قبل أسبوع، كتبت عن العام، الذي أطلّت أشعة شمسه الأولى اليوم، بأنه «عام الخطر». لم تكن صعبة قراءة أوراق القدَر، الذي يهدد العالم نتيجة استمرار واستحكام الحرب الروسية الأوكرانية، والدعوة إلى التحسُّب لها على ضوء شبه غياب محاولات التسوية أو فتح باب للمفاوضات، وهو ما سماه عالِم العلاقات الدولية، «جوزيف ناى»: الشتاء الدبلوماسى.
وأضاف لصعوبة التوصل إلى حل تفاوضى في الحرب الأوكرانية مقالًا لروبرت مانينج وماثيو بوروز، المترجم تحت عنوان «توترات عالمية»، في نشرة «إنترريجنال» للتحليلات الاستراتيجية، تزايد انعدام الأمن الغذائى حول العالم؛ واستمرار الخطر الإيرانى على دول الشرق الأوسط، وتفاقم أزمات الديون بين دول العالم النامى، ومخاوف تبلور أزمة مالية إقليمية عالمية، وتآكل شرعية النظام الليبرالى الغربى في العالم، وعدم استقرار صناعات التكنولوجيا العالمية، وتفاقم آثار تغير المناخ، وعودة «الشيطنة المتبادلة» في علاقات بكين وواشنطن، وتصاعد التوترات الدولية في شبه الجزيرة الكورية.
القائمة هكذا فيها من التشاؤم ما يكفى ثمانية مليارات نسمة من سكان كوكب الأرض. ولكن الصورة على سوادها تحتاج درجة من التواضع التشاؤمى، فنادرًا ما كانت التوقعات في مطلع العام متفائلة، ولعل ذلك كان متزايدًا خلال الأعوام الأخيرة مع حلول «الجائحة» وغيرها من المصائب الكونية، فالحقيقة أنه رغم كل الآلام التي تعلقت بالوباء، فإن العالم وقف على قدميه في مواجهتها، وفى مصر ظلت معدلات النمو إيجابية، والآن تُضاف الحرب الأوكرانية إلى قائمة أخطار وأزمات سبقها «الإرهاب»، الذي احتفلت مصر في مواجهته بعودة الحياة الطبيعية إلى مدينة العريش مرة أخرى.
وفى مواجهة كل التنبؤات السوداء، وهى صحيحة، فإن هناك في مجال التكنولوجيا العالمية مجالات جديدة للتقدم تحل الكثير من معضلات العصور السابقة. وفى المقدمة منها تقع التطورات الأخيرة في مجال «الاندماج النووى» أو Fusion، الذي يرقى إلى مرتبة ثورة عالمية في مجال الطاقة.
الحقيقة إذن هي أننا أمام تحدٍّ آخر لم تكن مصر ساكنة في مواجهته، وبقدر ما كان فيها من ضغوط على الدولة المصرية، وآلام للمصريين، فإن المسيرة لم تتوقف، ولم يتوقف مشروع واحد عن الاستمرار في طريقه.
بوادر الانفراج في الأزمة ظهرت مع الاتفاق مع صندوق النقد الدولى، وإعلان الحكومة عن عزمها خلال فترة قصيرة على إنهاء حالة الجمود في الموانئ المصرية نتيجة تراكم الواردات؛ وانعكاس ذلك على توافر الدولار وتبادله مع الجنيه المصرى. ولكن الأهم من ذلك أن الأزمة الاقتصادية شكّلت درسًا مهمًّا ليس في تجاوزها، وإنما أن نسعى لعدم تكرارها مرة أخرى، فمن المؤلم أنه في أعقاب محاولات التنمية الجادة المصرية كانت تحدث مثل هذه الأزمات الخاصة بتوافر العملات الأجنبية، والدولار خاصة، وجرى ذلك في أعوام ١٩٩٧ و٢٠١١ و٢٠٢٢.
هذه المرة، فإن هناك حزمة من الاستعدادات المصرية، التي تُعيد التوازن للاقتصاد المصرى دون تراجع عن المسيرة العامة للمشروع الوطنى المصرى.
ثلاثة توجهات واقعة في الجعبة المصرية: تطبيق المبادرات التي ولدتها مصر، والمشكلة من «وثيقة ملكية الدولة»، وتوصيات مؤتمر «الحوار الاقتصادى»، والاتفاق مع صندوق النقد الدولى، وجميعها يصب في اتجاه زيادة الاعتماد على القطاع الخاص ودوره في الاقتصاد الوطنى. التوجه الآخر هو إصلاح الجهاز الإدارى المصرى؛ ولحسن الطالع أن هناك مشروعًا متكاملًا للإصلاح متوافرًا لدى الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة، وجرى عرضه على مجلس الشيوخ مؤخرًا من قِبَل د. صالح الشيخ، وينتظر شرارة الإطلاق.
التوجه الثالث هو أنه ربما آن الأوان لإطلاق عمل المشروعات التي جرى الانتهاء منها، مثل المتحف المصرى الكبير والعاصمة الإدارية الجديدة، لأنه فضلًا عن رفع الروح المعنوية المصرية، وإطلاع العالم على الجانب الحضارى للمسيرة المصرية الحالية، فإنه يضع المصريين وجهًا لوجه مع نتائج عملهم خلال السنوات القليلة الماضية، ويعدهم لما سوف يأتى في الأعوام القليلة المقبلة.
التوجهات الثلاثة سوف تضع مصر فوق أرضية جديدة للتعامل مع أوضاع عالمية مقلقة في عمومها؛ وإذا ما أُضيفت التوجهات إلى توجه رابع تمارسه السياسة المصرية، وهو الذي سبقت تسميته بـ«الإقليمية الجديدة»، فإنها تسهم في تغطية الفجوة العالمية في التعاملات الاقتصادية، وتزايد العسكرة في التفاعلات الدولية، التي لا يبدو لها تراجع في هذه المرحلة من الصراع الدولى.
أكثر من ذلك، فإنها منذرة لأنها تُثير ذكريات عالمية مظلمة عندما قامت ألمانيا واليابان برفع استعداداتهما العسكرية.
زيارة الرئيس الأوكرانى «زيلينسكى» إلى الولايات المتحدة- وإلقاؤه خطابًا في الكونجرس، في ذكرى مرور ٨١ عامًا على خطاب ونستون تشرشل- تضيف خطر انتقال «الحرب الأوكرانية» إلى مراحل جديدة مفزعة.
نقلا عن المصري اليوم