فى عدد يوم السبت الماضى (٣١ ديسمبر) لجريدة الفاينانشيال تايمز البريطانية الشهيرة، وفى جزء مخصص لتوقعات العام الجديد ٢٠٢٣، بدأت الجريدة بالاعتذار عن خطأ العديد من توقعاتها لعام ٢٠٢٢، ومن تلك التوقعات الخاطئة للعام الماضى أنها استبعدت قيام الحرب الروسية الأوكرانية، وذكرت وقتها أنه لا يوجد مبرر منطقى لقيام الرئيس «فلاديمير بوتين» بغزو أوكرانيا، ولكن يبدو أن المنطق له تفسيرات مختلفة.
الجريدة توقعت أيضًا فوزًا كبيرًا للحزب الجمهورى فى الانتخابات النصفية للكونجرس الأمريكى، والتى جرت فى نوفمبر الماضى، ولكن ما حدث كان انتصارًا محدودًا للجمهوريين فى مجلس النواب، مع احتفاظ الديمقراطيين بالأغلبية فى مجلس الشيوخ. الجريدة توقعت أيضًا أن يظهر «متحور» أكثر شدة لفيروس «كورونا» وليس متحور «أوميكرون» الضعيف الذى ظهر.. إلى غير ذلك من توقعات أخرى جانَبها الصواب.
أحد مقالات الرأى فى نفس عدد الجريدة أوصى قادة العالم بتبنى حالة عدم اليقين والحديث عنها مع شعوبهم، وبدلًا من أن يتم ذكر رقم واحد للتضخم مثلًا، يمكن لقادة العالم طرح التصورات المتعددة، وشرح نطاق واحتمالية النتائج المختلفة.
أحد أساتذة العلوم السياسية الكبار بجامعة هارفارد الأمريكية، وهو «ستيفن وولت»، ذكر، فى مقابلة مع موقع «فورين بوليسى»، أن قادة العالم عادة ما يواجهون قضايا لم يتوقعوها على الإطلاق، على سبيل المثال لم يتوقع جورج بوش أن تأتى أحداث ١١ سبتمبر عام ٢٠٠١، ولم يتوقع باراك أوباما أحداث ما سُمى الربيع العربى، ولم يتوقع دونالد ترامب جائحة كورونا. لذا يرى «والت» أن أى محاولة للتنبؤ بالمستقبل تكون محفوفة بالمخاطر.
ولكن المتابع لتوقعات العام الجديد سوف يجد أن المسألة لم تعد تتعلق بحدث كبير لا يمكن التنبؤ به ولكن عدم اليقين أصبح هو القاعدة حتى بالنسبة لتطور الأحداث التى بدأت فى العام الماضى.
على سبيل المثال، هناك حالة من عدم اليقين بالنسبة لمستقبل الحرب الروسية الأوكرانية، ويتوقع البعض أن تكون هناك مفاجآت فى العام الجديد، ولكن لا يعرف أحد ما إذا كانت ستصب فى مصلحة روسيا أم أوكرانيا.
حالة عدم اليقين تمتد أيضًا إلى الأوضاع الاقتصادية فى العالم، وهل ستستمر ظاهرة التضخم وارتفاع الأسعار بنفس المعدلات الحالية أم ستنحسر فى بعض الدول، ولكن يظل عدم اليقين قائمًا حول الأسباب التى قد تؤدى إلى انحسار هذا التضخم.
لو انتقلنا إلى الساحة الإقليمية فإن حالة عدم اليقين هى أيضًا سيدة الموقف. على سبيل المثال، فإن تركيا، رغم المكاسب التى حصلت عليها من الحرب الروسية الأوكرانية، فإنها سوف تشهد مرحلة من عدم اليقين ترتبط بانتخابات الرئاسة والبرلمان فى يونيو القادم. نتائج الانتخابات لا تزال غير محسومة بالنسبة للرئيس التركى «أردوغان» فى ظل تحديات اقتصادية ضخمة، وارتفاع كبير فى التضخم. بعض التوقعات تشير إلى أن «أردوغان» سيستخدم كل الوسائل المتاحة خلال الشهور القادمة لضمان نجاحه واستمراره فى الحكم لعقد ثالث، بما فى ذلك المغامرات الخارجية، واحتمال حملة عسكرية كبيرة على الأكراد فى شمال سوريا. البعض ينظر إلى «أكرم إمام أوغلو»، الرئيس السابق لبلدية اسطنبول، باعتباره منافسًا قويًّا لأردوغان، بالرغم من صدور حكم بحبسه لمدة ثلاثين شهرًا فى ١٥ ديسمبر الماضى، والكل فى انتظار قرار محكمة الاستئناف، والذى قد يغير مسار الانتخابات.
فى إسرائيل يبدأ «بنجامين نتنياهو» فترة سادسة رئيسًا للوزراء، مع حكومة تضم عناصر من أقصى اليمين المتطرف. حالة اللايقين سائدة بشأن سلوك هذه الحكومة تجاه عدد من القضايا، على رأسها القضية الفلسطينية، وخاصة ما يتعلق بوعد الحكومة بالتوسع الاستيطانى فى الضفة الغربية، وإضفاء الصفة القانونية على المستوطنات غير المخططة التى أنشأها متطرفون، وتأثير كل ذلك على الفلسطينيين والدول العربية، التى أقامت علاقات سلام مع إسرائيل. يُضاف إلى ذلك ما أعلنه «نتنياهو» من أن المهمة الأولى لحكومته هى إحباط مساعى إيران لتطوير سلاح نووى، وهى عبارة تحمل فى طياتها احتمالات خطيرة.
وبالنسبة لإيران، فإن عدم اليقين يرتبط بتفاعل ثلاثة عوامل، وهى استمرار الاحتجاجات والمظاهرات فى العام الجديد، واحتمال اتساع نطاقها الجغرافى، مع استمرار الأوضاع الاقتصادية الصعبة، وتطلع جيل الشباب لمستقبل أفضل، هناك أيضًا احتمال «خلافة» مرشد الثورة الإسلامية «على خامنئى» لظروف صحية، وما قد يرتبط به من نتائج. تُضاف إلى ذلك نهاية أى احتمال لعودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووى مع إيران، واحتمال بداية حملة لاتهام إيران بتجاوز «خطوط حمراء» فيما يتعلق ببرنامجها النووى، وربما شجع ذلك البعض على استخدام خيار عسكرى لتدمير منشآت نووية إيرانية، وبالتالى الدخول فى دائرة اللايقين بشأن رد الفعل الإيرانى وتأثيره على المنطقة.
باختصار، العديد من دول الشرق الأوسط تدخل مرحلة من عدم اليقين، يصعب التنبؤ بمساراتها ونتائجها على المنطقة. ويبدو أن النظام الدولى يشهد أيضًا حالة من عدم اليقين ستعيش معنا لسنوات عديدة قادمة.
نقلا عن المصري اليوم