تسعى كل من الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المغربية إلى تعزيز التعاون العسكري خلال المرحلة القادمة، لمواجهة التحديات المشتركة في منطقتى شمال أفريقيا والساحل والصحراء، على نحو بدا جلياً في الزيارة التي قام بها المفتش العام للقوات المسلحة الملكية المغربية قائد المنطقة الجنوبية الجنرال دوكور دارمي إلى واشنطن، في 9 نوفمبر الجاري، على رأس وفد عسكري مغربي لحضور الاجتماع الـ12 للجنة الاستشارية المغربية-الأمريكية للدفاع. واللافت في هذا السياق، هو أن الزيارة جاءت في ظل تصاعد حدة التوتر بين الأطراف المعنية بقضية الصحراء، فضلاً عن تزايد القلق من الدور الإيراني في المنطقة، لا سيما لجهة دعم جبهة البوليساريو بطائرات من دون طيار.
بيئة ضاغطة
جاءت زيارة المفتش العام للقوات المسلحة المغربية إلى الولايات المتحدة الأمريكية في ظل تنامي مساحات التوتر بين المغرب والجزائر، بسبب قضية الصحراء، على نحو انعكس في عدم حضور العاهل المغربي الملك محمد السادس القمة العربية التي عُقدت في الجزائر مطلع نوفمبر الجاري. كما تزامنت الزيارة مع اتجاه الجزائر إلى تطوير علاقاتها مع روسيا، في سياق السياسة التي تتبناها وتقوم على توسيع هامش الخيارات المتاحة أمامها على الساحة الدولية، وبناء اصطفافات إقليمية ودولية داعمة لموقفها حيال قضية الصحراء. ففي تصريحات له في 20 سبتمبر الماضي، أشاد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالجزائر، حيث قال: “إن روسيا تدعم الخط المتوازن الذي تنتهجه الجزائر في الشئون الإقليمية والدولية”؛ مؤكداً أن “الجزائر هي ثاني أكبر شريك تجاري لروسيا في أفريقيا، من حيث التجارة”.
إضافةً إلى ما سبق، فإن زيارة الزيارة تأتي في إطار استمرار القضايا الخلافية بين فرنسا وبعض دول المغرب العربي، والتي وصلت إلى مستوى غير مسبوق بسبب تعليق الأولى منح التأشيرات لعددٍ من المواطنين المغاربة.
أهداف رئيسية
تكتسب الزيارة أهميتها من التوقيت الذي جرت فيه، حيث جاءت في ظل ظروف إقليمية ودولية مضطربة. وتتمثل الأهداف التي سعت المغرب إلى تحقيقها عبر هذه الزيارة في:
1- مواجهة تزايد التهديدات الإيرانية: تسعى المغرب من خلال توسيع نطاق التعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية إلى مواجهة التهديدات التي تفرضها التحركات التي تقوم بها إيران في منطقة شمال أفريقيا، حيث أشارت تقارير عديدة إلى أنها قدمت دعماً عسكرياً لجبهة البوليساريو، وقال وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، في 28 أكتوبر الفائت، أن إيران تورطت في تسليح الجماعات المتطرفة والكيانات الانفصالية داخل المنطقة العربية، بما في ذلك تسليمها الطائرات المسيّرة للبوليساريو.
2- توسيع هامش الخيارات الدولية: تعبر الزيارة عن التوجه الذي تتبناه المغرب في الوقت الحالي، والذي يقوم على توجيه رسائل مباشرة إلى القوى المعنية بقضايا المنطقة، مفادها أن الرباط نجحت في توسيع هامش الخيارات المتاحة أمامها على الساحة الدولية، حتى في ظل تصاعد حدة التوتر على تلك الساحة، بسبب استمرار الحرب الروسية-الأوكرانية منذ 24 فبراير وحتى الآن، فضلاً عن تفاقم الخلافات بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين بسبب تايوان.
وفي هذا السياق، أشاد الجنرال دوكور دارمي بالتميز والطابع الاستثنائي للتعاون المغربي-الأمريكي، ونتائجه الإيجابية على مستوى التكوين والتدريب المشترك، وعلى العلاقات الثنائية.
