تتسارع التفاعلات السياسية العراقية في دائرة الأزمة التي لم تتراجع بعد بين الغريمين السياسيين: “التيار الصدري” و”الإطار التنسيقي”. فمن جهة، أعلن القيادي في “الإطار” علي الفتلاوي أنه تم رفع طلب لرئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي لعقد جلسة البرلمان في 20 سبتمبر الجاري، مشيراً إلى أن تلك الخطوة تأتي بعد رد المحكمة الاتحادية لدعوى حل البرلمان، وهو السياق الذي سبق وأكده القيادي في “الإطار” نوري المالكي الذي قال أنه لن يكون هناك تفاوض أو حديث على حل البرلمان مرة أخرى، كما أعلن أن “الإطار” سوف يصوت أيضاً على مرشح منصب رئيس الجمهورية حال اتفاق الحزبين الكرديين.
في المقابل، رفض زعيم “التيار الصدري” مقتدى الصدر عودة كتلته النيابية إلى البرلمان، علماً بأن المحكمة الاتحادية حددت نهاية الشهر للفصل في قضية عودتهم، وأصر الصدر مجدداً على قراره بحل البرلمان. وفي نقلة جديدة في موقف الصدر، أعلن أنه يتمسك بكل من رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي حتى إجراء الانتخابات المبكرة، والرئيس برهم صالح في موقعه، كما دعا إلى تجميد أدوار ومهام “الحشد الشعبي” و”سرايا السلام” هذا العام إلى حين إجراء الانتخابات، على أن يلتزم أنصاره ومؤيدوه بتوجيهات القوات الأمنية.
مؤشرات رئيسية
على هذا النحو باتت مواقف الطرفين تعكس مؤشرات ملامح المشهد القادم، ما بين “الإطار التنسيقي” و”التيار الصدري”، ومنها:
1- استمرار الصدر كلاعب سياسي: على الرغم من إعلان انسحابه من المشهد السياسي مؤخراً على إثر وصول الأزمة السياسية إلى نقطة الصدام المسلح مع “الإطار التنسيقي”، وهو ما أخذه الصدر في حسبانه بالدعوة إلى تجميد أدوار “سرايا السلام” الموالية لـ”التيار”، بالإضافة إلى “الحشد الشعبي”، فإنه من الزاوية السياسية سيتعامل مع المشهد السياسي وفقاً لقواعد ومحددات خاصة به، منها، على سبيل المثال، عدم المشاركة في الفاعليات السياسية، على غرار عدم المشاركة في الحوار الوطني الذي دعا إليه الكاظمي وأطلق جلسته الثانية بعد معارك طرفي الأزمة.
2- وضوح الخطط السياسية للطرفين: وفقاً لإعلان الصدر عن دعمه الإبقاء على الكاظمي وبرهم صالح، والاستمرار في التمسك بحل البرلمان، بالإضافة إلى رؤيته الأمنية الخاصة بتجميد أدوار القوى المسلحة، فإن سيناريو “التيار” أصبح واضحاً. وفي المقابل أيضاً، أصبح سيناريو “الإطار” كذلك يتمثل في خطى مضادة، تتضمن رفض حل البرلمان، ودعوته للانعقاد في موعد محدد بعد انتهاء “أربعينية الحسين”، ودعوة الحزبين الكرديين إلى التوافق على منصب رئيس الجمهورية، وهو ما يعني أن “الإطار” وإن استند إلى قرار المحكمة الاتحادية في رد دعوى حل البرلمان، إلا أنه لن ينتظر قرار المحكمة ذاتها في الفصل بشأن عودة كتلة “التيار” المرتقبة نهاية الشهر.
3- مأزق الحلفاء السياسيين لـ”التيار”: على ما يبدو، فإن الصدر لم يستشر حلفاءه في خطته السياسية، إذ لم يحصل على رد منهم بشأن مبادرته الحالية، بل يرى بعض المراقبين أنه على هذا النحو يضعهم في مأزق سياسي، خاصة مع دعم الإبقاء على رئاستي الدولة والحكومة. ويصطدم هذا الموقف مع القواعد القانونية التي تتطلب تغيراً على الأقل في منصب رئيس الحكومة، وهو ما انعكس في عدم رد الكاظمي على تلك المبادرة، وعلى الأرجح سيسعى الأخير إلى معالجتها عبر قنوات الاتصال. إلا أن موقف الأكراد بشأن الإبقاء على الرئيس صالح لم يتحدد بعد في ضوء تلك المبادرة.
