أثارت تصريحات الفريق “البرهان” رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني بشأن اشتراطه دمج قوات الدعم السريع في الجيش لكي يتم تنفيذ الاتفاق الإطاري، الجدل بشأن العقبات القائمة التي تحول دون إتمام ذلك، ومن أبرزها غموض موقف الجنرال “حميدتي” قائد قوات الدعم السريع بشأن دمجها في الجيش، وذلك رغم تأييده تشكيل جيش وطني واحد وفق الاتفاق الإطاري، ونقص التمويل، ودور العامل الخارجي، وعلاقة فاغنر بالدعم السريع، والتوظيف السياسي لدمج الدعم السريع، ومعارضة بعض قيادات الجيش لدمجها، وتجريد “حميدتي” من مصادر قوته. ووفقاً لهذه المعطيات تبقى مسألة دمج هذه القوات رهناً بقبول الجنرال حميدتي لذلك، ومدى توافر الإرادة السياسية لتنفيذ الاتفاق الإطاري بشأن تشكيل جيش وطني واحد.
أطلق الفريق أول ركن “عبد الفتاح البرهان” رئيس مجلس السيادة الانتقالي وقائد الجيش السوداني تصريحات في 17 فبراير 2023، حول تطورات الأوضاع السياسية الراهنة في البلاد، وفيما يتعلق بمصير الاتفاق الإطاري الموقّع بين الجيش والمجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير، في 5 ديسمبر 2022، فقد أشار الفريق “البرهان” إلى أن دعم الجيش لهذا الاتفاق كان بسبب أنه ينص على دمج قوات الدعم السريع في الجيش النظامي.
سياق متغير
تزامنت تصريحات الفريق “البرهان” حول إشكالية دمج قوات الدمج السريع في القوات المسلحة النظامية، مع عدد من المتغيرات السياسية الهامة، ومن ذلك ما يلي:
1- هيكلة جديدة للجيش، إذ جاءت هذه التصريحات في سياق الحديث داخل البلاد عن قرارات داخل الجيش تقضي بهيكلة جديدة في صفوف الجيش، تتضمن إحلال القائد العام بديلاً لهيئة الأركان، ووضع قوات الدعم السريع تحت إمرته، بجانب تسمية مساعدين له، إلا أن المتحدث الرسمي باسم الجيش نفى هذه المعلومات، وطالب وسائل الإعلام المحلية بتوخي الحذر عند الحديث عن القوات المسلحة.
2- جيش نظامي موحد، تأكيد الفريق البرهان” على حاجة البلاد لتشكيل جيش نظامي موحد بهوية وطنية موحدة، على أن يتم دمج قوات الدعم السريع في الجيش، مع التحذير من خطورة الاقتراب من الجيش والمزايدة باسمه، والتأكيد على أن الجيش لا يضم في صفوفه من ينتمون إلى الإخوان المسلمين أو حزب المؤتمر الوطني “المنحل”.
3- مشاورات الاتفاق النهائي، تزامنت هذه التصريحات كذلك مع استمرار مشاورات الأطراف السودانية المختلفة الخاصة بالمرحلة الثانية من العملية السياسية التي تقودها قوى الحرية والتغيير – المجلس المركزي بالتعاون مع الجيش والآلية الثلاثية (الأمم المتحدة – الاتحاد الأفريقي – الإيجاد) في إطار توسيع قاعدة المشاركة السياسية لضم أحزاب وقوى سياسية وحركات مسلحة للتوقيع على الاتفاق الإطاري، ومن ثمّ التوصل لاتفاق الإطاري، ومن ثمّ التوصل لاتفاق نهائي يحظى بقبول كافة الأطراف السودانية المختلفة وبدء المرحلة الانتقالية المحددة بعامين وصولاً إلى إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية.
4- تأييد حميدتي للاتفاق الإطاري، عقب تصريحات الفريق “البرهان”، أطلق الفريق “حميدتي” قائد قوات الدعم السريع تصريحات في 19 فبراير الجاري، أشار فيها إلى تأييده تنفيذ ما ورد في الاتفاق الإطاري بشأن مبدأ “الجيش الواحد” وفق جداول زمنية متفق عليها، وكذا عملية الإصلاح الأمني والعسكري لتطوير المؤسسة العسكرية، وفي ذلك إشارة إلى استعداده لقبول دمج قواته في القوات المسلحة.
