مع اقتراب موعد انعقاد القمة العربية، مطلع نوفمبر القادم بالجزائر، يبدو أن ثمة مؤشرات على محاولة “تجاوز الخلافات” بين الجزائر والمغرب، لأجل إنجاح القمة وحضور العاهل المغربي لها، فضلاً عن مجموعة من العوامل التي تدفع إلى المشاركة المغربية في قمة “الجزائر” العربية، ومنها: مبادرة العاهل المغربي بتطبيع العلاقات الدبلوماسية مع الجزائر، وسياسة “عدم ترك المقعد شاغراً” التي ينتهجها المغرب منذ سنوات بعد عودته للاتحاد الأفريقي، رغم عضوية “الجمهورية الصحراوية” فيه، هذا بالإضافة إلى اهتمام الجزائر بالعمل على إنجاح القمة، وهو ما يمكن أن يساهم في تخفيف درجة التوتر الحاصل مع المغرب بشأن قضية الصحراء.
تتجه أنظار العرب، خلال الأسابيع المُقبلة، في انتظار القمة العربية الأولى منذ عام 2019، المُقرر انعقادها في الجزائر، يومي الأول والثاني من نوفمبر المُقبل؛ وهي القمة التي ينتظرها كثير من العرب منذ وقت ليس بالقليل، بغية التشاور في العديد من الملفات المشتركة على الصعيد الرئاسي لمعظم الدول العربية، خاصة في ظل توترات بين عدد منها، في مقدمتها التوترات التي تشهدها العلاقات الجزائرية المغربية، وأيضاً العلاقات التونسية المغربية، على خلفية المواقف المختلفة من قضية الصحراء.
هذا التوتر في العلاقات، في الإطار “المغاربي”، كان دافعاً إلى طرح العديد من التساؤلات بشأن إمكانية مشاركة العاهل المغربي للقمة في الجزائر، من منظور التوترات التي وصلت إلى حد القطيعة في العلاقات، بين الجزائر والمغرب، كما حدث في أغسطس من العام الماضي 2021، عندما أعلن وزير الخارجية الجزائري رمضان لعمامرة، قطع بلاده العلاقات الدبلوماسية مع المغرب. مُشيراً -حينذاك- إلى عدة عوامل تسببت في هذه الخطوة، منها تخلي الرباط عن التزاماتها في عملية تطبيع العلاقات بين البلدين.
سؤال المُشاركة
ظلت مُشاركة المغرب في القمة العربية المُقرر انعقادها في الجزائر، بعد حوالي أسبوعين، محل العديد من التساؤلات، خلال الأسابيع الماضية، إلى الدرجة التي فرض فيها “سؤال المُشاركة” نفسه، بالنظر إلى التوتر في العلاقات بينهما. لكن مجلة “جون أفريك” الفرنسية، ويومية “الشرق الأوسط” اللندنية، ذكرتا أن الملك محمد السادس سوف يُشارك في القمة. فالخبر الذي ذكرته مجلة “جون أفريك”، الاثنين 12 سبتمبر، قد يفتح صفحة جديدة في مستقبل العلاقات بين الدولتين الجارتين؛ فقد ذكرت المجلة، استناداً إلى مصادر وصفتها بـ”مطلعة للغاية”، أنه “بناءً على تعليمات من السلطات العليا المغربية، تم إجراء اتصالات مع العديد من دول الخليج: السعودية، قطر، الإمارات، الكويت، البحرين، لإبلاغها بأن الملك محمد السادس سيشارك شخصياً في القمة العربية”.
أما يومية “الشرق الأوسط”، فقد أوردت، بتاريخ 13 سبتمبر الجاري، أن “مصادر دبلوماسية رفيعة” كشفت للصحيفة أن العاهل المغربي سيشارك في القمة. وبحسب الصحيفة، فإن المصادر أكدت أن السلطات المغربية “أجرت اتصالات مع دول الخليج، لإبلاغها بمشاركة الملك شخصياً في قمة الجزائر العربية”. وإن كانت الأوساط الرسمية في الرباط، لم تعلق على هذه الأخبار؛ لكن من الواضح أن إمكانية المشاركة تبقى واردة، إذ لم يصدر أي نفي من القصر الملكي المغربي لهذه الأخبار، وهو ما يؤكد أن الأمر قد يكون صحيحاً فعلاً.
