اهتمام متزايد:
مؤشرات الاهتمام الأمريكي بقضايا التغير المناخي بالمنطقة

اهتمام متزايد:

مؤشرات الاهتمام الأمريكي بقضايا التغير المناخي بالمنطقة



اكتسبت قضية التغير المناخي اهتماماً خاصاً من جانب إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، فبعد أيام من توليه منصبه رسمياً في ٢٠ يناير ٢٠٢١، أعلن عودة الولايات المتحدة إلى اتفاقية باريس للمناخ لعام ٢٠١٥، التي انسحبت منها إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، وهو الأمر الذي عبرت عنه استراتيجية الأمن القومي للإدارة الأمريكية، التي صدرت في ١٢ أكتوبر الفائت، حيث أشارت إلى أن التغير المناخي يُعد قضية وجودية لجميع الدول، وأنه دون بذل جهود عالمية خلال العقد القادم، الذي ينظر إليه بايدن على أنه سيكون “حاسماً”، ستتجاوز درجات الحرارة العالمية العتبة الحرجة البالغة ١,٥ درجة مئوية، مما سيفرض العديد من الآثار المناخية التي حذر منها العلماء لكونها ستكون الأكثر كارثية ولا رجعة فيها.

ومع اهتمام الولايات المتحدة بمعالجة آثار التغير المناخي حول العالم، ومساعدة حلفائها على التكيف والمرونة مع الظاهرة وتداعياتها؛ أولت الإدارة الأمريكية أهمية لزيادة التعاون مع شركائها الإقليميين في منطقة الشرق الأوسط لمساعدتهم على بناء قدر أكبر من المرونة للتعامل مع تداعيات التغير المناخي، لكون مستقبلها، حسب استراتيجية الأمن القومي الأمريكية الأخيرة، يرتبط بالتغيرات المناخية والتكنولوجية والديموغرافيا بقدر القضايا الأمنية التقليدية.

تداعيات عديدة

تُعد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من بين أكثر المناطق حول العالم تأثراً بظاهرة التغير المناخي، التي ستكون لها تداعيات كثيرة على إمدادات المياه النظيفة، وأنظمة إنتاج الأغذية في المنطقة، فضلاً عن توفيرها بيئة خصبة للإرهاب والتطرف العنيف، حيث تُشير بعض التقديرات إلى أن أكثر من ١٢ مليون شخص في العراق وسوريا سيعانون من فقدان المياه النظيفة والغذاء والكهرباء بسبب ارتفاع درجات الحرارة، وانخفاض معدلات هطول الأمطار. كما ستعاني العديد من دول المنطقة من التصحر.

وقد أشارت دراسة مناخية ساهم فيها معهد ماكس بلانك للكيمياء ومعهد قبرص (Cyprus Institute) قبل شهرين من قمة الأمم المتحدة للمناخ 27 COP في مدينة شرم الشيخ خلال الفترة من ٦ إلى ١٨ نوفمبر الجاري، إلى أن المنطقة تزداد احتراراً مرتين أكثر من المعدل العالمي، وهو ما قد يفرض آثاراً سلبية على شعوبها واقتصاداتها، حيث سيواجه ٤٠٠ مليون شخص في المنطقة خطر التعرض لموجات الحر الشديدة والجفاف لفترات طويلة وارتفاع مستويات سطح البحر. وقد حذر مسئولون من أن التغير المناخي قد يؤدي إلى نزوح ملايين الأشخاص في المنطقة (الهجرة المناخية)، وتزايد احتمالات اندلاع نزاعات على الموارد، حيث قالت منظمة “اليونيسيف” إن ١١ دولة من أكثر من ١٧ دولة تفتقر للمياه في العالم تقع في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ويشير البنك الدولي إلى أنه إذا لم تتخذ العراق –على سبيل المثال– أي إجراءات للتعامل مع ظاهرة التغير المناخي بحلول عام ٢٠٥٠، وفي حال ارتفاع الحرارة بمقدار درجة مئوية، وانخفاض هطول الأمطار بنسبة ١٠٪، فسيفقد سكانها ٢٠٪ من مياهها العذبة.

خطوات رئيسية

تتمثل أبرز الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة في مساعدة حلفائها وشركائها في منطقة الشرق الأوسط على مواجهة التغير المناخي، والتعامل مع تداعياته على العديد من دول المنطقة وحول العالم، فيما يلي:

١- مشاركة الرئيس بايدن في قمة المناخ بشرم الشيخ: استمراراً للدور الأمريكي لمواجهة قضية التغير المناخي عالمياً، أعلن البيت الأبيض، في ٢٩ أكتوبر الفائت، أن الرئيس جو بايدن سيزور مصر في ١١ نوفمبر الجاري للمشاركة في قمة الأمم المتحدة للمناخ 27 COP. وقد أوضحت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارين جان بيير، أن الرئيس الأمريكي سيستغل مشاركته للبناء على العمل المهم الذي قامت به الولايات المتحدة لتعزيز مكافحة التغير المناخي عالمياً، ومساعدة الدول الأكثر عرضة للخطر على التحلي بالمرونة في مواجهة تأثيرات المناخ.

