لوحظ خلال الفترة القليلة الماضية عودة تنظيم القاعدة في جزيرة العرب لشن هجمات إرهابية بالأراضي اليمنية وبشكل خاصٍ على عناصر ومواقع القوات الجنوبية التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي، وتحديداً في المحافظات الجنوبية التي تشهد في الوقت الراهن جهوداً مكثفة من قبل هذه القوات لدحر التنظيمات الإرهابية التي تريد زعزعة أمن واستقرار اليمن والسيطرة على ثرواته ومقدراته، وخاصة تنظيمي الحوثي والإصلاح الإخواني اللذين صعدا من هجماتهما خلال الفترة الأخيرة لتحقيق أية مكاسب على الصعد كافة. وعليه فإن تنامي هجمات القاعدة ضد القوات الجنوبية في هذا التوقيت يحمل جملة من الرسائل، منها: التأكيد على القدرات التنظيمية لـمسلحي “القاعدة، ومحاولة استعادة مناطق النفوذ الاستراتيجية للتنظيم، وتوطيد أواصر التعاون مع التنظيمات الإرهابية، واستمالة قبائل الجنوب إلى صفوف القاعدة.
وفي هذا السياق، يمكن استعراض بعض الهجمات التي قام بها عناصر القاعدة في جزيرة العرب، والتي ألحقت خسائر بشرية ومادية في صفوف القوات التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي، وتحديداً في الثلاثة أشهر الأخيرة من عام 2022 ومطلع عام 2023، إذ جاءت أبرز هذه الهجمات الإرهابية كالتالي:
1- انفجارات 6 يناير 2023: وقع أول هجوم يشنه عناصر تنظيم القاعدة بجزيرة العرب منذ بداية العام الجديد في مديرية مودية في شرق محافظة أبين الجنوبية، وتحديداً بالقرب من “وادي عوامرن” حيث أماكن انتشار قوات الحزام الأمني التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي. ونجم عن هذا الهجوم الذي تم تنفيذه بإطلاق عبوات ناسفة على عربات عسكرية وقوع انفجارين بالوادي، ومقتل 7 جنود وإصابة 8 آخرين، وفقاً لما أعلنه المتحدث العسكري لقوات المجلس الانتقالي “محمد النقيب”.
2- هجمات ديسمبر 2022: شهد الشهر الماضي سلسلة من الأعمال الإرهابية نفذها عناصر تنظيم القاعدة، وخاصة في محافظتي أبين وشبوة جنوبي اليمن، معتمدين على “العبوات الناسفة”، كان أولها في 15 ديسمبر الماضي، وقع انفجار في منطقة الحميمة شرق مدينة مودية بأبين على مواقع تمركز قوات الحزام الأمني، ولم ينجم عنه أية خسائر، وكان هذا رداً على الحملة الأمنية التي أطلقتها القوات الجنوبية لتعيق عناصر التنظيم الإرهابي. أما في 16 ديسمبر الماضي، فوقع هجومان، أولهما كان عبارة عن تفجير إرهابي استهدف دورية للواء الخامس التابعة لقوة دفاع شبوة في مديرة مرخلة العليا بمحافظة شبوة، ونجم عنه إصابة جندين من اللواء الخامس. ومساء اليوم ذاته، هاجم عناصر القاعدة دورية عسكرية للقوات الجنوبية في الطريق العام المؤدي إلى معسكر عومران شرقي مديرية مودية، وهو ما نجم عنه مقتل جندي وإصابة 5 آخرين. ووقع الهجوم الأخير في 26 ديسمبر الماضي، على مواقع قوات جنوبية بأبين ونجم عنه مقتل جندين وإصابة 3 آخرين.
