«أوبك بلس».. اختبار العرب – الحائط العربي
«أوبك بلس».. اختبار العرب

«أوبك بلس».. اختبار العرب



مشهد عربي جديد في النظام العالمي للطاقة، لم تعد القواعد التقليدية تناسب الإرادة العربية الجديدة في صناعة نظام يلبي مطالب المستقبل، ولم يعد سهلاً تحريك خرائط النفوذ والقوة العربية، حسب رغبة وأهواء الآخرين.

القرار الجماعي، الذي اتخذته منظمة «أوبك» و«أوبك بلس» بشأن تخفيض حجم إنتاج النفط بنحو مليوني برميل يومياً جريء وشجاع، يمثل اختباراً للعرب في توقيت صعب، ويتفق مع المصالح الوطنية، ليس فقط بدول وشعوب أعضاء المنظمة، بل إنه قرار له حساباته التي تصب في صالح استقرار سوق الطاقة العالمية.

هذا القرار لم يأت على هوى ساكن البيت الأبيض، الذي رأى أن توقيت القرار غير مناسب لحساباته، سواء المتعلقة بانتخابات التجديد النصفي للكونغرس الأمريكي، المزمع إجراؤها يوم 8 نوفمبر المقبل، أو الحسابات الخاصة بالصراع الأمريكي الكوني الدائر مع روسيا والصين.

ردود الأفعال الأمريكية، اتسمت بالصوت العالي، دون التعمق في دراسة جوهر قرار «أوبك بلس»، فمن يقرأ تفاصيل القرار، يتأكد أنه ليس قراراً سياسياً أو موجهاً ضد الولايات المتحدة ، وحلفائها الغربيين، بل إن القرار يهدف إلى تحقيق الاستقرار في سوق النفط. وذلك من خلال الحفاظ على سعر يشجع على استمرار الاستثمار في استخراج النفط.

في ظل التوجه العالمي الجديد نحو الطاقة الجديدة والمتجددة، بما يدفع المستثمرين إلى ضخ مزيد من الأموال في استخراج النفط والغاز، لحين الانطلاق الآمن، من مرحلة الطاقة الأحفورية القديمة إلى مرحلة الطاقة المتجددة، التي باتت هي عنوان المرحلة والمستقبل معاً.

هذا فضلاً عن أن دول «أوبك بلس»، كان إنتاجها الفعلي أقل من المتاح لها بنحو 900 ألف برميل يومياً، لعدم قدرة هذه الدول على الوفاء بهذا الرقم، نتيجة لقلة الاستثمارات والأموال التي تم ضخها خلال الفترة الأخيرة، خصوصاً منذ جائحة كورونا، الأمر الذي يفرض على الدول المنتجة، وفي مقدمتها الولايات المتحدة ، التي أصبحت مصدراً صافياً للنفط منذ عام 2018 البحث عن سعر يتناسب مع تكلفة الإنتاج، وهذا هو جوهر قرار «أوبك بلس».

إذاً، نحن أمام سلامة في القرار، وحسن في النيات، وأن ما تم تأويله من بعض وسائل الإعلام الغربية، لا يستند إلى فهم حقيقي لجوهر ومضمون القرار، وهذا يتسق تماماً مع المراحل التاريخية لمنظمة «أوبك بلس» التي بذلت جهداً كبيراً في الحفاظ على استقرار سوق النفط، من خلال سعر عادل للمستهلكين والمنتجين معاً.

اللافت للنظر هنا، وسط قرار المنظمة وردود الأفعال الأمريكية، هو الموقف العربي الجماعي الداعم بلا شرط لهذا القرار، فقد جاءت المواقف العربية – شعوباً وحكومات وقادة – لتؤيد قرار المنظمة، وهنا نتوقف أمام رسائل عدة لهذا الدعم العربي الكامل.

أولى هذه الرسائل تلك التي أكدت روح العروبة والتضامن والوحدة مع الدول العربية، أعضاء «أوبك بلس»، وفي مقدمتها دولة الإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية، وأن هذا الرد الداعم، جاء قوياً وحاسماً وقاطعاً بما يؤشر على مرحلة جديدة للعمل العربي المشترك، ترتكز على التضافر والتعاون المتبادل أثناء تعرض أي دولة عربية لخلاف أو اختلاف مع دولة غير عربية.

الرسالة الثانية تؤكد، أن الدول العربية في مرحلة اتخاذ القرار وفقاً لحسابات مصالحها الوطنية، ومصالح شعوبها، وأن قطار الدول العربية، يدرك جيداً أهمية اللحاق بمرحلة الحياد الكربوني أو صفر كربون، قبل دول كثيرة.

فعلى سبيل المثال نجد أن دولة الإمارات، ستصل إلى صفر كربون عام 2050، الأمر الذي يؤكد جدية الدول العربية، وتناغمها مع الأهداف الدولية في الحفاظ على الكوكب من جانب، وعدم حدوث اضطرابات في سوق الطاقة من جانب آخر.

أما الرسالة الثالثة، فتتمثل في أن الدول العربية، لا تهدف إلى تسييس أو ابتزاز الآخرين في مادة النفط، وإنما تضع لنفسها مكاناً متقدماً في معادلة الأسواق المستقبلية.

الرسالة الرابعة تكشف أن الدعم العربي الحاصل حاليا، يؤكد أمام العالم أن الدول العربية لن تتسامح مع أي قرارات غير مدروسة، من الدول الأخرى تجاه دول المنطقة.

نقال عن البيان