نظّم مركز “العالم العربي للأبحاث والدراسات المتقدمة”، بالقاهرة، بتاريخ 12 أكتوبر 2022، جلسة استماع بعنوان “التكييف القانوني لاستراتيجيات مكافحة الإرهاب في المنطقة العربية”، واستضاف المركز الأستاذ الدكتور أحمد رفعت، أستاذ القانون الدولي ورئيس جامعة بني سويف سابقاً (كمتحدث رئيسي في الجلسة)، كما شارك في الجلسة عدد من الخبراء والباحثين المتخصصين في مجالات مختلفة، وهم: الدكتور محمد عز العرب، والأستاذ أحمد عليبة، والأستاذ عمرو عبدالعاطي، والأستاذ حسين معلوم، والدكتور حمدي بشير، والأستاذ كرم سعيد، والأستاذ محمد الفقي، والأستاذة ميرفت زكريا، والأستاذة نورا بنداري.
إشكاليات رئيسية
يُحدد “رفعت” عدداً من النقاط الرئيسية التي تمثل إشكاليات في مكافحة الإرهاب قانونياً، والتي تؤثر على ضبط هذه الظاهرة وفقاً لقواعد القانون الدولي، كالتالي:
1- الأبعاد السياسية عند تنفيذ الاتفاقيات: تُلزم الاتفاقيات والمعاهدات التي وقعت عليها الدول بالالتزام بكل بنودها ولا يجوز مخالفتها، وبالتالي فإن الدول جميعها ملتزمة بالاتفاقيات المتعلقة بمكافحة الإرهاب،رغم وجود أزمة في ضبط مدى التزام الدول بهذه البنود، وهنا اتجهت بعض النقاشات خلال الجلسة إلى أنه على الرغم من وجود ترسانة كبيرة من التشريعات والاتفاقيات المتعلقة بمكافحة الإرهاب، مثل مكافحة غسيل الأموال؛ إلا أنها ترسانة تؤطر أكثر مما تنظم التزام الدول بمكافحة الإرهاب، إذ يحكم الموقف السياسي مواقف الدول أحياناً، مثل اعتبار بعض الدول حركة حماس إرهابية، في حين دول أخرى تتعامل معها.
2- تعدد وتشعب مفاهيم الإرهاب دولياً: بفعل تعدد مفاهيم الإرهاب واختلافها من دولة لأخرى وحتى داخل الدولة الواحدة مثل الولايات المتحدة الأمريكية، إذ تختلف تعريفات الإرهاب بين وزارتي الدفاع والخارجية ومكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي. وهكذا الحال بين الدول، حيث هناك اختلافات بينها على مفهوم الإرهاب، بما يستدعي وضع اتفاقية شاملة لتوحيد المفاهيم المتعلقة بالإرهاب ومكافحته، مع الالتزام بحق الشعوب في تقرير مصيرها، وألا يعتبر ذلك إرهاباً، إضافة للالتزام بالمبادئ الحاكمة لمكافحة الإرهاب، مثل معاقبة الدول المتورطة في الإرهاب، والقضاء على أسباب الإرهاب.
3- ازدواجية المعايير في مكافحة الإرهاب: ثمة ازدواجية في المعايير الدولية عند النظر إلى مسألة مكافحة الإرهاب، فيما يتعلق بالدول، إذ تعتبر الولايات المتحدة أن تدخلها العسكري في غزو العراق وأفغانستان والتدخل العسكري في سوريا وليبيا أعمال مشروعة، في حين يتم النظر إلى التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا باعتباره عملاً إرهابياً، وهذا يؤثر على التعاطي مع الضوابط والمعايير المتعلقة بمكافحة الإرهاب. ورغم وجود ضوابط في القانون الدولي إلا أنه يتم مخالفتها من قبل بعض الدول. كما يمكن النظر إلى الاختلاف في الرؤية حول فعل الإرهاب، فإيران على سبيل المثال تُقدم على خطوات وترى أنها تحافظ على النظام السياسي، بينما دول أخرى تعتبر سياساتها إرهاباً وانتهاكاً لحقوق الإنسان.
4- دعم دول للإرهاب وغياب المحاسبة: تُقدم بعض الدول على دعم الإرهاب وتمويله، وهذا يبرز في تزايد معدلات العمليات الإرهابية. فعلى سبيل المثال، كان تنظيم “داعش” يمتلك سيارات حديثة، وكان يجب التحقيق في كيفية وصولها إلى العراق وسوريا ومن يقف وراء التمويل، وفي فترات سابقة دعمت الولايات المتحدة أسامة بن لادن في الحرب ضد الروس بأفغانستان، ثم انقلبوا عليه وقتلوه، وهنا فإن ثمة غياباً لمحاسبة بعض الأطراف والدول على دعم الإرهاب.