3- اغتيالات نوفمبر 2022: خلال هذا الشهر، فشلت محاولة عناصر تنظيم القاعدة الإرهابي في اغتيال أبرز القيادات العسكرية الجنوبية، وجاء على رأسهم قائد الطوارئ بقوات الحزام الأمني “فهد المرفدي” وقائد كتيبة اللواء الثالث دعم وإسناد التابعة لقوات الانتقالي الجنوبي “سمير المشوشي”. ففي 17 نوفمبر الماضي، زرع عناصر التنظيم عبوة ناسفة بأماكن تمركزهم في مديرية المحفد شرق محافظة أبين، وأدى هذا الهجوم إلى إصابة 3 من مرافقي القياديين العسكريين. ولم يمر سوى يومين، حتى استهدف عناصر القاعدة، في 19 نوفمبر الماضي، آلية عسكرية تابعة لقوات “الحزام الأمني”، في وادي عومران بمنطقة لحمر شرق مديرية مودية، ونجم عنه مقتل جندين وإصابة 7 آخرين. وفي أواخر نوفمبر الماضي، شن عناصر القاعدة هجوماً على القوات الجنوبية بمحافظة شبوة جنوب اليمن ونجم عنه قتل ثلاثة على الأقل من قوات الأمن بينهم ضابط برتبة رائد.
4- تفجيرات أكتوبر 2022: وقع في هذا الشهر سلسلة من الهجمات التي نفّذها عناصر القاعدة، ففي 9 أكتوبر الماضي زرع التنظيم الإرهابي عبوتين ناسفتين لقوات تابعة للانتقالي الجنوبي أثناء مرورها في الطريق العام بمديرية مودية شرقي بمحافظة أبين، مما نجم عنه مقتل 6 جنود وإصابة اثنين آخرين. وفي فجر 15 أكتوبر الماضي، شنّ مسلحو القاعدة هجوماً بواسطة 5 عبوات ناسفة على مدخل مدينة المحفد، نجم عنه وقوع 4 قتلى و2 مصابين من جنود القوات الجنوبية. أما في 22 أكتوبر الماضي، فقد نفذ عناصر القاعدة هجوماً بعبوة ناسفة على مركبة إسعاف عسكرية تابعة للواء الثالث دعم وإسناد التابع للمجلس الانتقالي في وادي حومران بمديرية المحفد بشرق أبين، ونجم عنها مقتل أربعة بينهم عقيد، وثلاثة عسكريين، وأُصيب اثنان آخران.
أسباب التصعيد
وقعت أعمال التصعيد السالف ذكرها بالتزامن مع جملة من التطورات شهدتها الساحة اليمنية خلال الفترة الأخيرة، وكانت سبباً بشكل أو بآخر في اتجاه تنظيم القاعدة لخيار التصعيد في مختلف المحافظات الجنوبية، ويأتي من أهمها ما يلي:
1- رداً على انطلاق المرحلة الثانية من “سهام الشرق”: أعلنت قوات الحزام الأمني في 2 يناير 2023، انطلاق المرحلة الثانية من عملية “سهام الشرق” في محافظة أبين، لاستكمال تطهير المحافظة الجنوبية من التنظيمات الإرهابية التي استوطنت جنوب البلاد، وذلك بعد النجاحات التي حققتها المرحلة الأولى من هذه العملية حينما انطلقت في 23 أغسطس الماضي، بتوجيهات من نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني ورئيس الانتقالي الجنوبي “عيدروس الزبيدي”، لتوفير الأمن والاستقرار لليمن وللمنطقة بأكملها.
2- رداً على إعلان أمريكا عن مكافأة مالية للتوصل لقيادي بارز بالقاعدة: في 15 ديسمبر الماضي، جددت السفارة الأمريكية في اليمن بحسابها الرسمي على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”، مطلب واشنطن الخاص بصرف مكافأة تصل إلى 5 ملايين دولار لمن يُدلي بمعلومات عن أحد كبار قادة تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية وهو “إبراهيم البنا” المكنى “أبو أيمن المصري” والمدرج على قوائم الإرهاب الدولي، إذ تشك واشنطن في أنّ القيادي الإرهابي موجود بالأراضي اليمنية، وأنه زعيم تنظيم القاعدة الحالي، خاصة أنه بعد مقتل “أيمن الظواهري” زعيم القاعدة السابق في غارة أمريكية بأفغانستان في أغسطس الماضي لم يعلن التنظيم عن خليفته حتى الآن.
