا الاتفاق حتى الآن وخاصة حركة “تحرير السودان” بقيادة “عبدالواحد نور” التي تقاتل القوات الحكومية في دارفور.
هذا إلى جانب تصاعد مؤشرات عدم الاستقرار الأمني في دارفور وخاصة عقب خروج قوات “اليوناميد” من دارفور في عام 2021، بعد بقائها في دارفور منذ عام 2008 لحفظ السلام في دارفور، وحتى الآن تواصل قوى الحرية والتغيير – المجلس المركزي والمكون العسكري مشاورات تنفيذ الاتفاق في ظل ما يعترضه من عقبات ومنها الاعتراض على مسار الشرق ومطالبة المجلس الأعلى لنظارات البجا في إقليم الشرق بتغيير هذا المسار وإنشاء منبر تفاوضي جديد، والتهديد في المقابل بإغلاق الإقليم وموانئه إذا لم يستجب الجيش السوداني لهذه المطالب.
2- تفاقم الأزمة السياسية بين المؤسسة العسكرية والقوى المدنية، من أبرز العوامل التي تدفع الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي لتمديد فرض العقوبات الدولية على السودان، غياب ملامح الاستقرار السياسي في السودان، وخاصةً في ظل عدم وجود حكومة مدنية قادرة على إدارة شؤون البلاد، وعدم وجود برلمان يمثل الشعب ومصالحه، فمنذ الانقلاب العسكري على السلطة الانتقالية في 25 أكتوبر 2021، يرفض المكون العسكري تسليم السلطة للقوى السياسية المدنية، ويماطل بفرض شروط معقدة في مؤشر على عدم توافر الإرادة لدى الجيش بتسليم السلطة ورغبه في البقاء على رأسها.
وحتى عقب التوقيع على الاتّفاق الإطاري مع المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير، عاد قائد الجيش الفريق أول ركن “عبد الفتاح البرهان” لاشتراط دمج قوات الدعم السريع أولاً لتنفيذ هذا الاتفاق، وبعد ذلك تسليم السلطة للقوى السياسية المدنية وإجراء انتخابات عامة. كما أن المكون العسكري أبدى عدم استجابة معتبرة للجهود الدولية التي تقودها الولايات المتحدة والأمم المتحدة في إطار الآلية الثلاثية (الأمم المتحدة، الاتحاد الأفريقي، الإيجاد) وأيضاً للآلية الرباعية (الولايات المتحدة، السعودية، الإمارات، بريطانيا) بشأن تسوية الأزمة السياسية المتفاقمة في البلاد والمرشحة للاستمرار على الأجلين القريب والمتوسط.
3- الرفض الغربي لرفع العقوبات في المرحلة الحالية، يُشير التصويت على قرار تمديد العقوبات الدولية المفروضة على السودان بأغلبية 13 صوتاً، إلى وجود حالة من الرفض الذي تتزعمه الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية لرفع هذه العقوبات في الوقت الحالي، وهو ما يتماشى مع اتهامات وزير الخارجية السوداني الحالي “علي الصادق” لكل من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا بتبني موقف “متعنت” إزاء مسألة رفع هذه العقوبات، خاصة في ظل القيادة الأمريكية لمشروعات القوانين التي يتم التصويت عليها داخل مجلس الأمن بخصوص الأزمات السياسية والأمنية المثارة في دول العالم ومنها السودان.
وبالتالي ترغب هذه الدول في إبقاء السودان تحت طائلة العقوبات، وأكد “الصادق” أنه ليس من مصلحة الدول الغربية استمرار عدم الاستقرار السياسي في السودان، إلا أن واقع الأمر يشير إلى تخوف واشنطن والدول الغربية من رفع العقوبات، وبالتالي السماح باستيراد السلاح ودخوله إلى السودان في الوقت الذي لا تزال فيه الأوضاع الأمنية غير مستقرة، وبالتالي زيادة احتمالات تفاقم التوترات الأمنية.
دلالات هامة
يحمل قرار مجلس الأمن الدولي الخاص بتمديد العقوبات الدولية المفروضة على السودان لمدة عام إضافي، مجموعة من الدلالات السياسية الهامة، ومن أبرزها ما يلي:
1- فشل الدبلوماسية السودانية في إقناع سفراء الدول الغربية برفع العقوبات، يعكس قرار تمديد العقوبات الدولية المفروضة على السودان فشل التحركات الدبلوماسية التي حاول القيام بها المسؤولون السودانيون وعلى رأسهم وزير الخارجية “علي الصادق” الذي عقد لقاء، في 7 فبراير الماضي، مع سفراء الدول الأعضاء الدائمين وغير الدائمين في مجلس الأمن بالخرطوم لمطالبتهم بإقناع حكوماتهم برفع هذه العقوبات، إلا أن السلطات الانتقالية لم تنجح في تقديم ما يثبت قدرتها على حل المشكلات الأمنية المضطربة في إقليم دارفور بصفة خاصة، وفي باقي الولايات التي تشهد اندلاعاً للاشتباكات العرقية والقبلية المسلحة بين الحين والآخر وخاصة في جنوب كردفان، أو حتى إحكام السيطرة على إقليم شرق السودان المتأزم، وذلك في ظل عدم قدرة السلطات الانتقالية الحالية وخاصة المكون العسكري على إقناع الفاعلين الدوليين بأهمية رفع هذه العقوبات، خاصة وأن المكون العسكري منشغل بالصراع على السلطة مع المكون المدني من جهة، وتصاعد الخلافات داخل المؤسسة العسكرية بين قائد الجيش الفريق “البرهان” وقائد قوات الدعم السريع “الجنرال حميدتي” من جهة أخرى.
