نالت التشكيلة الحكومية التي تقدم بها رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني ثقة مجلس النواب في الجلسة التي عُقدت في 27 أكتوبر الجاري، حيث تمّ التصويت بنظام الأغلبية المطلقة الذي يعني النصف زائد واحد، من 329 نائباً، أولاً على البرنامج الحكومي ثم على الوزراء المرشحين. ومن دون شك، فإن ما ساعد السوداني على تمرير حكومته هو سيطرة ائتلاف إدارة الدولة على الأغلبية في مجلس النواب، حيث تم احتواء الخلافات بين القوى السياسية المنضوية داخل الائتلاف، وحتى داخل الأجنحة السياسية المختلفة، خاصة الإطار التنسيقي على الأقل مؤقتاً.
ويمكن تحديد أبرز ملامح التشكيلة الحكومية الجديدة في العراق على النحو التالي:
هيمنة التنسيقي
1- سيطرة الإطار التنسيقي الشيعي: حصل الإطار التنسيقي على النسبة الأكبر من الحقائب الشيعية الـ12 في الحكومة الجديدة، من ضمن 23 حقيبة، في حين حصل السنة على ستة والأكراد على أربعة حقائب (اثنتان لم يتم التوافق حولهما بعد)، في حين خصصت حقيبة للأقليات. ومن دون شك، فإن الإطار ركز في المقام الأول على عدد من الوزارات السيادية، إلى جانب بعض الوزارات الخدمية. وربما يكون ذلك سبباً، في مرحلة لاحقة، في اندلاع خلافات بين القوى الشيعية المنضوية تحت لواء ائتلاف إدارة الدولة.
مقاطعة الصدر
2- غياب تمثيل التيار الصدري: غاب التيار الصدري عن التشكيلة الحكومية الجديدة، وهو ما كان متوقعاً في ظل رفضه للترتيبات السياسية التي جرت صياغتها في الفترة الماضية، بعد تصاعد حدة الصراع بينه وبين الإطار التنسيقي، لا سيما ائتلاف دولة القانون، حيث قدم نواب التيار في مجلس النواب استقالاتهم من البرلمان، وهو ما سارع الإطار التنسيقي إلى استغلاله لتعزيز سيطرته على البرلمان من خلال إحلال نوابه محل النواب الصدريين. وربما يشكل هذا الغياب التحدي الأول للحكومة الجديدة، خاصة أن ثمة احتمالاً لأن يقوم الصدر بالتحرك على الأرض لتقليص قدرة الحكومة على تنفيذ برنامجها، وربما يتجه إلى التنسيق مع قوى احتجاجات تشرين، من أجل التظاهر في الشارع وبالتالي عرقلة هذه الترتيبات السياسية.
الخلاف الكردي
3- استمرار الخلافات بين القوى الكردية: رغم أنه تم احتواء الخلاف الكردي حول منصب رئيس الجمهورية، بتولي عبد اللطيف جمال رشيد الذي ينتمي إلى حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، منصب الرئيس خلفاً للرئيس السابق برهم صالح؛ إلا أن ذلك لا ينفي أن الصراع بين الحزبين الكرديين الرئيسيين ما زال قائماً، بدليل عدم الاستقرار على الحقيبتين المتبقيتين في الحكومة، الخاصتين بوزارتي البيئة والإسكان والإعمار. ويُشير ذلك إلى أن الخلافات لا تبدو ثانوية ولا يمكن تسويتها بسهولة، وربما تتجدد مرة أخرى خلال المرحلة القادمة، في حالة طرح أي قضية خلافية على الساحة الداخلية. وبالطبع فإن أحد أسباب الخلاف حول الحقائب الوزارية، وفقاً لتقارير عديدة، يكمن في أن الحزب الديمقراطي يطالب بحصة أكبر، باعتبار أن حزب الاتحاد الوطني حصل على منصب رئيس الجمهورية.
ضغوط حزبية
4- غياب الاستقلالية عن رأس الحكومة: رغم تأكيد شياع السوداني قبيل بيانه السابق على التصويت داخل البرلمان لمنح الثقة لحكومته على أن هذه الحكومة لن تكون حزبية، بل ومستقلة؛ إلا أن تقارير عديدة أشارت إلى أنه تعرض لضغوط قوية لاستبدال بعض الوزراء المرشحين من قبله خلال اليومين الأخيرين، وهو ما يمكن أن يؤثر على قدرة الحكومة على تنفيذ برنامجها الانتخابي، خاصة في ظل التباينات القائمة بين القوى السياسية المختلفة.
حكومة خدمات
5- إعطاء أولوية للتعامل مع المشكلات الخدمية: تكشف التشكيلة الحكومية أنها سوف تمنح الأولوية للتعامل مع المشكلات التي تتعرض لها الخدمات المختلفة، والتي كانت سبباً رئيسياً في تصاعد حدة الاحتجاجات في الشارع العراقي، منذ احتجاجات أكتوبر 2019. ويعني ذلك أن الإطار التنسيقي تحديداً يسعى إلى تعزيز قواعده الشعبية خلال المرحلة القادمة من خلال المساهمة في عملية تطوير البنية التحتية استعداداً للانتخابات المبكرة القادمة التي يسعى من خلالها إلى تكريس سيطرته على الحكومة والبرلمان مع استبعاد وتهميش التيار الصدري. ومن دون شك، فإن ذلك يعود أيضاً إلى نشوب أزمة الفساد الكبيرة التي تصاعد الجدل حولها خلال الفترة الماضية، بعد اكتشاف اختلاس 2.5 مليار دولار من أموال الضرائب.
تحديات مقبلة
في ضوء ذلك، يمكن القول إن حكومة السوداني ستواجه تحديات جمة خلال المرحلة القادمة، فإلى جانب المتغيرات المتمثلة في هشاشة التحالف السياسي الجديد بقيادة قوى الإطار التنسيقي، والمشكلات الكبيرة التي سيفرضها وجود الصدر خارج العملية السياسية، يعاني العراق بالأساس من تحديات أخرى يتضح أبرزها في إعادة إنتاج الخريطة السياسية الموجودة منذ عام 2003، ومحدودية عملية الإصلاح بل وربما فشلها بسبب الفساد الممنهج الذي تدعمه المليشيات المدعومة من إيران، فضلاً عن الانفلات الأمني وانتشار السلاح، مما أدى إلى فشل السياسات الأمنية التى اتبعها رئيس الوزراء العراقي السابق مصطفى الكاظمي في هذا الإطار.