3- عرقلة الاتفاق الأمني بين الإمارات والشرعية لمكافحة الإرهاب في الجنوب: في 15 ديسمبر الماضي، وقع اتفاق أمني بين وزارتي الدفاع الإماراتية واليمنية لمواجهة نشاط التنظيمات الإرهابية المتصاعد في جنوب البلاد، ولاقت هذه الاتفاقية ترحيباً في الأوساط الشعبية والقيادية، واعتبروها من أبرز الخطوات التي ستسهم في دحر التنظيمات الإرهابية كافة بالجنوب (الإصلاح الإخواني، الحوثي الانقلابي، القاعدة الإرهابي)، خاصة أنها جاءت بعد يومين من تقارير لمجلة “نيوزويك” الأمريكية وصحيفة “معاريف” الإسرائيلية، في 13 ديسمبر الماضي، كشفت عن سيطرة تنظيم القاعدة على أجزاء من شحنة اليورانيوم المخصب التي كانت إيران تهربها إلى مليشيا الحوثي في شمال اليمن.
4- التصدي لهجمات واشنطن على معاقل القاعدة بجنوب البلاد: تتخوف الولايات المتحدة الأمريكية منذ مقتل “الظواهري” من أن يستغل التنظيم الإرهابي وجوده بالأراضي اليمنية وتحديداً في الجنوب، لتوسيع مواقع تمركزه، وجعل اليمن موطئ قدم جديد للقاعدة في المنطقة، وهو ما دفعها أواخر العام الماضي لشن سلسلة من الهجمات لاستهداف أبرز قيادات التنظيم الإرهابي، كان أبرزها في 29 نوفمبر 2022، حيث شن سلاح الجو الأمريكي عدة غارات بالطائرات المسيرة “الدرونز” على معاقل مسلحي القاعدة في بعض المحافظات اليمنية التي يختبئون فيها، وخاصة شبوة وأبين ومأرب وحضرموت.
5- استغلال حالة انعدام الاستقرار الممتد في البلاد: يعاني اليمن منذ انقضاء الهدنة الأممية، في 2 أكتوبر الماضي، من حالة عدم الاستقرار على جميع المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية، ناجمة عن اتجاه مليشيا الحوثي منذ رفضها الموافقة على تجديد الهدنة للمرة الرابعة، إلى خيار التصعيد بجميع أرجاء البلاد في محاولة للضغط على قوى التحالف العربي والمجلس الرئاسي اليمني للاستجابة لشروط الحوثي للعودة مجدداً للهدنة الإنسانية، وهو ما رفضته أطراف الصراع الأخرى، وهو الأمر الذي استغله حزب الإصلاح الإخواني متجهاً إلى السير على النهج الحوثي ذاته، بتكثيف أعماله التصعيدية في الجنوب لمحاولة العودة للمشهد السياسي اليمني، وهو ما شكل ضغطاً على القوات الجنوبية التي تحارب جميع تلك التنظيمات، وعليه فإن هذا المناخ دفع تنظيم القاعدة للسير على نفس الخط لإبراز وجوده.
رسائل عديدة
في ضوء ما تقدم، يمكن القول إن الهجمات الأخيرة لتنظيم القاعدة جاءت رداً على سلسلة التطورات السالف ذكرها، إذ يعتبرها التنظيم محاولة للقضاء عليه وإخراجه من الأراضي اليمنية، وعليه ارتأى ضرورة الرد عليها بتصعيد أعماله الإرهابية لإيصال جملة من الرسائل، يمكن توضيحها على النحو التالي:
1- التأكيد على القدرات التنظيمية لـمسلحي “القاعدة”: أراد التنظيم الإرهابي من خلال هجماته المتصاعدة إيصال رسالة مفادها أنه موجود على الساحة اليمنية وقادر على شن هجمات نوعية مخطط لها بعناية، حتى ينفذ أهدافه بدقة في نهاية الأمر، بإلحاقه خسائر بصفوف القوات الجنوبية التي لا تتوقف عن استهداف عناصره الإرهابيين، وفي الوقت ذاته القول إن “القاعدة” حينما يطلق تهديدات فإنه ينفذها على الفور، لذلك نلاحظ أن هجمات القاعدة في أواخر العام الماضي جاءت عقب توجيه الذراع الدعائي للتنظيم (مؤسسة الملاحي) في أكتوبر الماضي، تهديداً بشن عمليات إرهابية ضد القوات الجنوبية للرد على عملية “سهام الشرق”، ومتوعداً بحرب استنزافية في الجنوب باستخدام “العبوات الناسفة”.
