يمكن تفسير الحملة التي شنتها فصائل محلية في مدينة جاسم بمحافظة درعا لملاحقة خلايا وعناصر تنظيم “داعش”، في ضوء اعتبارات عديدة، منها منع تحويل المدينة إلى بؤرة للتنظيم، إضافة إلى ضبط الأمن فيها، بعد اغتيال نحو 80 شخصاً بينهم قيادات، فضلاً عن إبعادها عن التجاذبات في محافظة درعا، ومنع دخول الجيش السوري لتنفيذ عمليات ضد “داعش”.
شنت فصائل مسلحة محلية في مدينة جاسم بمحافظة درعا جنوب سوريا، بداية من 14 أكتوبر 2022، وعلى مدار ثمانية أيام تقريباً، حملة عسكرية لملاحقة خلايا تنظيم “داعش” ومداهمة مواقع تابعة للتنظيم، بمشاركة عناصر مما يُعرف بـ”الفيلق الثامن” بريف درعا الغربي. وانخرطت الفصائل المشاركة في الحملة العسكرية في مواجهات عنيفة مع عناصر تنظيم “داعش” التي تحصنت في بعض المواقع، إذ استمرت عمليات المداهمة لمواقع “داعش”، بناءً على معلومات توفرت لدى تلك الفصائل. وعلى الرغم من محدودية نشاط تنظيم “داعش” جنوب سوريا منذ عام 2018، مقارنة بنشاط مجموعاته في شمال شرق البلاد أو في منطقة البادية السورية، إلا أنه لا يزال يحتفظ بمجموعات وخلايا.
أبعاد رئيسية
يمكن الوقوف على الأبعاد الرئيسية في الحملة العسكرية التي شنت لملاحقة عناصر “داعش” بمدينة جاسم على النحو التالي:
1- تحركات منظمة من فصائل محلية: استهدفت الفصائل المحلية التي شنت الحملة العسكرية عدة مقرات لعناصر “داعش” بشكل ممنهج، كما أنها ركزت على أنشطة التنظيم المختلفة سواء مقرات عسكرية أو شرعية وفقاً لما يُعرف بـ”المحكمة الشرعية”.
ويبدو أن الفصائل المحلية كانت ترغب في نفي أي تقارير أو اتهامات بإشراك الجيش السوري في الحملة العسكرية، خاصة أن وزارة الإعلام السورية نقلت عن مصدر أمني قوله أن “الجهات المختصة بالتعاون مع المجموعات المحلية والأهلية وبمساندة الجيش العربي السوري تنفذ عملية أمنية ضد تنظيم داعش الإرهابي في مدينة جاسم بريف درعا الشمالي”.
2- مشاركة فصائل “التسوية” في العملية: بعد يومين تقريباً من انطلاق الحملة العسكرية، وبفعل المواجهات العنيفة مع عناصر “داعش” وتحصنهم داخل مقراتهم، لجأت الفصائل المحلية وقيادات المدينة إلى الاستعانة بدعم من قبل ما يُعرف بـ”الفيلق الثامن”، وهو أحد فصائل “التسوية”، الذي بات يتبع “الأمن العسكري” في الجيش السوري، وكانت المحافظة شهدت اتفاقاً للتسوية مع النظام السوري، برعاية روسية عام 2021، وهو ما سمح بدخول قوات الجيش السوري إلى المحافظة. وتمكنت المجموعات المشتركة من الفصائل المحلية، و”الفيلق الثامن” الذي دخل المدينة معززاً بأسلحة ثقيلة، من القضاء على قيادات وعناصر “داعش”، وإعادة الهدوء إلى المدينة بعد ثمانية أيام من الاشتباكات والاضطرابات.
3- تكبيد تنظيم “داعش” خسائر كبيرة: مقابل سقوط عدد من القتلى والمصابين في صفوف العناصر المشاركة في الحملة العسكرية، فإن خسائر التنظيم -وفقاً لما أُعلن من قبل قيادات مدينة جاسم- كبيرة، على أكثر من مستوى. إذ تم تدمير المواقع التي كان يتحصن بها عناصره. كما قتل عدد من قياداته، ومنهم عبد المطلب العزيزي، وأبو عبد الرحمن العراق، وأبو مجاهد برقا، وأيهم الفيصل، ورامي الصلخدي، إضافة إلى اعتقال عدد من عناصره، وفقاً لبيان قيادات مدينة جاسم، وتقارير إعلامية محلية. وهنا، فإن الحملة العسكرية سعت إلى محاولة إنهاء أي وجود للتنظيم في المدينة، على المدى القريب.