عقبات قائمة
هناك بعض العقبات التي قد تقف أمام تنفيذ ذلك الأمر أو عرقلته، ومن أبرزها ما يلي:
1- غموض موقف الجنرال “حميدتي” من عملية الإدماج، رغم التصريحات الأخيرة التي أكد فيها الفريق أول ركن “محمد حمدان دقلو” (الجنرال حميدتي) قائد قوات الدعم السريع ونائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي، على تأييده للاتفاق الإطاري الموقّع في ديسمبر الماضي، وتأكيده على أهمية تنفيذه بما في ذلك تشكيل جيش وطني واحد؛ إلا أن للجنرال “حميدتي” تصريحات سابقة حذر فيها من تداعيات دمج قوات الدعم السريع على الأوضاع السياسية والأمنية. ففي شهر يونيو 2021 (قبل الإطاحة بالحكومة الانتقالية السابقة في أكتوبر 2021) أشار “حميدتي” إلى أن “الحديث عن دمج قوات الدعم السريع في الجيش يمكن أن يفكك البلاد”، “وأن قوات الدعم السريع تم تشكيلها بموجب قانون مجاز من البرلمان وليست كتيبة أو سرية حتى يتم ضمها للجيش، مشيراً إلى أنها قوة كبيرة”، وكانت تلك التصريحات للرد -حينذاك- على مطالب رئيس الحكومة المستقيل “عبد الله حمدوك” بدمج الحركات المسلحة بما فيها الدعم السريع للجيش، وهو ما يمثل عقبة رئيسية أمام إمكانية دمجها في الوقت الحالي، كما أنه لم يصدر حتى الآن رد من قيادة الدعم السريع على تصريحات “البرهان” الأخيرة.
2- نقص مصادر التمويل، تتطلب عملية دمج قوات الدعم السريع في الجيش النظامي، مثلها مثل الحركات المسلحة، اعتماداً مالياً ضخماً لتغطية نفقات الدمج داخل القوات المسلحة. وفي هذا الإطار، تبرز إشكالية أو عقبة التمويل باعتبارها مسألة أساسية لتنفيذ بند الترتيبات الأمنية الخاص باتفاق جوبا النهائي للسلام، خاصة في ظل تفاقم الأزمة الاقتصادية الراهنة بالبلاد.
3- دور العامل الخارجي، من أبرز العقبات التي قد تقف في طريق دمج قوات الدعم السريع في الجيش النظامي السوداني، هو دور الفاعلين الخارجيين المنخرطين في الأوضاع السياسية والأمنية والعسكرية السودانية، وإقامتهم شبكة علاقات واسعة مع عدد من الفاعلين الداخليين في السودان، وقد نجحت بعض الأطراف الخارجية في إقامة علاقات قوية مع بعض قادة الجيش النظامي من جهة، وقوات الدعم السريع والحركات المسلحة من جهة أخرى، وأصبح لكل طرف خارجي علاقاته المؤثرة داخل السودان، وبعض هذه الأطراف الخارجية ترفض فكرة تشكيل جيش نظامي موحد في السودان حتى لا يؤثر ذلك سلباً على مصالحها الاستراتيجية التي تتحقق في ظل هذا الانقسام، وبالتالي إمكانية التأثير على عملية صنع واتخاذ القرار داخل البلاد لصالح أهداف وتطلعات الدول الأجنبية التي قد لا يرغب بعضها في إقامة جيش مهني موحد داخل البلاد.
4- علاقة شركة “فاغنر” بالدعم السريع، يمثل دور شركات الأمن الأجنبية الخاصة داخل السودان أحد أبرز العقبات التي قد تقف في طريق تشكيل جيش وطني قوي موحد يضم بداخله قوات الدعم السريع، ومن أبرزها شركة “فاغنر” الروسية ذات النفوذ المتصاعد داخل السودان والتي لها العديد من المصالح المتنوعة، فإلى جانب تدريبها لقوات الدعم السريع، فإنها متورطة –وفق المصادر المتاحة- في عمليات نهب واستنزاف الموارد الطبيعية مثل الذهب في السودان، كما أن بعض القوى السودانية تتهم قوات الدعم السريع بإقامة علاقات غير قانونية مع “فاغنر” لتهريب الذهب خارج الأراضي السودانية، حتى إن دول الترويكا (الولايات المتحدة – بريطانيا – النرويج) قد أدانت وضعهم غير الطبيعي داخل السودان، وهو ما دفع بعض الأطراف السودانية لاتهام “فاغنر” بأنها السبب الذي سيعزز الانقسام بين المؤسسات النظامية والتكوينات المسلحة، لأنه في حال قيام الجيش السوداني الموحد فسيصعب على تلك الجماعات القيام بالأعمال غير القانونية التي يقومون بها في الخرطوم ودول الجوار، وسيتوقف نزف الموارد المهربة، وستتوقف تجارة المخدرات عبوراً بالسودان. وتشير تصريحات “البرهان” إلى قلقه من علاقة “فاغنر” بالدعم السريع لتمديد نفوذ روسيا في السودان.