2- محاولة استعادة مناطق النفوذ الاستراتيجية: وسع التنظيم من عملياته الإرهابية لإيصال رسالة لجميع القوات التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي بأن “القاعدة” ستحاول استعادة معاقلها الاستراتيجية التي سيطرت عليها القوات الجنوبية منذ انطلاق عملية “سهام الشرق”، ومن أبرزها معسكر “عومران” الاستراتيجي الواقع شرقي مديرية مودية بمحافظة أبين والذي تم تحريره في 18 سبتمبر الماضي، إذ إن “عومران” كان من أهم معسكرات “القاعدة” وكان بمثابة “الحصن للتنظيم وداعميه في جزيرة العرب”، ولذلك فإن تحريره يسهل من عملية تحرير القوات الجنوبية لمحافظتي شبوة وأبين من جميع التنظيمات الإرهابية وفي مقدمتها “القاعدة”.
3- توطيد أواصر التعاون بين التنظيمات الإرهابية: تكشف الأعمال التصعيدية لـ”القاعدة” التي ركزت على استهداف القوات الجنوبية دون غيرها، أن هناك تعاوناً وتوافق مصالح بين القاعدة وغيرها من الإرهابيين بالبلاد، وعلى رأسهم جماعة الحوثي الانقلابية، خاصة أن مصادر يمنية مطلعة كشفت خلال العام الماضي أن دعم الحوثيين بالأسلحة لتنظيم “القاعدة”، وأن المليشيا الانقلابية هي من تصنع “العبوات الناسفة” وتمنحها للقاعدة، مقابل أن يقوم الأخير بإلحاق أكبر قدر من الخسائر بالقوات الجنوبية التي تعد في الوقت ذاته بمثابة “حائط سد” أمام توسع الحوثيين في الجنوب، حيث نلحظ أن الجماعة المدعومة من إيران رغم أيديولوجيتها الشيعية فإنها تعاونت مع إخوان اليمن “حزب الإصلاح” وقيادات “القاعدة” بهدف تحقيق مخططاتها بأي طريقة كانت.
4- استمالة قبائل الجنوب إلى صفوف القاعدة: يريد التنظيم من جراء أعماله التصعيدية تلك إيصال رسالة لمواطني الجنوب وخاصة رجال القبائل الذين لطالما اعتمد عليهم “القاعدة” سابقاً في توسيع مواقع تمركزه، ولكن بعد النجاحات التي حققتها القوات الجنوبية وبعد انتشار جرائم الفساد والإرهاب وعدم الاستقرار في المحافظات الجنوبية، تخلت القبائل عن القاعدة، بل وقدمت دعماً للحملات العسكرية والأمنية التي أعلن عنها المجلس الانتقالي الجنوبي بمحافظات الجنوب. ولهذا يحاول الأخير استعادتها لصفوفه مرة أخرى، أو على الأقل تحييدها عن تقديم دعم لأطراف الصراع الأخرى، وتهديدها بالاستهداف. وقد بدأ التنظيم بالفعل في هذا المخطط منذ مطلع يناير الجاري، إذ شن هجمات تصعيدية على “مشايخ قبائل مودية”، ويقوم في الوقت ذاته بإطلاق مزاعم بأن “الانتقالي الجنوبي” هو من يستهدف القبائل.
دعم مشروط
خلاصة القول، إن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب لن يتوقف عن هجماته الإرهابية خلال الفترة المقبلة، خاصة في ظل حالة عدم الاستقرار التي تشهدها الأراضي اليمنية، حيث سيحاول التنظيم تحقيق أية مكاسب في ظل هذا المناخ، وهو ما يضع عبئاً على القوات الجنوبية في الحفاظ على النجاحات التي حققتها خلال الأشهر الماضية، على نحو يتطلب من الأطراف المحلية والدولية والإقليمية في حال أرادت دحر تنظيم القاعدة وتجفيف منابعه في جزيرة العرب تقديم جميع وسائل الدعم لهذه القوات لتعزيز نفوذها وتقوية صفوفها العسكرية لمواجهة الإرهاب.