دوافع متعددة
في ضوء المشهد الميداني المعقد في محافظة درعا، وتأثيراته على الحالة الأمنية بشكل عام، وتحديداً على مدينة جاسم، التي تقع ضمن سيطرة فصائل معارضة للنظام السوري؛ يمكن القول إن ثمة دوافع عديدة لإطلاق حملة عسكرية لملاحقة خلايا وعناصر “داعش” في المدينة، يتمثل أبرزها في:
1- مواجهة النفوذ المتزايد للتنظيم: تهدف الحملة العسكرية الأخيرة في مدينة جاسم بشكل أساسي ومباشر إلى تحجيم نفوذ خلايا تنظيم “داعش” في المدينة،خاصة في ظل تشكيل “محكمة شرعية” والاستحواذ على مقرات لتخزين الأسلحة والمواد المتفجرة، وهو ما كشفت عنه الحملة العسكرية، وبالتالي كانت هناك حاجة ضرورية لتفكيك والقضاء على تلك الخلايا قبل تزايد نفوذها بشكل كبير، والاتجاه إلى توسيع عمليات التجنيد من داخل المدينة. وبغض النظر عن تقييم حجم تهديد خلايا “داعش” داخل المدينة خلال الفترة الحالية، فإن مدينة جاسم تمثل نقطة انطلاق لعمليات التنظيم باتجاه ريف دمشق وباقي مناطق المحافظة، وربما كانت الحملة العسكرية تشير إلى رفض الوجهاء والفصائل المحلية تحويل المدينة إلى “بؤرة” للتنظيم ومركز لصناعة المواد المتفجرة لمجموعات أخرى خارج المدينة.
2- تأمين المدينة بعد تصاعد الاغتيالات: رغم عدم إعلان تنظيم “داعش” مسئوليته عن عمليات داخل مدينة جاسم،إلا أن هذا لا يعكس عدم تورط خلايا التنظيم في تنفيذ عمليات اغتيالات لشخصيات وافقت على عملية التسوية مع النظام السوري برعاية روسية، وخلَّفت الاغتيالات في المدينة نحو 80 قتيلاً، وفقاً لبيان قيادات مدينة جاسم عقب انتهاء العملية العسكرية لملاحقة عناصر “داعش”. وبالتالي فإن وجود تنظيم “داعش” في المعادلة يزيد من الأعباء والتحديات في محافظة درعا، خاصة مع إمكانية استقطاب واستمالة عناصر وقيادات ترفض اتفاقيات التسوية، وهو ما أشارت إليه تقارير إعلامية بشأن تقديم تنظيم “داعش” رواتب شهرية تتراوح بين 300 و400 دولار. وفي هذا السياق، لجأت قيادات المدينة إلى حظر تأجير المنازل لشخصيات مجهولة، دون الإبلاغ عن ذلك.
3- منع تدخل القوات السورية: ربما سعى وجهاء وفصائل مدينة جاسم، عبر الحملة العسكرية، إلىاستباق أي تدخل عسكري للجيش السوري في المدينة، على وقع مكافحة الإرهاب وملاحقة عناصر “داعش”، خاصة وأن القوات السورية سبق لها في أغسطس الماضي، محاصرة مدينة طفس وتنفيذ عملية لملاحقة قيادي في التنظيم، لا سيما أنه تم الإعلان عن طلب الدعم من “الفيلق الثامن”، الذي يتشكل من فصائل “التسوية”، دون طلب الدعم من الجيش السوري. وتجدر الإشارة إلى ما نشرته وسائل إعلام محلية خلال شهر يوليو الماضي، حول ضغوط رئيس فرع الأمن العسكري بدرعا، على قيادات المدينة، بشأن ضرورة مواجهة عناصر “داعش”.
4- عزل المدينة عن تجاذبات درعا: في إطار تقاسم السيطرة وتوزيعها بين الأطراف المختلفة في محافظة درعا سواء خلال 2018 أو خلال عام 2021،فإن مدينة جاسمظلت تحت سيطرةفصائل وقيادات معارضة للنظام السوري، وبالتالي فإن الحملة العسكرية تمثل محاولة لمواجهة أي تهديد يمكن أن يخلط التفاهمات والاتفاقات، وإظهار القدرة على التحكم في الأوضاع بالمدينة، لمحاولة عزلها عن التجاذبات التي تشهدها محافظة درعا خلال السنوات القليلة الماضية، وتحديداً منذ 2018، بعد السماح بوجود مليشيات موالية لإيران في المحافظة، وتوسيع نطاق سيطرة القوات السورية فيها، خاصةً مع تصاعد عمليات اغتيال قيادات معارضة للنظام السوري، وفي المقابل استهداف قيادات ومليشيات موالية لإيران، إضافة لقوات الجيش السوري.
تكريس السيطرة
وأخيراً، مع أهمية الأبعاد الأمنية للحملة العسكرية الأخيرة في مدينة جاسم، للقضاء على خلايا تنظيم “داعش”، في ضوء تزايد معدل الانفلات الأمني في المدينة وعلى مستوى المحافظة ككل خلال الأشهر القليلة الماضية؛ فإن ثمة أبعاداً سياسية تتعلق بمحاولة الحفاظ على سيطرة فصائل المعارضة على المدينة، وعدم السماح بأي محاولات للجيش السوري بالسيطرة عليها، حال عدم قدرة الفصائل المحلية على الوفاء بالالتزامات في حفظ الأمن، وعدم القضاء على عناصر تنظيم “داعش”.