أخبار النتائج الأولية للانتخابات اللبنانية، وخسارة حزب الله والأحزاب المُتحالفة معه ثلاثة عشر مقعدًا، وأنه لم يعد حزب الأغلبية البرلمانية، يتجاوز مغزاها لبنان، حيث تنطوى على فُقدان الهالة الشعبوية التى رافقت الأحزاب الدينية، فى العقود الأربعة الأخيرة، وخاصة مع الصعود السياسى لحزب العدالة والتنمية فى تركيا، ثم نظيره بنفس الاسم فى المغرب، وحزب النهضة فى تونس، والإخوان المسلمين فى مصر، مع فوز القيادى الإخوانى محمد مرسى بالانتخابات الرئاسية فى مصر. وأصبح الربيع العربى (2010-2013) كما لو أنه غزوة إسلامية.
ولكن العجلة والتسرع فى أسلمة الفضاء العام، وما بدا أنه تراجع عن مُنجزات مائة سنة من الحداثة- أدت إلى قلق جماهيرى واسع، سرعان ما تبلور فى حركات مُنظمة لحماية تِلك المُنجزات، كان أهمها حركة تمرد فى مصر، والتى جمعت توقيعات ثلاثين مليون ناخب مصرى، أى ضعف ما كان الرئيس الإخوانى قد حصل عليه من أصوات فى انتخابات 2012.
وجدير بالذكر فى هذا السياق:
1ـ أن تراجع الإسلام السياسى قد تم سِلميًّا، إما من خلال الانتخابات (حالتى المغرب ولبنان)، أو التظاهرات الشعبية السِلمية (حالتى مصر وتونس).
2ـ أن التراجع لم ينطو على إقصاء أو التصفية المادية للمؤمنين أو المتحدثين باسم الإسلام السياسى، ولكنه اقتصر على تنحيتهم عن الحُكم.
3ـ كشفت الفترات التى تولى فيها الإسلاميون السُلطة أو شاركوا فيها، أنهم ليسوا أفضل ولا أسوأ من غيرهم. وفى كل الأحوال ليس لديهم مُقدرات خارقة للعادة للتعامل مع مشكلات مجتمعاتهم الكُبرى.
4ـ لم يعد لحديث المظلومية، أى أنهم دائمًا ضحايا الأنظمة العلمانية الاستبدادية، نفس التأثير فى استدرار التعاطف الشعبى الذى كان له مع البُسطاء، طيلة ما يقرب من قرن من الزمان.
5ـ اتضح أن الموقف المُعلن للإسلاميين من الغرب، والذى كانوا يتهمون القوى العلمانية بالتبعية له، إن لم يكن بالعمالة الفاضحة له، هو نفسه الغرب الذى يُسارع الإسلاميون بالهرب إليه، وطلب اللجوء لبُلدانه -أمريكا، وبريطانيا، وفرنسا، وكندا. ونادرًا ما يذهب الإسلاميون إلى بُلدان شرقية إسلامية، حتى لو كانت بها حكومات مُتعاطفة معهم- مثل باكستان، وبنجلاديش، وماليزيا. حتى تركيا التى لجأ لها بعض أولئك الإسلاميين المصريين والعرب، فهو باعتبارها المحطة الأقرب إلى الغرب موقعًا، وموضعًا، وأسلوب حياة، إلى أن تتاح أول فُرصة للتوجه إلى الغرب الأوروبى – الأمريكى.
وخُلاصة القول هنا هو أن الإسلاميين لا يختلفون عن معظم أعضاء الحركات السياسية المصرية والعربية تجاه الغرب، وهو ازدواجية العداء المُعلن والإعجاب المُبطن.
كذلك اتضح خلال نصف القرن الأخير، 1970-2022، أن وحدة العقيدة، وهو الإسلام، ووحدة المطلب، وهو تطبيق الشريعة فى حُكم الدولة وإدارة المجتمع، فى الحالات التى وصلوا فيها للسُلطة (مثل تركيا والمغرب ممثلة بحزب العدالة والتنمية، وفى تونس ممثلة بحركة النهضة، وفى مصر ممثلة بجماعة الإخوان المسلمين)، لم يُنجز الإسلاميون فيهما الفردوس الموعود على الأرض أو أى شىء قريب منه. وذلك ناتج عن الأطماع الدنيوية فى السُلطة والثروة والجاه، التى ظهرت فى صفوف الإسلاميين كما فى صفوف العلمانيين.
لكل تِلك الأسباب فقد الطرح الإسلامى بريقه، حتى مع بُسطاء المسلمين. ولم يعد مُرشحوهم يحظون بنفس درجة التأييد، لا فى الانتخابات النيابية، ولا فى الانتخابات النقابية.
ولا يعنى تحليلنا أعلاه التقليل من قوة وتأثير الإسلاميين فى المسرح العام، أو حرمانهم من حقوقهم الإنسانية والسياسية، ولكن فقط مُعاملتهم والتعامل معهم كفصيل وطنى ضمن بقية الفصائل والأحزاب، لا أقل، ولا أكثر. اللهم قد اجتهدت، ولعل للمجتهد نصيبًا.
وعلى الله قصد السبيل
نقلا عن المصري اليوم