تجاوز الخلافات
لم يكن التوتر في العلاقات بين الجزائر والمغرب هو التوتر الوحيد الذي كان من الممكن أن تمتنع بسببه المغرب عن حضور القمة؛ ولكن هناك أيضاً التوتر بين تونس والمغرب، الذي تصاعد مؤخراً على خلفية استقبال تونس لزعيم جبهة البوليساريو، إبراهيم غالي، وهي الجبهة التي تطالب بانفصال الصحراء المتنازع عليها عن المغرب، في حين تعتبر الرباط أنها جزء من أراضيها.
ورغم أن استقبال تونس لزعيم الجبهة جاء بمناسبة المشاركة في قمة طوكيو للتنمية في أفريقيا “تيكاد 8″، التي عُقدت في تونس يومي 27 و28 أغسطس الماضي؛ إلا أن وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، أعلن في 7 سبتمبر الجاري أن موقف بلاده من هذا الاستقبال لم يتغير.
ومع ذلك، يظل التوتر بين الجزائر والمغرب هو الأكثر أهمية، على الأقل من حيث إن الجزائر هي البلد المضيف للقمة العربية.
إلا أن ثمة مؤشرات على محاولة “تجاوز الخلافات” بين الجزائر والمغرب، لأجل إنجاح القمة وحضور العاهل المغربي لها، أهمها ما يلي:
1- إرسال الجزائر وزير العدل إلى المغرب: من أجل دعوتها لحضور القمة العربية، أوفدت الجزائر وزير العدل، عبد الرشيد طبي، وهو وزير سيادي. ومع أن رمزية إيفاده لا تُماثل إيفاد وزير الخارجية، لكنه يظل تمثيلاً رفيع المستوى، خاصة أنه هو نفسه سيحمل الدعوة إلى السعودية والأردن، وهما دولتان عربيتان مهمتان، وعلاقتهما بالجزائر جيدة، وبعد ذلك يتوجه إلى المغرب. يأتي هذا في حين سيسلم وزير الداخلية الجزائري، كمال بلجود، الدعوة نفسها إلى القمة لتونس وموريتانيا.
2- دعوة الجزائر إلى استئناف “المفاوضات المباشرة” مع البوليساريو: جاءت الدعوة الجزائرية لاستئناف المفاوضات بين المغرب وجبهة البوليساريو لحل النزاع بخصوص الصحراء الغربية، خلال لقاء المبعوث الأممي الخاص للصحراء ستيفان دي ميستورا، مع وزير خارجية الجزائر رمضان لعمامرة، الاثنين 5 سبتمبر الجاري بالجزائر، حسب ما ذكر بيان لوزارة الخارجية. ومن المؤكد أن الدعوة الجزائرية هي مؤشر على محاولة التهدئة بين الجانبين، رغم أنها كما يبدو مرتبطة باقتراب موعد انعقاد القمة.
3- وصول التوتر لمستوى بات من الخطورة تصعيده: إذ إن تصعيد التوتر أكثر من ذلك بالنسبة إلى الطرفين، يحمل احتمال الإيذاء المتبادل، مثلما ألمح المغرب لإمكانية دعمه حركة انفصالية أمازيغية محظورة في الجزائر. وهو ملف إن تبادل فيه الطرفان التلاعب به، فسيمثل كارثة خطيرة عليهما معاً، في ظل وجود مكون أمازيغي كبير في الدولتين المغاربيتين، ووجود دوائر خارجهما غربية متربصة بملف الأقليات في العالم العربي.
عوامل كاشفة
مجموعة من العوامل الكاشفة، تلك التي تدفع إلى المشاركة المغربية في قمة “الجزائر” العربية، لعل أهمها ما يلي:
1- الدعوة المغربية لتطبيع العلاقات مع الجزائر: كان العاهل المغربي قد وجه، في يوليو الماضي، دعوة جديدة لتطبيع العلاقات الدبلوماسية مع البلد الجار، مُعرباً عن تطلعه إلى العمل مع الرئاسة الجزائرية لإقامة “علاقات طبيعية”. وقال الملك محمد السادس، في خطابه السنوي بمناسبة الذكرى 23 لجلوسه على العرش: “إننا نتطلع للعمل مع الرئاسة الجزائرية، لأن يضع المغرب والجزائر يداً في يد لإقامة علاقات طبيعية، بين شعبين شقيقين”.
