نظّم مركز “العالم العربي للأبحاث والدراسات المتقدمة”، بالقاهرة، بتاريخ 26 أكتوبر 2022، جلسة استماع بعنوان: “كیف يمكن لقمة الجزائر دفع العمل العربي المشترك؟”. واستضاف المركز الدكتور حسن أبو طالب، مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية (كمتحدث رئيسي في الجلسة)، كما شارك في الجلسة عددٌ من الخبراء والباحثين المتخصصين في مجالات مختلفة، وهم: الدكتور محمد عز العرب، والدكتور محمد عباس ناجي، والأستاذ عمرو عبدالعاطي، والأستاذ حسين معلوم، والدكتور حمود القدمي، والدكتور حمدي بشير، والأستاذ كرم سعيد، والأستاذ محمد الفقي، والأستاذ هيثم عمران.
إزالة الهواجس
يشير “أبو طالب”، إلى أن القمة المرتقبة في الجزائر مهمة، إذ إن القمة السابقة عُقدت عام 2019 في تونس، وخلال العامين الماضيين لم تعقد القمة العربية بسبب تفشي جائحة كورونا، ولذلك تكتسب القمة المقبلة أهمية كبيرة، في ظل ما شهده العامان الماضيان من تطورات جذرية، سواء فيما يتعلق بالشؤون العربية أو على مستوى الأزمات العربية العميقة، في ظل تطورات ليست إيجابية فيما يتعلق بعلاقة الجزائر ببعض القضايا الحيوية مثل العلاقة مع المغرب.
ويعتبر مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية، أن القطيعة الدبلوماسية بين الجزائر والمغرب، ورفض الوساطات، يؤثر تأثيراً سلبياً على مسار العمل العربي المشترك، فلا يمكن تصور أن تستضيف الجزائر القمة العربية ولديها قطيعة مع بلد عربي مهم أفريقياً وعربياً.
وتطرق إلى أن أهمية القمة المقبلة تكمن في أنها فرصة للقادة العرب للتواصل، بما يمثل ذلك من فرصة لبحث الكثير من الأمور، سواء بصورة رسمية أو غير رسمية، من خلال لقاءات الوفود المصاحبة للقادة العرب، ومن شأن ذلك تصحيح الكثير من الهواجس بين الأطراف وبعضها بعضاً.
يُحدد “أبو طالب” جملةً من الآليات التي يمكن من خلالها تقييم نجاح القمم العربية بشكل عام، والتي تتضح من خلال النظر إلى تاريخ القمم العربية، وأبرزها:
1- مستوى الحضور والمشاركات من القادة العرب: فكلما كان الحضور أكبر على مستوى القادة العرب وليس ممثلي القادة العرب، كانت هناك درجة كبيرة من التوافق العربي.
2- التوافق العربي على القضية المركزية: كانت القضية المركزية للعرب هي القضية الفلسطينية، ولكنها باتت الآن مثار خلافات عربية – عربية، حيث باتت القضية الفلسطينية تُفرق أكثر مما كانت تجمع الدول العربية.
3- حدود تأثيرات القمة على المصالحات البينية: إلى أي مدى يؤدي انعقاد القمة إلى مصالحات بين بعض الأطراف العربية التي تدخل في حالات المنافسة والتوتر بفعل وجهات النظر المختلفة؟.
4- القرارات الفاعلة التي تتوصل لها القمة: وهو تعبير عن حالة من حالات الحرص لدى كل دولة على التمسك بها وتنفيذها بالفعل، بمعنى أنها التزام طوعي ومباشر من الأطراف العربية التي شاركت في القمة.
5- حدود تعميق الأمن العربي الجماعي: هنا يتم النظر إلى أي مدى يمكن للقمة العربية أن تساهم في تعميق وتعزيز حالة الأمن العربي الجماعي.
سياقات ضاغطة
يُقر “أبو طالب” بأن الظروف المحيطة بالقمة العربية المقبلة، ضاغطة بصورة كبيرة، في ضوء سياقات متعددة، كالتالي:
1- ظروف دولية معقّدة: يشهد العالم أزمات معقدة مثل تفشي فيروس كورونا، وأعقب ذلك الحرب الروسية الأوكرانية، والأخيرة أزمة مركبة لأنها خلفت أزمة طاقة وغذاء، فضلاً عن حالة الاستقطاب الدولي المتصاعد، وهذا الاستقطاب ينعكس بصورة كبيرة على العالم العربي، في ظل صعوبة اتخاذ موقف محايد.
2- قضايا كونية متفاقمة: يعيش العالم على وقع أزمات كونية، مثل قضية التغيرات المناخية، والأزمة الغذائية، كما أن ثمة قضية ليس للدول العربية اتصال مباشر بها، ولكن المنطقة العربية تدفع ثمن السياسات النقدية للولايات المتحدة.
