سيناريوهات النار تكاد تلامس سطح الحوادث المتدافعة في الإقليم المأزوم الذي نعيش فيه. الأخطار ماثلة، والأسئلة الكبرى تأخذ بخناقه، التفاعلات المحتملة والتداعيات التي لا يمكن تجنبها.
أول الأسئلة، حيث تتأهب تركيا للقيام بعملية عسكرية برية في الشمال السوري باسم حفظ أمنها القومي ضد جماعات كردية تصفها بالإرهابية.
هل تفلت العملية العسكرية المزمعة عن أية تفاهمات وتحالفات سابقة مع روسيا وإيران الطرفين الآخرين ب«تحالف الضرورة» في سوريا، اللذين يناهضان علناً أي تدخل بري؟
إذا ما تصدع هذا التحالف فنحن أمام أوضاع جديدة في الأزمة السورية تلقي بظلالها الكثيفة على مستقبلها وفرص حلحلتها بالوسائل الدبلوماسية.
أطراف التحالف ليسوا بوارد ذلك الخيار، لكنهم قد يجدون أنفسهم تحت ضغط تصادم الإرادات أمام إعادة ترتيب أوراق وضربات فوق الحزام وتحته.
بالوقت نفسه، فإن الولايات المتحدة والحلفاء الغربيين غير مستعدين للمضي مع تركيا في جموحها العسكري لحسابات استراتيجية تتعلق بتصوراتها للأزمة السورية وقوة الرهان على الحليف الكردي.
ليس مستبعداً، إذا تفاقمت أزمة التدخل العسكري، أن تتعرض تركيا نفسها لأوضاع داخلية خطرة تهدد قدرتها على حفظ تماسكها الداخلي بالنظر إلى أن كتلة كبيرة من سكانها ينتمون إلى العرقية الكردية.
بصورة أو أخرى يتداخل المشهد العسكري التركي مع تعقيدات الحرب الأوكرانية، حيث تطلب أنقرة ثمناً استراتيجياً مقابل الدور الذي تحاول أن تلعبه في التوصل إلى تسوية سياسية لحرب المنهكين الأمريكي والروسي معاً.
بحكم عضويتها في حلف «الناتو» كثاني أكبر قوة عسكرية فيه، وجوارها مع روسيا وأوكرانيا، فإن هناك أساس موضوعي لدور تركي يلعب دور الوسيط المقبول من الطرفين المتحاربين.
بقدر حاجة القطبين الدوليين الأمريكي والروسي للدور التركي، فإنه لم يكن مستغرباً أن تبدي أنقرة انزعاجها البالغ من موقفيهما السلبي، لأسباب مختلفة، تجاه عمليتها العسكرية في شمال سوريا ضد القوات الكردية.
أرادت أن تقول إذا كنتم تطلبون مساعدتنا في التوصل إلى تسوية سياسية للحرب الأوكرانية، فلماذا تضنون علينا بأي دعم يوفر غطاء سياسياً للعملية العسكرية في شمال سوريا؟!
في المسافة بين الطموح التركي للعب دور إقليمي أكبر استثماراً في الأزمة الأوكرانية، وحدود القوة التي لا تسمح أن يتمدد دورها في الملفين السوري والعراقي إلى حدود إطلاق يدها، بحجة الحرب على الإرهاب الكردي، يتبدى المأزق التركي في لحظة إقليمية حرجة.
السؤال التركي عاجل وملح في سيناريوهات النار التي تحلق في سماء الإقليم المضطرب.
السؤال الإيراني يطرح نفسه في اللحظة الراهنة بدرجة إلحاح أقل نسبياً. هل هناك فرصة جادة وحقيقية توفر حلاً لأزمة الاتفاق النووي الإيراني.. أم أن التصعيد قد يأخذ مداه إلى صدام إقليمي تتسع دوائره ومواضع النار فيه؟
في مباحثات فيينا غير المباشرة تأكد اتفاق شبه معلن من اللاعبين الرئيسيين الأمريكي والإيراني، على إحياء الاتفاق النووي، لكنه لم يصل إلى مرفأ أخير.
لم يأخذ الانفراج مداه، وتعطل في منتصف الطريق سيناريو التهدئة، على خلفية خشية الرئيس الأمريكي جو بايدن من أن يخسر حزبه الديمقراطي الانتخابات النصفية.
بعد الانتخابات النصفية، التي لم يخسرها الديمقراطيون، كما كان متوقعاً، لم يعد الملف النووي الإيراني مرة أخرى إلى موائد التفاوض في فيينا حتى الآن.
في المسافة ما بين التهدئة والتصعيد، بدا السؤال الإيراني معلقاً في حسابات القوة المتغيرة. بالتزامن مع السؤالين الإيراني والتركي، يُطرح سؤال ثالث ضاغط ومُلح.
إلى أين تمضي المواجهات المحتدمة في الضفة الغربية المحتلة؟ التصعيد مرشح أن يأخذ مدى أوسع وأخطر مع تشكيل حكومة إسرائيلية جديدة تضم شخصيات مثل «إيتمار بن غفير» وزير الأمن الداخلي المرشح، الذي يدعو بصريح العبارة إلى تهويد القدس وهدم المسجد الأقصى واجتياح الضفة الغربية وحل السلطة الفلسطينية بالقوة وإطلاق النيران على الفلسطينيين لدى أدنى اشتباه، وهدم القرى التي يخرج منها منفذو العمليات والتضييق على الأسرى.
بنظر وزير الدفاع «بيني غانتس» في حكومة «يائير لابيد»، الذي يُحسب على الصقور، فإن صعود «بن غفير» كارثة أمنية على إسرائيل. بتعبير «لابيد» نفسه، الذي تُحسب مواقفه بالقرب من اليمين ويتبنى سياسة القبضة الحديدية، فإن «بن غفير» تهديد جوهري للأمن الإسرائيلي، حيث دأب على دعوة الجنود للتمرد ضد الضباط، أو ألا يطيعوا أوامرهم.
يستحيل والأمر هكذا أن نغفل هنا في العالم العربي عن شرارات النار التي سوف تهب في كافة الاتجاهات. ماذا قد يحدث بالضبط؟ التفلت الواسع بالعنف المفرط عنوان أول. رفع منسوب الاحتجاج والمقاومة عنوان ثان، اتساع نطاق الاحتجاجات لتشمل فلسطين التاريخية كلها عنوان ثالث. ضيق مساحة المناورة الدولية أمام إسرائيل وتدهور صورتها أمام العالم عنوان رابع. تدخل دول إقليمية في المواجهات المحتملة عنوان خامس.
الأسئلة تطرح نفسها بإلحاح الحوادث وشرارات النار تلوح في المكان.
نقلا عن الخليج