أما وأن العالم يواجه الآن أزمة كبرى تطال القيم الإنسانية والأخلاقية، وحتى الدينية، فإن الحاجة ملحّة لأخذ ذلك بعين الاعتبار في الحياة العربية أيضاً. ذلك أن موضوع القيم، كمعيار ضروري مرجعي حاكم للفكر والممارسات في الحياة العصرية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية التكنولوجية وغيرها، قد أصبح الشغل الشاغل للكثير من الأوساط والمؤسسات والأشخاص في كل بقاع العالم.
ويعيش العالم الآن خلافات حادة حول أي القيم التي يجب أن تكون لها الأوليّة، وحول موضوعية مدى استعمالها كمعايير حاكمة، وحول مرجعيات تلك القيم التاريخية والحاضرة، كل ذلك يشابه المناقشات والخلافات الحادة التي عاشها العالم بعد الحرب العالمية الثانية حول الفلسفات والإيديولوجيات التي يجب أن تحكم العالم.
من هنا أهمية أن نطرح كعرب على أنفسنا العديد من الأسئلة التي تمسنا مباشرة بالنسبة لهذا الموضوع.
* أولاً، هناك المشروع النهضوي العربي الذي يطرح شعارات الوحدة العربية والاستقلال الوطني والقومي والتنمية والعدالة الاجتماعية والديمقراطية والتجديد الحضاري. فهل يجب أن يضاف إلى شعاراته الستة تلك شعار سابع مستقل يتعلق بالقيم الإنسانية والأخلافية التي يجب أن تكون معياراً يحكم فكر وممارسات تلك الشعارات الستة؟
ذلك أن إدخال هذا الموضوع في المشروع النهضوي سيجعل ممارسته في كل ما يمس الحياة العربية حاجة وجودية تجعله متواجداً في كل نضال من أجل أي هدف مجتمعي جماهيري تطرحه القوى المدنية العربية.
* ثانياً، هل شعار القيم، كمعيار ضروري حاكم، يجب أن يكون جزءاً أساسياً من عملية التثقيف السياسي للشابات وللشباب العربي؟ تماماً كما كنا في الماضي نعتبر شعار الوحدة العربية هو الذي يحكم تبني أو عدم تبني بقية الشعارات الأخرى، على أساس أن كل ما يقرب من الوحدة العربية هو الشعار المقبول، وأن ما يبعد عن الوحدة العربية هو المرفوض.
وفي هذه الحالة، أيّ القيم ندخلها في الحياة الجمعية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية العربية؟ وأيّ القيم نتركها للقرار الفردي، لأنها في الأساس تخص الفرد ولا تمس الجماعة؟
نطرح تلك الأسئلة، وغيرها الكثير، بعد أن أصبح موضوع القيم مطروحاً في كل مساحة من النشاطات الإنسانية. لقد أصبح مطروحاً بقوة في الحياة السياسية وعلى الأخص بالنسبة لأهميته في تعديل مسار الأنظمة الديمقراطية، ومطروحاً بقوة في الحياة الاقتصادية، بعد أن تبيّنت نقاط الضعف الكثيرة في الفكر النيوليبرالي الرأسمالي العولمي، ومطروحاً بقوة في الحياة الاجتماعية بعد أن تصدعت أسس العائلة وعلاقاتها في المجتمعات الحديثة، ومطروحاً بقوة في الحياة الجنسية بأشكال لا تعد ولا تحصى، بحيث تهدد مفاهيم الطبيعة والعلاقات الإنسانية التي عرفها الإنسان عبر القرون الطويلة السحيقة من تاريخه، ومطروحاً بقوة في الكثير من جوانب الساحتين العلمية التجريبية والتكنولوجية ذات القدرات الهائلة في التأثير على الإنسان، وأخيراً مطروحاً في ساحات الأسس والممارسات التي تقوم عليها العلوم الإنسانية والاجتماعية الحديثة. وبالطبع فإن هذا الموضوع برمّته في قلب ساحة الديانات جميعها بصور متفاوتة.
لا توجد فترة تاريخية أخرى شهدت مثل هذا الزخم في طرح موضوع القيّم كما هو الحال في عصرنا الحالي.
ولذلك فمن حق شبابنا وشاباتنا أن يكون هذا الموضوع جزءاً لا يتجزأ من تثقيفهم في البيت والمدرسة والجامعة والمجتمع، وأن يكون جزءاً من الميزان الذي يقيسون به كل نشاطات الحياة، حاضراً ومستقبلاً.
نقلا عن الخليج