الحراك العربي الذي تعدى النواحي الإنسانية إلى النواحي السياسية، لا بد أن يخلق ديناميكية تفتح ثغرة في جدار الأزمة المستمرة منذ 11 عاماً. والجمود السياسي الذي كان سائداً قبل الزلزال المدمر في 6 شباط (فبراير) الماضي، ما كان يصب لا في مصلحة سوريا ولا في مصلحة الدول العربية.
وكان يتعين على العرب أن يسبقوا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الانفتاح على سوريا، على رغم الممانعة الأميركية الحادة لأي تغيير في الوضع القائم، وإبقاء أدوات الحصار مفروضة على دمشق، والمناداة من بعيد بتطبيق القرار 2254 شرطاً مسبقاً لأي تفكير في تغيير السياسة الأميركية.
سياسة لم يكن من شأنها سوى تأبيد الأمر الواقع. ملايين اللاجئين سيبقون في تركيا ولبنان والأردن، وتقسيم لسوريا بحكم الأمر الواقع بين مناطق تسيطر عليها الحكومة وتلك الخاضعة للإدارة الذاتية الكردية و”إمارة” لـ”هيئة تحرير الشام” وتنظيمات جهادية أخرى في الشمال السوري، مع بعض المناطق التي تسيطر عليها فصائل تعمل بالإشراف المباشر للقوات التركية.
زد على ذلك، العقوبات الأميركية والأوروبية المفروضة على دمشق، والتي فاقمت من الصعوبات التي يواجهها السوريون العاديون، ولم تحدث تأثيراً على النظام. وإذا كان مفهوماً أن واشنطن ليست في عجلة من أمرها لإحداث تبديل على سياستها في سوريا، وباتت تعتبرها ساحة لممارسة الضغط على إيران وروسيا، فإن الدول العربية ليس من مصلحتها على المدى البعيد الانتظار أكثر قبل أن تقدم على انتهاج مقاربة جديدة حيال الأزمة السورية. والكلام الذي قاله وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان يصب في هذا الاتجاه. وزيارة وزيرا الخارجية المصري سامح شكري ومن قبله وزيرا الخارجية الإماراتي الشيخ عبدالله بن زايد والأردني أيمن الصفدي تصب أيضاً في تحريك المياه الراكدة منذ 11 عاماً.
وإذا كان العرب يشكون من أن النفوذ الإيراني هو السبب في إعراض العرب عن دمشق، فلماذا ينفتح العرب على العراق والنفوذ الإيراني فيه يفوق ما هو موجود في سوريا؟ واستطاع العرب بانفتاحهم على العراق، أن يحيوا دور العراق الضائع منذ أكثر من أربعين عاماً وأن يحولوه إلى منصة للتواصل والحوار الإقليمي. وهذا دور بالغ الأهمية يعود بالنفع على العالم العربي أولاً.
إن عودة سوريا والعراق إلى ممارسة دورهما في العالم العربي، لا بد أن يساهم في تغيير جيوسياسي كبير في المنطقة. إن العودة العربية إلى العراق وسوريا تصحح كثيراً من الخلل الإقليمي الذي ساد في العقود الأخيرة. العراق ضاع بحروب عبثية توجتها أميركا باحتلاله عام 2003، بمزاعم كاذبة، بينما دمر ما سمي بـ”الربيع العربي” سوريا باسم التغيير والحرية، فإذا به يغرقها في حرب أهلية لا تزال تعاني من آثارها حتى اليوم.
الانفتاح العربي على سوريا، وحده الكفيل بإحداث التوازن مع إيران وليس الانسحاب أو التزام العقوبات الأميركية. كل الدول المجاورة لسوريا تأثرت بالحريق السوري. لم يحدث الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تحولاً في سياسته إلا عندما أدرك أن الاقتصاد التركي لن يستعيد عافيته إذا بقي في حالة حرب مع سوريا. ولبنان انهار اقتصادياً وسياسياً بسبب دمار سوريا. وحال الأردن من الناحية الاقتصادية ليس بأفضل. والعراق أيضاً عانى من الفوضى التي عمت سوريا بعد عام 2011. وأكبر مثال على ذلك أن تنظيم “داعش” الذي احتل ثلث الأراضي العراقية، والمقاتلين الأجانب كانوا يعبرون من تركيا إلى سوريا ومنها إلى العراق.
الدول العربية اليوم أمام فرصة. وسوريا أيضاً أمام فرصة. ولا يتعين الانتظار أكثر لتحقيق اختراق سياسي يعيد التوازنات الإقليمية إلى نصابها الصحيح.
نقلا عن النهار العربي