3- تعزيز التعاون الدفاعي الثنائي: ويُمثل ذلك أحد مجالات التعاون الأبرز بين المغرب والولايات المتحدة الأمريكية. وقد ضاعف من أهمية هذا الملف اتجاه الجزائر نحو تعزيز علاقاتها العسكرية مع روسيا. وتعد الولايات المتحدة الأمريكية من أهم المصادر التي يحصل من خلالها المغرب على الأسلحة والمعدات العسكرية. وفي 26 أغسطس الماضي، أقرت وزارة الخارجية الأمريكية صفقة محتملة لبيع أنظمة لاسلكية تكتيكية مشتركة للمغرب تصل قيمتها إلى 141.1 مليون دولار. وكانت الوزارة نفسها قد سمحت، في مارس 2019، بشراء المغرب 25 طائرة مقاتلة جديدة من طراز “F-16″، وتطوير 23 مقاتلة من طرازاتها القديمة. ووفقاً لتقديرات معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، فإن الولايات المتحدة الأمريكية تأتي في المرتبة الأولى كمُصدِّر للأسحة إلى المغرب بنسبة 90%.
4- رفع مستوى التنسيق في أفريقيا: لا تنفصل زيارة المفتش العام للقوات المسلحة المغربية إلى الولايات المتحدة الأمريكية عن سعى الرباط إلى تعزيز التفاهمات ورفع مستوى التنسيق مع واشنطن للتعامل مع المعطيات الجديدة التي يفرضها الانسحاب الفرنسي من منطقة غرب أفريقيا، خاصة بعد إعلان الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، في 9 نوفمبر الجاري، إنهاء المهمة التي كانت تقوم بها قوة “برخان” لمكافحة التنظيمات الإرهابية في منطقة الساحل.
ويُشار في هذا الصدد إلى أن منطقة غرب أفريقيا تحظى باهتمام مشترك من جانب الرباط وواشنطن لاعتبارات استراتيجية وأمنية عديدة، إذ ترى الأولى أنها نقطة انطلاق لتعزيز حضورها في القارة الأفريقية بشكل عام، في ظل السياسة التي تتبناها خلال الأعوام الأخيرة. في حين ترى الثانية أنها منطقة جاذبة للتنظيمات الإرهابية على نحو يمكن أن يفرض تهديدات مباشرة على أمنها ومصالحها، وبما يدفعها إلى اتخاذ خطوات إجرائية لتعزيز حضورها فيها أو تطوير العلاقات مع القوى الإقليمية المعنية بها.
ومن دون شك، فإن ما يزيد من أهمية هذه المنطقة بالنسبة لواشنطن، هو أنها بدأت تتعرض لتدخلات روسية ملحوظة، خاصة أن مليشيا “فاجنر” بدأت تظهر في بعض الصراعات التي تندلع فيها. فضلاً عن أن إيران بدورها تحاول ضمان موطئ قدم لها في المنطقة، في إطار سياستها القائمة على دعم حضورها في المناطق البعيدة عن حدودها عبر آليات مختلفة.
مصالح متشابكة
ختاماً، يمكن القول إن المغرب سوف تواصل جهودها لتطوير علاقاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية خلال المرحلة القادمة، خاصة في ظل ما تتعرض له الدولتان من ضغوط وتحديات متزايدة بسبب التطورات المتسارعة التي تشهدها الساحتان الإقليمية والدولية. لكن ذلك لا ينفي في الوقت ذاته أن واشنطن سوف تبدي اهتماماً لمتغير آخر سوف يكون له تأثير على المستوى الذي يمكن أن تصل إليه هذه العلاقات، ويرتبط بحرصها على استمرار التفاهمات مع الجزائر، التي تحاول في المرحلة الحالية استثمار تصاعد حدة أزمة الطاقة على الساحة الدولية من أجل دعم دورها كمصدر رئيسي للغاز، وهو الملف الذي يكتسب اهتماماً خاصاً من جانب الدول الغربية بشكل عام على ضوء التداعيات التي فرضها استمرار الحرب الروسية-الأوكرانية.