5- التوظيف السياسي لدمج الدعم السريع، تشير التصريحات الأخيرة التي أطلقها الفريق “البرهان” الخاصة بدمج قوات الدعم السريع في الجيش النظامي، وإشارته إلى أن دمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة تمثل عقبة أمام تنفيذ الاتفاق الإطاري؛ إلى أنه يقوم بتوظيفها سياسياً من أجل التهرب من تنفيذ الاتفاق الإطاري وانسحاب الجيش من العملية السياسية، وفي الوقت نفسه إحراج الجنرال “حميدتي” قائد قوات الدعم السريع أمام القوى السياسية المدنية، خاصة وأن “حميدتي” أعلن تأييده الكامل للاتفاق الاطاري ودعا لتنفيذ نصوصه، كما أراد “البرهان” إيصال رسالة للقوات المسلحة بأنها ستكون القوة العسكرية الوحيدة في البلاد، وفي الوقت نفسه الرد على اتهامات بعض قادة الجيش له بتوقيعه على الاتفاق الإطاري تحت ضغط يضع قوات الدعم السريع على قدم المساواة مع الجيش.
6- معارضة من داخل الجيش، هناك فريق كبير من قيادات الجيش السوداني ومن أبرزهم رئيس هيئة أركان القوات المسلحة “محمد عثمان الحسين” الرافضين لمسألة دمج قوات الدعم السريع داخل القوات المسلحة النظامية، مستندين في ذلك إلى رفضهم مسألة التدخل في إصلاح وإعادة هيكلة المؤسسة العسكرية، كما يتهم هذا الفريق القوى السياسية المدنية الداعية لذلك بأنهم ينفذون أجندة خارجية لبعض القوى الأجنبية المتدخلة في الشؤون الداخلية للبلاد والتي تستهدف المنظومة العسكرية السودانية من أجل تحجيم دورها الوطني، كما يطالبون بوضع جداول زمنية محددة لدمجها في الجيش ووقف تسليحها، وألا تصبح قوة مستقلة، خاصة وأنه بمغادرة “البرهان” منصبه فستصبح هذه القوات تابعة للرئيس الجديد للبلاد، وهنا تبرز المخاوف من احتمال توظيفها وتسليحها بعقود صفقات جديدة مما يجعلها قوة مكافئة للجيش وهو ما لا تقبله قيادات الجيش، كما أن قرار الفريق “البرهان” الذي أصدره في شهر يناير الماضي بوضع هذه القوات تحت إشرافه المباشر لم يتم تنفيذه بعد.
7- تجريد “حميدتي” من مصدر قوته، من العقبات التي قد تقف أمام عملية دمج قوات الدعم السريع في الجيش النظامي، هو أن هذه القوات تمثل مصدر القوة الرئيسي الذي يرتكز إليه الجنرال “حميدتي” لتعزيز وضعه في الحياة السياسية بالسودان، من خلال الحفاظ على عملية توازن القوى بينه وبين منافسيه من قادة الجيش وعلى رأسهم الفريق “عبدالفتاح البرهان” في ظل الحديث عن الخلافات المتصاعدة بينهما بسبب اختلاف رؤية كل منهما تجاه كيفية إدارة المرحلة الانتقالية، وعدم موافقة “حميدتي” على الانقلاب الذي قاده “البرهان” على السلطة الانتقالية في 25 أكتوبر 2021، وإطلاقه تصريحات في أكثر من مناسبة حول هذا الأمر، ووصفه الانقلاب بالفاشل في تحقيق أهدافه، هذا بالإضافة إلى أن عملية دمج قوات الدعم السريع في الجيش تعني نزع مصادر قوته منه، وهو ما يمكن أن يأخذ بعض الوقت لتحقيق ذلك الأمر، وإن كان تحقيقه على المدى المتوسط والبعيد هو الأرجح.
قبول حميدتي
الخلاصة، تشير المعطيات الراهنة إلى أن مسألة دمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة السودانية ستظل هي العقبة الأبرز في مسار الانتقال السياسي في الوقت الراهن، وخاصة في ظل اشتراط الفريق “البرهان” لمسألة دمج هذه القوات للوصول إلى اتفاق سياسي نهائي لتحقيق الاستقرار السياسي المنشود في السودان، ويبقى تحقيق ذلك رهناً بقبول الجنرال “حميدتي” بتنفيذ ذلك. وفي هذا الإطار، تبقى كافة السيناريوهات المحتملة الخاصة بقبوله أو برفضه لذلك متاحة.