3- تراجع القضية الفلسطينية: يتّضح أن ثمة تراجعاً في القضية الفلسطينية، فلم تُقدم التغطيات الإخبارية العربية على متابعة ما يحدث في نابلس والضفة الغربية، في ظل تمدد يميني غير مسبوق في إسرائيل، وهو تيار رافض للحقوق الفلسطينية بشكل كبير، ويتعامل مع الفلسطينيين باعتبارهم ليسوا أصحاب حقوق، وباتت القضية الفلسطينية تخلق مسارات تباين وخلافات عربية – عربية.
4- انقسام عربي حيال سوريا: يبدو أن ثمة انقساماً عربياً حاداً تجاه الملف السوري، وتحديداً على مستوى عودتها إلى جامعة الدول العربية، ويتعلق هذا الانقسام العربي بإمكانية دعوة سوريا أم لا، ولكن المشهد في سوريا معقد، في ظل الوجود العسكري التركي والأمريكي، والنفوذ الإيراني والروسي، وكل طرف من تلك الأطراف له تأثيرات على المواقف العربية.
5- غياب التسويات في بعض الدول: تشهد بعض الدول العربية أزمات مستمرة منذ سنوات. ففي ليبيا، لا يزال الانقسام حاضراً في ظل غياب أي مسارات للتسوية مع اختلاف وتباين الرؤى، فالجزائر لها موقف، وعدد من الدول العربية الأخرى لها موقف آخر. كما أن الأزمة السياسية الممتدة في السودان لا يمكن معرفة متى ستنتهي، رغم كل التدخلات من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والمبعوث الأمريكي.
6- تباين المواقف حول “البوليساريو”: هناك خلاف بين الجزائر والمغرب حول قضية “البوليساريو”، إذ تنظر لها الجزائر من منظور حق هذا الشعب في تقرير مصيره. في المقابل، يرى المغرب أنها منطقة تابعة له، والجزائر تستخدم هذه القضية لتقسيم المغرب.
عقبات مؤثرة
يُشير “أبو طالب” إلى مجموعة من العقبات التي يمكن أن تعرقل فاعلية القمة العربية في الجزائر، وأبرزها:
1- حجم التناقضات في مواقف الجزائر: ترى الجزائر أنها بلد محوريعربياً وأفريقياً، ودائماً مناصرة للشعوب المضطهدة، خاصة وأنها شاركت في وساطات سابقة في لبنان عام 2006، وحاولت التحرك للوساطة بين مصر والسودان من جانب، وأثيوبيا من جانب آخر، ولذا تطرح فكرة حق تقرير المصير لشعب البوليساريو، ولذلك لا يمكن تصور قيامها بدور وسيط في قضايا وخلافات، وهناك قطيعة مع المغرب بشأن قضية “البوليساريو”.
2- انحيازات الدبلوماسية الجزائرية المحسوبة: تؤمن الدبلوماسية الجزائرية بأن لديها قدرات خاصة، ولكن لديها انحيازات محسوبة بحسب القضية والأزمة، بمعنى أنها تدخلت فيما يتعلق بالمصالحة الفلسطينية، ولكن في الحقيقة لا يوجد في اتفاق المصالحة شيء، فقط تعبير عن نوايا بين الأطراف الفلسطينية، وهي نفس النوايا التي ذُكرت في الجهود التي بذلتها مصر على مدى 15 عاماً، ولم يحدث شيء.
3- الحساسية العربية تجاه بعض المواقف الجزائرية: هناك حساسية لدى بعض الدول العربية من مواقف الجزائر تجاه إيران، وهناك انزعاج من بعض الدول حيال العلاقات الجزائرية الإيرانية المتصاعدة، خاصة أن هناك تقارير يُثار بشأنها جدل كبير حول استيراد الجزائر أو تسهيل شراء طائرات مسيرة إيرانية، مثل المستخدمة في الحرب الأوكرانية، وتقديمها لـ”البوليساريو”، وسط الحديث عن وجود عدد من الخبراء الإيرانيين للتدريب على تلك الطائرات، وهذا سيكون موجهاً ضد المغرب.
4- اتجاه الجزائر للتقارب مع أثيوبيا: هناك اتجاه في الجزائر لتعميق العلاقات مع أثيوبيا، وهو أمر مثار تساؤلات حول الهدف من هذا التقارب، هل الأمر يتعلق بأزمة سد النهضة، أم أنه يأتي في سياق المنافسة مع المغرب أفريقياً.
5- رفض الجزائر للوساطات حول المغرب: خلال الفترة الماضية، كان هناك رفض من قبل الجزائر لمحاولات الوساطة بينها وبين المغرب لحل الخلافات، بعد قطع العلاقات بينهما.