2- استمرار السيولة الأمنية في إقليم دارفور، يعكس قرار تمديد العقوبات الدولية على السودان استمرار حالة السيولة الأمنية التي يعاني منها إقليم دارفور بسبب انتشار السلاح بين سكان الإقليم، حيث يتيح القرب الجغرافي للإقليم مع دول الجوار (مثل ليبيا وتشاد) سهولة الحصول على الأسلحة والمعدات العسكرية التي يتم تهريبها عبر الحدود السودانية المشتركة مع هاتين الدولتين اللتين تعانيان من أزمات سياسية وأمنية متفاقمة في الداخل، وهو ما دفع السلطات السودانية لتعزيز تعاونها الأمني من ليبيا وتشاد من أجل تفعيل القوات الحدودية المشتركة لضبط الحدود بينها، إلا أن الواقع يشير إلى عدم قدرة هذه الإجراءات وعدم كفايتها أيضاً من أجل منع تسلل العناصر المسلحة وتهريب السلاح إلى إقليم دارفور، وبالتالي استمرار مظاهر الانفلات الأمني التي تقتضي الاستمرار في حظر تصدير السلاح.
3- مواصلة العزلة الدولية على السودان، يعكس قرار تمديد العقوبات الدولية المفروضة على السودان أيضاً أن السودان يعاني عزلة إقليمية ودولية على المستوى السياسي تحديداً، وهو ما اتضح في تصويت 13 دولة عضواً من أعضاء مجلس الأمن الدولي لصالح قرار التمديد، ويرجع ذلك بشكل رئيسي إلى انشغال السلطات الانتقالية بالصراع على السلطة دون الاهتمام بملف السياسة الخارجية وتعزيز علاقات التعاون الإيجابي مع الدول الأخرى على المستويين الإقليمي والدولي، واقتصار الزيارات التي يقوم بها الفريق “البرهان” ونائبه “حميدتي” لبعض الدول العربية وعلى رأسها الإمارات للحصول على المساعدات الاقتصادية في ظل تعليق المجتمع الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية للمساعدات الاقتصادية إلى حين إنهاء الانقلاب العسكري وتسليم السلطة للمدنيين، وذلك بعد أن فشلت الخرطوم في إثبات استحقاقها لرفع العقوبات الاقتصادية الأمريكية في عام 2017، حيث تغير الموقف الأمريكي بصورة تامة عقب انقلاب أكتوبر على السلطة الانتقالية.
4- تقارب روسي سوداني كرد فعل على السلوك الغربي، إذ يعكس امتناع روسيا عن التصويت لصالح قرار تمديد العقوبات الدولية المفروضة على السودان، حالة التقارب السياسي في العلاقات بين السودان وهاتين الدولتين، وقد اتضح ذلك خلال الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الروسي “سيرغي لافروف” للخرطوم في شهر فبراير الماضي وتقديمه وعوداً للخرطوم ببذل الجهد على المستوى الدولي لرفع هذه العقوبات، في مقابل موافقة الخرطوم على بناء قاعدة عسكرية روسية في البحر الأحمر، إلا أن الضغوط الأمريكية والأوروبية على الخرطوم تحول دون ذلك حتى الآن، ولم تفلح محاولات الخرطوم الضغط على الولايات المتحدة والدول الغربية بورقة التقارب مع روسيا في إقناعهم بعدم تمديد العقوبات الدولية المفروضة عليها.
5- دور صيني متصاعد في الداخل السوداني، يعكس الامتناع الصيني عن التصويت على قرار مجلس الأمن بتمديد العقوبات على السودان، السعي الصيني لتعزيز دورها في السودان حالياً، وذلك من خلال التعبير عن الدعم الصيني للسودان في مواجهة الضغوط الأمريكية والأوروبية عليها، وهو ما عبر عنه دعوة نائب مندوب الصين الدائم لدى الأمم المتحدة “داي بينغ” في شهر فبراير الماضي إلى تعديل عقوبات مجلس الأمن المفروضة على السودان فيما يتعلق بإقليم دارفور، ويعبر ذلك عن مؤشر هام على اتجاه الصين لبناء مرحلة جديدة في التعامل مع تطورات الأوضاع السياسية في السودان، وإن كانت الصين تهدف من وراء ذلك لتعزيز استثماراتها في الاقتصاد السوداني والتي تأثرت سلباً في مرحلة ما بعد سقوط نظام الإنقاذ السابق.
فجوة الثقة
الخلاصة، يشير قرار مجلس الأمن الدولي بتمديد العقوبات الدولية المفروضة على السودان، استمرار قلق المجتمع الدولي إزاء استمرار الأوضاع السياسية والأمنية غير المستقرة في إقليم دارفور بصفة خاصة، وفي كافة أنحاء البلاد بصفة عامة، كما يعكس عدم ثقة المجتمع الدولي في قدرة السلطات الانتقالية الحالية على تصحيح الأوضاع السياسية والأمنية المضطربة في البلاد، والتأكيد على محورية الدور الأمريكي في رفع هذه العقوبات عن السودان.