وكان العاهل المغربي قد اقترح، في عام 2018، تشكيل “آلية سياسية مشتركة للحوار” من أجل “تجاوز الخلافات”، داعياً إلى فتح الحدود البرية المغلقة منذ عام 1994؛ لكن الاقتراح لم يلق استجابة من الجزائر.
صحيح أن مشاركة الملك في القمة لا تعني، بالضرورة، حدوث حوار ثنائي قد يقود إلى إنهاء التوتر بشكل آلي؛ لكن يبقى من الصحيح أيضاً أن الزيارة الملكية إن حصلت ستمثل حدثاً تاريخياً بارزاً في البيئة الاستراتيجية للمشهدين العربي والمغاربي، بحكم أن الزيارات رفيعة المستوى تسمح باتخاذ قرارات استراتيجية.
2- تجاوز المغرب لسياسة “الكرسي الشاغر” السابقة: يتبع المغرب، منذ سنوات، سياسة مختلفة تمثلت في “عدم ترك المقعد شاغراً”، إذ عاد إلى الاتحاد الأفريقي بعد انسحابه منه، بالرغم من عضوية “الجمهورية الصحراوية” (جبهة البوليساريو) فيه؛ وهو ما يؤكد أن المغرب، وإن مد يده إلى الجزائر، إلا أنه مصمم فيما يبدو على إغلاق ملف الصحراء، من خلال مقترح الحكم الذاتي الذي تقدم به، في 11 أبريل 2007، إلى الأمم المتحدة؛ ومن ثم فإن قضية الصحراء يجب أن تصفى على مستوى الأمم المتحدة.
3- اهتمام الجزائر بالعمل على إنجاح القمة العربية: أبدت الجزائر مرونة في الإعداد والتنظيم لانعقاد القمة العربية، فهي استبعدت ملفات سياسية قد تثير الجدل، من أجل إنجاح ملفات أخرى كالتنمية والتعاون الاقتصادي والأمن. كما أعلنت عن أنها سوف ترسل وزير العدل الجزائري إلى المغرب، لتسليم الدعوة لحضور القمة، بالرغم من التوتر القائم؛ هذا فضلاً عن أنها بينت أنها “لا تريد أن تخلط الملفات”، وهو ما يعكس اهتماماً جزائرياً فعلياً بإنجاح القمة.
وبالتالي، إذا كان المغرب يتعامل بمنطق “اليد الممدودة” إلى الجزائر؛ فإن الجزائر تتعامل هي الأخرى بمنطق الشعار الذي ترفعه للقمة العربية المقبلة، شعار “لم الشمل”. هذا، رغم أن الدعوة، وفقاً للأعراف الدبلوماسية، لا بد أن توجه للمغرب باعتباره عضواً في الجامعة العربية.
دوافع الموافقة
في هذا السياق، يمكن القول إن الدوافع التي تساهم في موافقة المغرب على حضور قمة “الجزائر” العربية والمشاركة فيها كثيرة؛ حيث إن هذه المشاركة هي في صالح المغرب، لأنها لا تتعلق بالعلاقات الثنائية وإنما بالعمل العربي المشترك. أيضاً، وبصرف النظر عن قضية الصحراء التي يوظفها كل طرف من الدولتين الجارتين حسب مصالحه ورؤيته السياسية والاستراتيجية، فإن هناك اتفاقاً بشأنها داخل الجامعة العربية، كما في الأمم المتحدة، بأنها قضية “تصفية استعمار”.
أضف إلى ذلك أن السياقات المحلية والإقليمية تؤثر على الزيارات الرسمية في الفضاء المغاربي، لكن ثمة توقعات كبيرة من زيارة الملك محمد السادس للجزائر، إن تمت في ظل رغبة عدد من دول الخليج العربي ودول عربية كبرى بأن تساهم في معالجة كثير من أوجه التوتر بين الجزائر والمغرب، وكذلك بين تونس والمغرب؛ رغم أن العلاقات بين الدول الثلاث لا يمكن أن تسير بالعمق والإيقاع المطلوبين بين عشية وضحاها، وتحتاج لتدابير دائمة على مستوى الحوار والتشاور.