٢٠٢٣.. عالم أقل استقرارًا – الحائط العربي
٢٠٢٣.. عالم أقل استقرارًا

٢٠٢٣.. عالم أقل استقرارًا



العام الجديد، الذى سيبدأ بعد أقل من أسبوعين، سيكون امتدادًا لسابقه فيما يتعلق باستمرار العديد من الأزمات الدولية، بل ربما تصعيدها. ونبدأ بالأزمة الأوكرانية، فأغلب التقديرات تؤكد استمرار النزاع فى العام الجديد. وتشير توقعات مؤسسة «فيتش» العالمية إلى استمرار الحرب بين روسيا وأوكرانيا فى معظم عام ٢٠٢٣، حيث لن يحقق أى من الجانبين أهدافه بالكامل، وسيستمر الطرفان ملتزمين بتحقيق أهدافهما، على الرغم من أن كل طرف سيكتشف صعوبة تحقيق ذلك، حيث لا يمتلك أى من الجانبين ما يكفى من الأفراد والأسلحة والتمويل لتحقيق أهدافه.

وسيزداد الدور الأمريكى فى الأزمة من أجل استنزاف روسيا، وستقوم الولايات المتحدة بتقديم المزيد من الدعم العسكرى لأوكرانيا، مما سيؤدى إلى تصعيد أكبر فى الصراع. وقد شهدت نهايات عام ٢٠٢٢ تغيرًا فى الموقف الأمريكى من تسليح أوكرانيا، واستندت سياسة الولايات المتحدة فى تسليح أوكرانيا إلى مبدأين، هما أن الأسلحة الأمريكية التى زودتها بها لن تُستخدم لمهاجمة روسيا نفسها، واختيار المُعدات سيكون مشروطًا بالحاجة إلى تجنب الحرب بين الناتو وروسيا. ولكن تشير تقارير صحفية إلى أن الولايات المتحدة أصبحت تؤيد ضمنيًّا الهجمات طويلة المدى التى تشنها أوكرانيا على أهداف داخل روسيا، بعد الضربات الصاروخية التى شنتها روسيا على البنية التحتية الحيوية فى أوكرانيا.

وأصبحت واشنطن الآن أقل قلقًا من أن الضربات بعيدة المدى داخل روسيا قد تؤدى إلى تصعيد كبير. أى أن واشنطن أعطت ضوءًا أخضر ضمنيًّا لمهاجمة أوكرانيا للأراضى الروسية ولكن دون أن تصرح بذلك علنًا. أوضح مسؤولو وزارة الدفاع الأمريكية أن الطلبات الواردة من كييف للحصول على أسلحة أمريكية بعيدة المدى، بما فى ذلك الصواريخ والقاذفات المقاتلة، التى يمكن استخدامها لشن ضربات أكثر فعالية فى روسيا أو شبه جزيرة القرم، يتم النظر فيها بجدية. وسوف تسهم هذه التطورات العسكرية فى المزيد من التصعيد العسكرى بين أوكرانيا وروسيا.

سوف يستمر أيضًا تأثير الحرب الأوكرانية على الأوضاع الأوروبية، وستكون المشكلة الرئيسة فى أوروبا عام ٢٠٢٣ هى الطاقة، وتشير تقارير دولية إلى بقاء ترشيد الاستهلاك كاحتمال كبير مع اشتداد برودة الشتاء، وتضيف التقارير أن القارة قد تواجه عجزًا يصل إلى ٣٠ مليار متر مكعب من الغاز الطبيعى العام المقبل، إذا خفضت روسيا الصادرات إلى الصفر، مع بقاء تضخم فواتير الطاقة على المستهلك الأوروبى طوال عام ٢٠٢٣. ويشير تقرير مؤسسة «فيتش» إلى أن الأزمة الأوكرانية ستؤدى إلى استمرار تعرض مشروع وحدة الاتحاد الأوروبى لضغوط عام ٢٠٢٣، والتى بدأت بالفعل عام ٢٠٢٢، حيث ظهرت العديد من التوترات عندما أقر الاتحاد الأوروبى مجموعة من العقوبات على روسيا، واتخذ العديد من الدول الأعضاء إجراءات انحرفت عن الإجماع الأوروبى فى هذا الشأن، وتحفظت بعض الدول مثل المجر على العقوبات على روسيا، وسوف يستمر هذا الانقسام فى أوروبا تجاه الأزمة الأوكرانية، وخاصة مع انتخاب حكومتين يمينيتين فى إيطاليا والسويد فى أكتوبر الماضى، وضغوط الرأى العام لوقف الحرب.

التنافس الأمريكى الصينى مرشح أيضًا للتصعيد عام ٢٠٢٣ فى العديد من القضايا، نتيجة للدخول فى أجواء التمهيد للانتخابات الرئاسية فى ٢٠٢٤، بإعلان ترشح الرئيس السابق ترامب، وبالتالى عودة موضوع الصين كقضية انتخابية. بالإضافة إلى ذلك، فإن وجود أغلبية من الحزب الجمهورى بمجلس النواب سوف تقوم بممارسة الضغوط على إدارة الرئيس بايدن لاتخاذ مواقف أكثر تشددًا تجاه الصين سواء فى الملفات الاقتصادية أو تلك المتعلقة بتايوان، كذلك سوف يشهد عام ٢٠٢٣ استمرار الرئيس بايدن فى بناء تحالفات متعددة الأطراف لمواجهة الصين وتبنى سياسات تجارية حمائية تجاهها.

الصين من ناحيتها سوف تسعى لتعزيز قدراتها الاقتصادية والعسكرية بعد الخروج من فترة العزلة التى ارتبطت بوباء كورونا، والبناء على زخم التماسك الداخلى، الذى أوضحه المؤتمر الوطنى الأخير للحزب الشيوعى الصينى، وهو ما سيجعلها قادرة على تعزيز قدراتها العسكرية، وخاصة فى مجال الأسلحة النووية، وتبنى مواقف أكثر تشددًا تجاه الولايات المتحدة.

مسرح التوتر الصينى الأمريكى عام ٢٠٢٣ سيكون فى منطقة المحيطين الهندى والهادى وبحر الصين الجنوبى وتايوان، خاصة قبل الانتخابات التى ستجرى بها عام ٢٠٢٤. كما سوف تستمر التوترات الصينية الأمريكية حول قضايا التجارة ونقل التكنولوجيا.

ولكن لن يتصاعد التوتر إلى مرحلة حافة الهاوية والمواجهة العسكرية، بل سيتصف بدرجة من الانضباط فى التصعيد نظرًا لاستمرار علاقات الاعتماد الاقتصادى المتبادل بين البلدين، وسعى الصين لتجنب أى مواجهة شاملة مع الغرب والولايات المتحدة قد تهدد تجربتها التنموية وصعودها الاستراتيجى الهادئ.

باختصار، عام ٢٠٢٣ لن يكون أكثر هدوءًا واستقرارًا من سلفه ٢٠٢٢، بل ستستمر كثير من التوترات التى بدأت فى ٢٠٢٢، وقد تتصاعد.

نقلا عن المصري اليوم