6- محدودية دور عدد من الدول: هناك عدد من الدول العربية ليس لها دور فاعل في الجامعة العربية، وعلى مستوى القضايا العربية المطروحة، فهذه الدول وضعها صعب في ظل الأزمات التي تشهدها ومستمرة منذ فترة، فماذا يمكن أن تحصل عليه قبل التسوية من لبنان وليبيا وسوريا؟
حدود التوافق
يرهن “أبو طالب” حدود التوافق ومخرجات القمة العربية المقبلة في الجزائر، في ضوء عدد من العوامل، أبرزها:
1- مستوى التمثيل للقادة العرب: هناك 6 قادة عرب لن يحضروا القمة حتى الآن، منهم قادة من الخليج العربي، فيما من المقرر أن يحضر 17 قائداً عربياً، والأسبوع الذي يسبق القمة سيتضح الأمر بشكل أوضح، حول عدد القادة المشاركين في القمة.
2- غياب التوافق عن قضايا جدلية: كان هناك جدل حول دعوة سوريا للمشاركة في القمة العربية خلال الفترة الماضية، في ضوء رفض بعض الدول، ولكن الجزائر طلبت من سوريا أن تعتذر، لكي يكون هناك مخرج لطيف. وأعلنت الجزائر أن محادثات وزير الخارجية نظيره السوري هاتفياً، تطرقت للجهود التي سوف تُبذل لتمرير كل المشكلات المتعلقة بعودة سوريا لجامعة الدول العربية.
3- أزمة شرعية حكومة الدبيبة: هناك معضلة تتعلق بمدى شرعية التعامل مع حكومة عبد الحميد الدبيبة، هل منتهية الصلاحية أم لا؟ ومن يمثل ليبيا؟ خاصة في ظل الموقف المصري، ولكن وُجهت الدعوة لرئيس مجلس السيادة ليمثل ليبيا، في حين بعض الأطراف العربية كانت ترى ضرورة تمثيل عقيلة صالح لليبيا.
4- ملف الوساطة بين الجزائر والمغرب: هناك أيضاً أزمة فيما يتعلق بملف الوساطة بين الجزائر والمغرب عقب قطع العلاقات على خلفية قضية “البوليساريو”، وهل الجزائر توافق على وساطة مع المغرب؟، وكانت السعودية من أبرز الأطراف التي حاولت التوسط بين الدولتين، ولكن الجزائر رفضت حينها.
5- تباين في تحديد مصادر التهديد: إذا كنا نتحدث عن الأمن العربي الجماعي، فإننا نواجه مشكلة تتعلق بتباين تحديد مصادر التهديد، إذ إن مصادر تهديد كل دولة تختلف عن مصادر التهديد للدولة الثانية. فالخليج لديه هواجس من إيران، والجزائر لديها علاقات مع إيران، وهكذا الحال بالنسبة لرؤية بعض الدول أن تركيا مصدر للتهديد، في حين لا ترى بعض الدول ذلك.
6- غياب آليات تنفيذية للمصالحة الفلسطينية: رغم الإصرار الجزائري على الإشارة إلى عمل نقلة في المصالحة الفلسطينية، إلا أن الاتفاق عبارة عن نوايا، ولا توجد اتفاقيات حول الحكومة والانتخابات، وربما يتم التطرق إلى تشكيل لجنة لمتابعة قرارات تنفيذية لما تم الاتفاق عليه في بيان المصالحة.
فجوة محتملة
يرى “أبو طالب” أن الجزائر تستضيف القمة العربية المقبلة تحت شعار “لمّ الشمل العربي”، وفي حالة عدم تقديم مبادرة حقيقية ونموذج فعلي من خلال محاولة إنهاء الخلافات مع المغرب فإن هذا الشعار سيمثل فجوة كبيرة بينه وبين الموقف الفعلي.
ويُحدد مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية، عدداً من الملفات التي يمكن أن تطرحها الجزائر، منها الحديث عن إعادة إصلاح الجامعة العربية، وهو طرح قديم منذ حرب الخليج الثانية، قد تكون هناك رؤية عربية في القضايا المناخية، باعتبار أن التقديرات تشير إلى تأثر العالم العربي بشدة خلال 50 عاماً المقبلة، وأن هذه القضية ليست مثار جدل كبير، إضافة إلى طرح القمة ضرورة تسريع التسوية في ليبيا، وإن كان المنافسة المفتعلة بين بعض الأطراف العربية ستؤدي لمحدودية هذا الطرح، وربما تُقدم الجزائر على طرح حوار حول الملف السوري. ويتطرق إلى أن أهمية القمة العربية المقبلة تكمن في اجتماع 17 رئيس دولة مع بعضهم بعضاً، بما يسمح بالتواصل بعد انقطاع لمدة عامين، لمحاولة إزالة الحساسية المفرطة وسوء الفهم تجاه بعض الملفات والقضايا، وهذا أمر إيجابي.