5- أزمة تسليم الإرهابيين بين الدول: رغم توقيع بعض الدول على اتفاقيات دولية وإقليميةفيما يتعلق بمكافحة الإرهاب، إلا أن هناك أزمة تتعلق بتسليم الإرهابيين، بفعل اعتبار بعض الدول جرائم معينة مثل اغتيال ملك أو رئيس أو الاعتداء على البعثة الدبلوماسية جريمة سياسية وليست جريمة إرهابية، وهذا يمثل خلطاً كبيراً، والاتفاقيات والمعاهدات تُلزم الدول الأعضاء فيها بتسليم الإرهابيين، حتى في حال عدم وجود اتفاقيات ثنائية لتسليم المجرمين. وهناك دول ترفض تسليم متهمين بالإرهاب لدولهم، ويكون الرد من خلال قطع العلاقات الدبلوماسية وإجراءات أخرى.
تكيّف متقدم
في ضوء ما شهدته المنطقة العربية من تداعيات انتشار موجة إرهاب في أعقاب ما يُعرف بأحداث “الربيع العربي”، بدا أن ثمة اتجاهات داخل بعض الدول العربية إلى وضع أُطر قانونية جديدة للتكيف مع المتغيرات على الساحة العربية، وما يتصل بظاهرة الإرهاب من تحولات، اعتماداً على الأطر الحاكمة لهذه الظاهرة منذ العقد الأخير من القرن المنصرم، ويُحدد “رفعت” أبرز هذه الاتجاهات كالتالي:
1- الاهتمام بالاتفاقيات العربية والدولية: ثمة اهتمام عربي بمكافحة الإرهاب، وهو ليس اتجاهاً جديداً، ولكنه اهتمام أقدم من أحداث 11 سبتمبر 2001، فالدول العربية موقعة على ثلاث اتفاقيات ومعاهدات مهمة، الأولى: الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب عام 1998، ووقعت كل الدول العربية عليها. والثانية: اتفاقية منظمة المؤتمر الإسلامي (باتت الآن منظمة التعاون الإسلامي) التي تتعلق بمكافحة الإرهاب عام 1999، وتضم كل الدول العربية من قارتي آسيا وأفريقيا. والثالثة: معاهدة الاتحاد الأفريقي لمنع ومكافحة الإرهاب عام 1999، ووقعت عليها الدول العربية داخل القارة الأفريقية.
2- التركيز على تفعيل التنسيق العربي المشترك: تسعى الدول العربية المختلفة لتنسيق الجهود فيما بينها، سواء بشكل ثنائي من خلال بروتوكولات التعاون في مجال مكافحة الإرهاب ومواجهة التهديدات المشتركة، أو على المستوى الجماعي، من خلال تفعيل التنسيق العربي المشترك وتخصيص اجتماعات للمسؤولين العرب المسؤولين عن ملف مكافحة الإرهاب، مثل المؤتمر العربي الـ20 للمسؤولين عن مكافحة الإرهاب في الدول العربية بدولة تونس عام 2017، والمؤتمر الـ21 لوزراء الداخلية العرب المسؤولين عن مكافحة الإرهاب، والمؤتمر الـ 36 لوزراء الداخلية العرب. وقبل تلك المؤتمرات المشار إليها، كان هناك اهتمام من الدول العربية بملف مكافحة الإرهاب، وتم عقد مؤتمرات سابقة، مثل مؤتمر الرياض عام 2005، لوضع رؤية للتنسيق الدولي لمكافحة الإرهاب.
3- تخصيص قوانين خاصة بمكافحة الإرهاب: مع أحداث ما يُعرف بـ”الربيع العربي”، بدا أن هناك اتجاهاً لدى بعض الدول العربية لتخصيص قانون خاص بالإرهاب ومكافحته، وفصل مواده عن مواد قانون الإجراءات الجنائية. فمثلاً أصدرت مصر عام 2015 قانوناً خاصاً بمكافحة الإرهاب، وبالمثل فعلت الإمارات بوضع تشريع مكافحة الإرهاب عام 2014 وتضمن 68 مادة، وأقدمت البحرين على فصل قانون مكافحة الإرهاب عن قانون الإجراءات الجنائية عام 2018، كما أن سوريا أصدرت قانوناً عقب أحداث 2011 لمكافحة الإرهاب.
