تُعقد غدا الخميس 8 ديسمبر القمة العربية – الصينية الأولى. القمة تمثل فى حد ذاتها تحولا مهما فى تطور العلاقات العربية- الصينية من زاوية نقل إدارة هذه العلاقات من المستوى الثنائى، والمستوى الجماعى الوزارى (منتدى التعاون الصينى – العربى) إلى مستوى القمة، وهو تحول يحمل قيمة رمزية مهمة. قضايا أخرى عديدة تثيرها القمة، لكن سياقات ثلاثة سيكون لها تأثيرها المهم على مخرجاتها.
السياق الأول، هو السياق العالمى الذى تُعقد فيه هذه القمة. القمة تُعقد فى لحظة شديدة الخصوصية فى تطور النظام العالمى، هى لحظة انتقالية بامتياز. هناك صراع كبير على قمة النظام. هناك قوة تهيمن على هذا النظام منذ تفكك الاتحاد السوفيتى، هى الولايات المتحدة،وتسعى إلى استمرار حالة الهيمنة تلك، والقضاء على أى مصادر تهديد محتملة، فى مواجهة قوى صاعدة (الصين، وروسيا) تسعى إلى حجز مقاعدها على قمة النظام. العلاقات الأمريكية – الروسية، تأخذ طابعا صراعيا معلنا، مباشرا على المستوى الاقتصادى، وغير مباشر على المستوى العسكري. هناك سباق بين القوى الثلاث على امتلاك أسلحة استراتيجية جديدة، خاصة القاذفات الاستراتيجية والصواريخ فرط الصوتية. وتغيب الأطر المنظمة لهذا السباق بشكل كامل فى حالة الولايات المتحدة والصين، بينما يواجه الإطار الوحيد المنظم لها فى حالة الولايات المتحدة وروسيا (ستارت الجديدة). هناك صراع بين القوى الثلاث على بناء التحالفات الجديدة وإعادة رسم خرائط النفوذ، الولايات المتحدة تستخدم الحرب الروسية – الأوكرانية لتأكيد دور الناتو فى مواجهة روسيا، ومحاولة جر الحلف ليلعب دورا فى مواجهة التهديد الصينى، بجانب تمتين تحالفاتها القديمة فى آسيا، واستحداث شبكة تحالفات جديدة على مسرح الإندوباسيفيك (كواد، أوكوس)، وإيجاد شبكة علاقات سياسية واقتصادية فى هذا المسرح هدفها احتواء الصين وإخضاعها لقواعد لعبة تحددها الولايات المتحدة وحلفاؤها.فى المقابل، يزداد محور الصين- وروسيا وضوحا، وإن كان لايزال يقع فى منطقة وسط بين شراكة استراتيجية بلا حدود والتحالف العسكري. هذه التحالفات تشهد تحولات متسارعة؛ العلاقات عبر-الأطلسى قد تشهد تباينا متناميا بشأن مستقبل العلاقة مع روسيا، ومع الصين أيضا، فلا يوجد تماه كامل مع الحليف الأمريكى بشأن هاتين القوتين. كذلك، مازالت كتلة مهمة من القوى الآسيوية ترفض التماهى مع السياسات الأمريكية تجاه الصين وروسيا. وفى أقصى الشرق يقدم نظام بيونج يانج نفسه كرقم مهم فى التوازنات العالمية الجديدة ويبشر ببزوغ أكبر قوة نووية فى العالم حسب تعبير الزعيم كيم جونج يون، وهو فى التحليل الأخير رقم يضاف إلى المعسكر الصينى – الروسى (هناك معاهدة دفاع مشترك مع الصين منذ عام ١٩٦١، ومعاهدة صداقة مع روسيا منذ عام ٢٠٠٠).
هذا المشهد العالمى يتسم بالديناميكية السريعة، ولم يصل بعد إلى محطته النهائية.
السياق الثانى، يتعلق بالعرب، حالة العالم العربى اليوم تختلف جوهريا عن لحظة انتقال النظام العالمى فى أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات، كما تختلف عن عقد مضى. هناك أنماط جديدة من القيادات السياسية العربية، لديها مشروعات وطنية لبلادها، تسعى إلى حمايتها وتوفير الظروف الدولية والإقليمية المواتية لها. هذه القيادات لديها قراءة دقيقة لتحولات المشهد العالمى، وباتت تجيد التعامل معه بمهارات دبلوماسية وقوة ذكية توظف ما لديها من أوراق لتعظيم مكاسبها فى المباراة الكبرى الجارية. تراجعت كذلك ظاهرة الاستقطابات العربية – العربية، على نحو يعظم من فرص الحركة العربية المشتركة فى مواجهة القوى الدولية المتنافسة، وفق مصالح عربية عليا. الحرب الروسية – الأوكرانية قدمت فرصة كبيرة للعالم العربى – رغم تباين مكاسب وتكاليف هذه الحرب من حالة عربية لأخرى- لتأكيد درجة أكبر من الاستقلالية العربية فى مواجهة القوى الكبرى، وأن الدعم العربى لسياسات ومواقف القوة المهيمنة على النظام العالمى لم تعد مسلما بها، أو على الأقل لم تعد مضمونة دون تكاليف.ولم تعد القوة المهيمنة هى البديل الوحيد أمام العالم العربى (راجع كلمات القادة العرب خلال قمة جدة- يوليو ٢٠٢٢- واتجاهات التصويت العربية داخل الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن مشروعات القرارات الخاصة بروسيا والحرب الروسية الأوكرانية، وقرارات أوبك بلس). هذه الحالة العربية تجعل الكتلة العربية، بتوجهاتها تلك، عاملا مهما فى تعزيز فرص بناء حالة تعدد الأطراف فى إقليم الشرق الأوسط، الذى نجح فى استعادة دوره المهم فى السياسات الدولية، وفى سياق الصراع العالمى الجاري، الأمر الذى سيعزز من فرص تأكيد هذه الحالة على المستوى العالمى.
السياق الثالث، يتعلق بالصين. الصين اليوم تختلف جوهريا عن عقد مضى، ليس فيما يتعلق بالموقع الدولى، الذى أشرت إليه سابقا، لكن فيما يتعلق بالوضع الداخلي. علينا أن نقرأ الصين جيدا من الداخل. هناك تحولات داخلية مهمة لابد من الالتفات إليها من زاوية انعكاساتها على السلوك الخارجى للصين، وما تمثله من فرص أو مخاطر على المصالح العربية. هناك، أولا، قيادة سياسية قوية تجرى مراجعات للكثير من الثوابت الصينية. وهناك، ثانيا، نمو متسارع فى حجم الطبقة الوسطى فى الصين. هذه الطبقة غيرت -وستغير- من أنماط الاستهلاك الصينى، ومتوسطات الأجور، وأنماط علاقات وتوجهات الصين مع الاقتصادات الخارجية.هناك، ثالثا، مراجعة صينية لفلسفة علاقة الأقاليم والمحافظات الصينية مع الاقتصاد العالمي. هناك أيضا مراجعة لأنماط التصنيع والإنتاج الصينية، ومفهوم التصدير نفسه فى اتجاه التركيز على تصدير فائض القدرات الإنتاجية بجانب المفهوم التقليدى لتصدير السلع والخدمات، وغيرها من التحولات المهمة.
هذه السياقات الثلاثة ستسهم حتما فى مخرجات نوعية للقمة، قد تضيف متغيرا إضافيا فى المشهد العالمى.
نقلا عن الأهرام