4- إرباك مسار الحوار الوطني: تُصادر الخطط والسيناريوهات السياسية المعلنة من الطرفين ما يعول عليه من الحوار الوطني الذي لم يشارك فيه الصدر. فبعد أن أعلن طرفا الأزمة عن مواقفهما على هذا النحو، بات السؤال المطروح: ما هو المرتقب من الحوار الوطني طالما يتمترس كل طرف حول موقفه؟، بل إن مسعى تثبيت رئيس الوزراء الراعي للحوار الوطني قد ينطوي على شبهة وضعه كطرف في الأزمة، في الوقت الذي يؤكد فيه الكاظمي على حياد موقفه.
متغيرات موازية
من جانب آخر، فإن محصلة هذه الخطط لا تعني أنها نهاية المطاف في سيناريو الأزمة، وأن ثمة سيناريو قادماً سيعتمد على التفاعلات المحورية في تلك الخطط، والمواعيد المرتقبة لبعض القضايا، والتي سترسم بدورها السيناريو التالي، ومنها:
1- احتمال انعقاد مجلس النواب: إذا ما وافق رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي على طلب “الإطار التنسيقي” بدعوة البرلمان للانعقاد، فسيرتب موقفاً جديداً لصالح الأخير الذي سيواصل مسار خطته بدون الالتفات لمواقف أي طرف سياسي. لكن يظل لدى الحلبوسي ورقة الانتظار لنحو أسبوع إلى حين فصل المحكمة في الدعوى، وهو ما يعني انتقال الأزمة ما بين “الإطار” و”التيار” إلى أزمة بين رئيس “الإطار” ورئيس البرلمان، إلا أن “الإطار” سيكون في موقف صعب بالنظر إلى أن استباق الفصل القضائي يضعه في دائرة الانتقائية في التعامل مع أحكام القضاء، فانعقاد جلسة واحدة قبل الفصل في القضية سيمرر المجلس على ما هو عليه بحكم الأمر الواقع، لكنه من جانب آخر سيطعن في مشروعيته في حال قبلت المحكمة دعوى الصدر.
2- الفصل في دعوى عودة الكتلة الصدرية: وهي نقطة ذات صلة بالنقطة السابقة، ففي حال ردت المحكمة الدعوى أو فصلت بعدم عودة النواب الصدريين إلى البرلمان فسيكون ذلك لصالح “الإطار” بلا شك، وعليه سترحل تلك القضايا إلى أجل غير مسمى، وسيكون لكتلة “الإطار” الحق في رفض خيار الحل، وعلى الأرجح لن تتعاطى معه، لكنها ستواجه أزمة تشكيل الحكومة التي لن تكون سلسة لمجرد التمسك بتسمية محمد شياع السوداني رئيساً لها. أما السيناريو المعاكس فسيقلب الدفة تماماً، لكنها أيضاً لن تكون نهاية المطاف في الأزمة إذا ما سعى الصدر إلى حل البرلمان، والاتجاه إلى سيناريو مرحلة انتقالية جديدة، حيث سيتعين التوافق على حكومة انتقالية وترتيبات المشهد في ظل وضع أصعب سياسياً مما هو عليه حالياً.
3- مباراة تصفية الحسابات: بدأت هذه المباراة مع رفع “التيار” دعاوى قضائية لمحاسبة نوري المالكي في ضوء التسريبات المنسوبة له والتي كانت بمثابة نقطة اشتعال فتيل الأزمة السياسية والتصعيد المسلح. ويعتقد أن الطرفين سيواصلان هذه المباراة بلا هوادة، ولا ضمانة في عدم العودة إلى التصعيد المسلح مرة أخرى، حتى وإن اختلفت الأدوات، فالمرحلة السابقة شكلت خبرة أنه لا ثوابت في المشهد السياسي العراقي.
تصعيد مستمر
في الأخير؛ يمكن القول إنه على الرغم من وضوح مسار طرفي الأزمة السياسية العراقية، إلا أن هذا الوضوح يؤكد على تموضع “التيار” و”الإطار” في مكانهما دون مغادرة مربع الأزمة، وبالتالي يغيب أي أفق للحل في المدى المنظور، فالقادم سيرسم تفاعلات مدى صعود وهبوط مؤشرات الأزمة، وعلى الأرجح سيكون مسار الصعود هو المؤشر التالي في ظل عدم رغبة الأطراف السياسية في التبريد، إضافة إلى اتساع دائرة الأزمة، في ضوء دخول القضاء ورئيس الحكومة على خط الأزمة من زوايا مختلفة تبدو ذات طابع سياسي بالنسبة للقضاء، بالتوازي مع تصدير أزمة للكاظمي من جهة أخرى قد يضطر معها لنقلها إلى مربع آخر حال قرر مغادرة موقعه وقد سبق وألمح إلى ذلك، حتى وإن كان سيناريو ضعيفاً لكن لا يمكن استبعاده.