4- استحداث قوائم للكيانات والأشخاص الإرهابيين: وفي ضوء التحولات التي تشهدها المنطقة العربية، وبفعل إصدار بعض الدول تشريعات تتعلق بمكافحة الإرهاب، فإن بعض الدول اتجهت إلى إصدار قوائم خاصة بها للكيانات والأشخاص الإرهابيين.على سبيل المثال، نص القانون الإماراتي على إمكانية إصدار قائمة للكيانات الإرهابية، كما أن مصر أيضاً أصدرت قوائم خاصة بها للإرهابيين والكيانات، وكان هناك تعاون إقليمي عربي بين الرباعي (مصر والسعودية والإمارات والبحرين) بإصدار قوائم مشتركة للكيانات والأشخاص الإرهابيين.
5- تعديل وتحديث القوانين ذات الصلة بالإرهاب: اتجهت بعض الدول العربية بالإضافة إلى إصدار تشريعات تتعلق بمكافحة الإرهاب بشكل منفصل عن قوانين أخرى،إلى تعديل قوانين جرائم ذات الصلة، مثل تعديلات قوانين مكافحة غسيل الأموال، لاتصال تلك الجريمة بالفعل الإرهابي لناحية التمويل، مثلما حدث في السعودية عام 2014، إضافة إلى تعديلات قانون غسيل الأموال ليشكل إجراءات مواد تتعلق بمكافحة الإرهاب كما في الحالة المصرية لتعديل قانون غسيل الأموال الصادر عام 1997، واتجه المشرّع المصري إلى تعديل قوانين أخرى مثل إدخال تعديلات على قانون الأسلحة والذخائر، إضافة إلى تعديل بنود سرية الحسابات، إذ تتيح التعديلات الاطلاع على الحسابات إذا كان يُشتبه في قيام أصحابها بعمل إرهابي.
6- الاهتمام بتضمين بنود مواجهة جذور الإرهاب: تتميز التشريعات العربية التي تتعلق بمكافحة الإرهاب عن غيرها من التشريعات الغربية، لتضمنها جوانب تتعلق بمكافحة الإرهاب في ضوء استراتيجية شاملة، تهتم بمعالجة جذور الإرهاب، من الناحية السياسية والاقتصادية والدينية والإعلامية والاجتماعية، دون اقتصار صور المكافحة على الجوانب الأمنية العسكرية فقط، وإن كانت جملة التشريعات تمنح السلطات صلاحيات استثنائية لمواجهة خطر الإرهاب، وإن تتعارض مع الحريات العامة، إذ إن الدول تُعلي من قدر الإجراءات الأمنية إذا تعرضت لخطر الإرهاب، مع الالتزام بحقوق الإنسان عن تنفيذ استراتيجيات المكافحة الأمنية والعسكرية، دون النظر إلى اتهامات الدول الغربية لدول أخرى ربما عربية فيما يتعلق بحقوق الإنسان، ولكن هذه الدول الغربية تنتهك الحريات العامة من خلال التجسس على المواطنين وحساباتهم إذا تعلق الأمر بأمن تلك الدول ومكافحة الإرهاب.
تحركات لازمة
وأخيراً، يتطرق “رفعت” إلى مجموعة من التحركات التي اعتبرها لازمة لمواجهة الإرهاب، منها، أولاً: الدعوة لعقد مؤتمر دولي لمكافحة الإرهاب تحت مظلة الأمم المتحدة، لوضع تعريف موحد للإرهاب ورسم استراتيجية تُحدد الخطوات الواجب اتّباعها للتعامل مع الإرهاب. وثانياً: إنشاء الأدوات القانونية اللازمة لمساعدة المجتمع الدولي في هذا الملف. وثالثاً: وضع خطوط فاصلة بين حق اللجوء السياسي والالتزام بتسليم مرتكبي جرائم الإرهاب، إذ يتم الخلط بين الجريمة السياسية والإرهابية، وفي الحالة الأولى يمتنع تسليم المجرمين. ورابعاً: تولي الجمعية العامة ومجلس الأمن اهتمامها من أجل القضاء على الأسباب الكامنة من أجل مشكلة الإرهاب. وخامساً: إدراك الدول أهمية استقرار العالم أجمع، إذ إن كل منطقة تُعد معبراً لباقي مناطق العالم. وسادساً: حث الدول التي تُؤوي الإرهابيين أو بعض العناصر على خطورة ذلك. وسابعاً: وضع التدابير اللازمة لمنع حصول الإرهابيين على الأسلحة والمواد البيولوجية والنووية، ووضع ضوابط لمقدمي خدمات الإنترنت، وحظر المواقع التي تقوم بتجنيد الإرهابيين.