في الآونة الأخيرة، ثارت مناظرات ومناقشات جدلية في الفضاء الإعلامي، التقليدي والإلكتروني، عن قضية قديمة جديدة في السياسة العربية، تتعلق بمحاور أو تحالفات بين عدد من الدول العربية، في مواجهة محاور أو تحالفات عربية أخرى، وتتصل بمحاور أو تحالفات جديدة في مقابل محاور أو تحالفات مهجورة أو فاقدة الصلاحية.
والواقع أن هذه المناظرات والمناقشات الجدلية حصلت بعد انعقاد القمة العربية المصغرة في أبوظبي، في 24 يناير/ كانون الثاني المنصرم، التي جمعت قادة الإمارات ومصر وقطر والبحرين وعمان؛ بناء على دعوة من صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله. وقد سعت قمة أبوظبي، كما أشرنا في مقال الأسبوع الفائت، إلى إعطاء دفعة للعمل العربي المشترك في ظل متغيرات إقليمية ودولية معاكسة، واستكمال، أو استئناف جهود المصالحة القطرية-البحرينية التي بدأت في قمة العُلا في يناير/ كانون الثاني 2021. والواقع أيضاً أن هذه المناظرات والمناقشات الجدلية عن سياسة المحاور العربية كانت تستهدف بالأساس العلاقات الإماراتية-السعودية، والعلاقات المصرية-السعودية. ووظّف المستهدفون تغيّب السعودية عن قمة أبوظبي دليلاً على صدقية حججهم، وانخرطوا في هجمات إعلامية متبادلة عبر الفضائيات والصحف ووسائل التواصل الاجتماعي.
وقد استدعت هذه المناظرات والمناقشات الجدلية عن المحاور أو التجمعات العربية، وما صاحبها من استهدافٍ للأسس المتينة للعلاقات بين الإمارات ومصر والسعودية، تدخلاً حاسماً من القيادة السياسية في كل من الإمارات ومصر. فقد نفى الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، وجود خلافات مع المملكة العربية السعودية، داعياً وسائل الإعلام ومستخدمي منصات التواصل الاجتماعي إلى عدم الانسياق وراء محاولات إثارة الفتن. وفي هذا السياق، أكد أن سياسة مصر تتسم بالاعتدال والتوازن والانضباط الشديد، تجاه الجميع في الداخل والخارج. ونصح الإعلاميين والكتّاب بأنه «لما يبقى فيه موضوع يتم تداوله من دون أساس أو خلفية، هنمشي ورا بعض المواقع المغرضة اللي عاوزة تعمل فتنة بيننا وبين الأشقاء؟ إن مكنّاش نقول كلام طيب إحنا نسكت». كما أعاد الرئيس السيسي التأكيد على ذلك خلال كلمته في القمة العالمية للحكومات التي انعقدت في دبي، خلال اليومين الماضيين.
من جانبه، أكد الدكتور أنور قرقاش، المستشار الدبلوماسي لرئيس الدولة في تغريدة له بمنصة «تويتر»، أن ما يحدث في الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي من تجاذب حول محاور وتغيرات في السياسة العربية وضع غير صحي، ويفتح الباب للانقسام والفرقة، في الوقت الذي تحتاج فيه منطقتنا للتكاتف والتضامن. وشدد على أن توجه الإمارات أساسه وحدة الكلمة والصف. وفي هذا الإطار، يخلص الدكتور قرقاش، كانت وستبقى الشقيقتان السعودية ومصر محور توجهاتنا ومواقفنا.
لذلك أعتقد أن الدخول في مناقشات جدلية عن المحاور داخل النظام العربي، وتأبين محور، والترويج لمحور آخر… أمر ضرره أكثر من نفعه، سواء على صعيد العلاقات البينية بين الدول العربية، أو على مستوى العلاقات العربية الجمعية. بل الأجدر بنا أن ننظر إلى أي تطور وتوثيق للعلاقات بين الدول العربية على أنه يصب في مصلحة تقوية التضامن العربي، وتجديد النظام العربي وبث الروح فيه، ورفد جهود التكامل العربي بمبادراتٍ جديدة.
وكما أشار محمد القرقاوي، في إحدى مقابلاته عبر منصة «ثمانية»، فإن التنافس الخليجي يخدم الجميع، وحتى التمحور في العلاقات العربية-العربية يخدم التكامل العربي أيضاً.
والحقيقة أن هذه المناقشات الجدلية ليست بجديدة. فقد دارت رحى جدالات ومناقشات مثلها بُعيد ظهور التجمعات الفرعية في العالم العربي، في الثمانينات من القرن المنصرم، بتأسيس مجلس التعاون الخليجي أولاً عام 1981، ثم تلته تجمعات فرعية أخرى في المشرق والمغرب العربيين. وشاع بين الناقدين أن هذه التجمعات الفرعية سوف تفضي إلى تقسيم العالم العربي، وتخصم من تطلع الشعوب العربية إلى التكامل السياسي والاقتصادي. ولكن لم يمر وقت طويل حتى برهن الواقع على تهافت هذه الرؤى، واستناد هذه المناظرات الجدلية إلى أسس واهية.
والخلاصة، أن وضع بعض الدول العربية في مواجهة بعضها الآخر، عبر الخوض في سياسة المحاور أو استراتيجية التحالفات الجديدة والقديمة، لا يقوم على أساسٍ واقعي، ولا يجد له ما يسنده في التوجهات الخارجية لهذه الدولة، أو تلك. بيد أن الهدف الحقيقي هو تأزيم العلاقات بين بعض الدول العربية؛ الأمر الذي يجب شجبه ودحضه.
نقلا عن الخليج