لا شك أن استئناف القمة العربية الدورية في الجزائر في نوفمبر/تشرين الثاني القادم يعتبر تحولاً مهماً في الحفاظ على بنية العلاقات العربية والاحتفاظ بمؤسسة القمة، باعتبارها أعلى مؤسسات الجامعة العربية والمنوط بها مستقبل العمل العربي المشترك، في ظل تهديدات وتحديات استثنائية تمس وجود المنطقة. فالمنطقة العربية منطقة استهداف تاريخية منذ نشأتها من قبل قوى إقليمية ودولية وقوى داخلية. وهذه القمة هي القمة الثالثة والأربعون منذ تأسيس الجامعة العربية. وهذا العدد في حد ذاته يؤكد أنه لا بديل عن القمم العربية ولا بديل عن الجامعة العربية، وأنها البديل لكل الخيارات والمقاربات الإقليمية والدولية التي تسعى لملء فراغ القوة في المنطقة وتحويلها لمناطق نفوذ.
تأتي قمة الجزائر بعد آخر قمة عقدت في تونس عام 2019، وهي فترة طويلة في تاريخ المنطقة التي استباحتها قوى إقليمية ودولية، وفترة طويلة أيضاً تراكمت فيها التحديّات والتهديدات التي تمس مستقبل الكثير من الدول العربية، كما نرى في العراق وليبيا واليمن وسوريا، مع خلافات عربية واستمرار الانقسام الفلسطيني وتراجع القضية الفلسطينية.
وتأتي القمة في سياق الحرب الأوكرانية التي وصلت تداعياتها السياسية والاقتصادية للمنطقة، وفي سياق الصراع على قمة النظام الدولي بين الصين وروسيا من جهة، والولايات المتحدة من جهة ثانية، إضافة إلى الملف النووي الإيراني، وفي قلب هذا التحول سوف يتحدد مستقبل المنطقة العربية، ودورها ومكانتها.
ولعل التحدي الأكبر الذي يواجه القمة العربية هو استعادة مصداقيتها وهيبتها ومكانتها لدى المواطن العربي، والثقة بفاعلية وحيوية العمل العربي المشترك، وهذا يتطلب أموراً أهمها مستوى الحضور والحرص على أن يكون على مستوى القادة، ووضع القرارات موضع التنفيذ، والقفز على الخلافات وتعميق المصالحات العربية وخصوصاً اتخاذ القرار الداعم لإنهاء الانقسام الفلسطيني، وتبني مبادرة للمصالحة الفلسطينية من خلال القمة، واستعادة سوريا مقعدها في مجلس الجامعة.
ومن دواعي التفاؤل في عقد هذه القمة أنها تأتي بعد أن دبّت الحياة مجدداً في الجسد العربي، وأبرزها قمة العلا والمصالحة الخليجية وهي الأساس في نجاح القمة، والزيارات التصالحية الأخيرة لأمير قطر.
وقد كانت القمم العربية تعقد بالتوافق وهو أساس نجاحها، وتزامنت أيضاً مع تهديدات سياسية وأمنية تمس الأمن القومي العربي كله. فعلى سبيل المثال قمة أنشاص تزامنت مع الخطر الإسرائيلي على فلسطين والمنطقة كلها، والثانية في لبنان وتزامنت مع العدوان الثلاثي على مصر، والقمة الثالثة لمواجهة مشروعات تحويل مياه نهر الأردن عام 1964، وقمة الخرطوم عام 1967 في أعقاب عدوان 1967، وقمة القاهرة عام 1970 لمواجهة الصدام المسلح بين الأردن والمقاومة الفلسطينية، وقمة القاهرة 1976 للنظر في الحرب الأهلية في لبنان، وقمة بغداد 1987 في أعقاب اتفاقات كامب ديفيد ونقل مقر الجامعة إلى تونس، وقمة عمان لمواجهة الحرب الإيرانية العراقية. ثم قمة القاهرة 1990 لمواجهة الغزو العراقي للكويت، وهي من أهمم القمم؛ لأن هذا الغزو ترتب عليه تحول في مفاهيم الأمن القومي العربي ومصادر التهديد. وفي كل قمة تصدر القرارات المطلوبة، لكن المعضلة كانت تكمن في التنفيذ والالتزام. فبعد قمة أنشاص مثلاً دخلت الدول العربية في حرب 1948، وقمة 1964 أوجدت منظمة التحرير الفلسطينية.
وعموماً تعقد القمم العربية نتيجة عامل التهديدات والتحديات، وهي الحالة التي انتهت بغزو العراق للكويت، وأيضاً عامل التدخلات الخارجية من قبل القوى الإقليمية والدولية كما رأينا في الغزو الأمريكي للعراق 2003، وعدوان إسرائيل على لبنان 2006، والعدوان على غزة 2008. وبقدر قوة الفعل العربي بقدر ما يتاح للقمم النجاح.
لكي تنجح قمة الجزائر فالأمر يتطلب مستوى التمثيل، وحضور كل الدول العربية، وقرارات ترقى لمستوى التهديدات والالتزام بمتابعتها وتنفيذها، ووضع حد للخلافات العربية، ووضع رؤية أمنية عسكرية عربية مشتركة، وتفعيل مجلس الدفاع العربي، والتوافق حول ماهية التهديدات الخارجية، وتفعيل دور القمم الاقتصادية؛ لما لها من قوة للفعل العربي المشترك ومواجهة المشاكل الكونية الاقتصادية وحروب الطاقة والغاز..
ويبقى أن قمة الجزائر هي قمة مصيرية إذا تمكن القادة العرب من استعادة دور مؤسسة القمة بعد ثلاث سنوات من التأجيل. وبعد أن فقد الكثيرون الأمل في عقدها.
ويجب القول أن أية قوة غير عربية لن تستطيع أن تكون بديلاً للقوة العربية الموحدة في ملء أي فراغ في المنطقة؛ لأن الأمن العربي واحد، وذلك يتطلب العمل على إصلاح المنظومة العربية، والدفع نحو المزيد من الخطوات الاندماجية، وأخيراً تبني رؤية عربية مشتركة للسلام تنهي الاحتلال الإسرائيلي وتقيم الدولة الفلسطينية.
نقلا عن الخليج