وتأتي تلك الزيارة في ظل تعهدات الرئيس الأمريكي خلال زيارته الأولى للمنطقة خلال الفترة من ١٣ إلى ١٦ يوليو الماضي بتقديم كافة أوجه الدعم الأمريكي لدول المنطقة لمساعدتها على مواجهة التغير المناخي، والتزام الولايات المتحدة بإنجاح المؤتمر وفق البيان المشترك بعد اجتماع الرئيسين المصري عبد الفتاح السيسي والأمريكي جو بايدن بجدة في ١٦ يوليو الفائت. ولهذا يتوقع أن تتضمن كلمة الرئيس الأمريكي بالقمة بعض التعهدات الأمريكية تجاه الدول النامية والفقيرة لمواجهة آثار التغير المناخي، وأهمية الشراكات مع الحلفاء في المنطقة للاستثمار في الطاقة المتجددة، وتحفيز الابتكار في مجالات الطاقة النظيفة ونشرها، والحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون والميثان.

٢- تأسيس شراكات للانتقال إلى الطاقة النظيفة: وقعت الإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة، على هامش معرض ومؤتمر أبوظبي الدولي للبترول (أديبك ٢٠٢٢)، في الأول من نوفمبر الجاري، اتفاقية شراكة استراتيجية لاستثمار ١٠٠ مليار دولار في تنفيذ مشروعات للطاقة النظيفة تبلغ طاقتها الإنتاجية ١٠٠ جيجاوات بحلول عام ٢٠٣٥. وتهدف الاتفاقية لتعزيز أمن الطاقة، ونشر تطبيقات التكنولوجيا النظيفة ودعم العمل المناخي، وتنفيذ المبادرة الإماراتية الاستراتيجية لتحقيق الحياد المناخي بحلول عام ٢٠٥٠.

٣- دعم مشروعات الطاقة الخضراء بالدول الفقيرة: تطالب الولايات المتحدة شركاءها في المنطقة بتخصيص المزيد من الموارد لتمويل مشاريع الطاقة الخضراء في الدول الفقيرة، ومساعدة الدول النامية على التعامل مع تداعيات التغير المناخي. وفي رؤية واشنطن، فإن هذا التوجه يمثل إحدى الآليات التي يمكن أن تساعد تلك الدول في مواجهة الأزمات المختلفة التي تتعرض لها في المرحلة الحالية والتي يرجح أنها سوف تتفاقم في حالة ما إذا لم يتم التعامل مع تداعيات التغير المناخي مبكراً.

٤- تشجيع الحلول الرقمية والتكنولوجيا المبتكرة: في إطار الالتزام الأمريكي بالتعامل مع أزمة المناخ والتعاون مع شركائها في المنطقة لتعزيز جهودها في مواجهتها، أطلقت الولايات المتحدة بالتعاون مع مصر، في ٢٢ أغسطس الماضي، مسابقة المناخ العالمية ClimaTech Run لدعم رواد الأعمال والمبتكرين من جميع أنحاء العالم عامة، ومن منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا على وجه الخصوص، بهدف تشجيع الحلول الرقمية والتكنولوجية المبتكرة والمستدامة لتعزيز العمل المناخي، ومواجهة التداعيات الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عنه.

٥- مساعدة العراق لمواجهة ندرة المياه: انخرطت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية لمساعدة العراق في مواجهة ندرة المياه، في ظل التزام أمريكي باتخاذ إجراءات لمساعدة بغداد على مواجهة تحديات المناخ، في وقت يؤدي فيه ارتفاع درجات الحرارة وقلة هطول الأمطار وانخفاض منسوب المياه إلى زيادة مخاطر الجفاف والتصحر، وتهديد ندرة المياه سبل عيش وصحة ما لا يقل عن ٧ ملايين عراقي، وتقليص فرص الاستقرار والازدهار في الدولة على المدى الطويل. فقد عملت الوكالة على تطوير محطات معالجة المياه في عديد من المحافظات العراقية، وإعادة تأهيل الآبار، وتحديث شبكات المياه لتحسين الكفاءة وتقليل فاقد المياه. وتزود الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية وزارة الموارد المائية العراقية بأحدث نظام لإدارة المياه لمساعدتها على اتخاذ قرارات استراتيجية بشأن الحفاظ على المياه ومواجهة آثار التغير المناخي.

وقد أشارت السفيرة الأمريكية لدى العراق ألينا رومانوسكي، إلى أن الولايات المتحدة قد ساعدت الحكومة العراقية في تطوير استراتيجية مناخية مدتها خمس سنوات لتحسين التنبؤات المناخية للمزارعين والقضاء على الأضرار التي لحقت بالمحاصيل والتربة، وحماية الإمدادات الغذائية للعراق من الأخطار التي تفرضها أنماط الطقس غير المستقرة بشكل متزايد. بجانب إطلاع أكثر من عشرين مسئولاً عراقياً على آليات تكيف الولايات المتحدة مع التغير المناخي.

دعم مستمر

على الرغم من التحديات الاقتصادية التي تواجهها الولايات المتحدة راهناً، وارتفاع معدلات التضخم إلى مستويات غير مسبوقة منذ أربعة عقود، وانشغال الإدارة الأمريكية بتحديات داخلية ودولية تهدد الأمن القومي الأمريكي، وتفرض نفسها بقوة على أجندة الإدارة الأمريكية، فإنها ستستمر في دعم حلفائها وشركائها في منطقة الشرق الأوسط على مواجهة آثار التغير المناخي، لكونها قضية عالمية، ولتأثيراتها على أمن واستقرار المنطقة، وإن كانت قوة هذا الاهتمام قد تختلف من إدارة لأخرى بحسب مركزية قضية التغير المناخي على أولويات أجندتها.