الطائفية في العراق – الحائط العربي
الطائفية في العراق

الطائفية في العراق



الطائفية إحدى أزمات الدولة العربية، وسر تمزقها، وعامل تخلفها، وسبب تعثرها. العراق دولة عربية مهمة، تمتلك قدرات اقتصادية وبشرية، وموقعا جغرافيا متميزا، تنزلق فى دوامة العنف، والسبب هو الطائفية.

فى أعقاب الغزو الأمريكى للعراق عام 2003، حٌلت كل المؤسسات، وبقيت الطائفية. وبدأ الحديث عن «الأغلبية الشيعية»، وسلمت واشنطن العراق إلى إيران حتى تشكل نظامها السياسى، وهو ما جاء بالضرورة على حساب الطوائف الأخرى، وبالأخص السنة. وإذا كان نظام المحاصصة الطائفية فشل وأفشل دولا عربية أخرى، مثل لبنان، فمن الطبيعى أن يقود إلى نفس الفشل فى العراق. ظهرت الصراعات الطائفية، والعنف، وكانت فترة رئيس الوزراء الأسبق نورى المالكى تعبيرا عن ذلك، ورغبة فى تمكين الطبقة السياسية التى ينتمى إليها، والتى تنال دعم ومساندة طهران. استفاق العراق على ضياع الموصل فى عام 2014، يوم أن وقف أبوبكر البغدادى على منبر المسجد الكبير يعلن قيام الدولة الإسلامية، فى سابقة لم تحدث من قبل، ولم يستطع تنظيم القاعدة بكل ما فعل أن يقتطع مساحة جغرافية من دولة عربية يُعلن فيها دولة إسلامية.

سلمت الولايات المتحدة دولة العراق إلى إيران، وحسب ديفيد شينكر، مساعد وزير الخارجية الأمريكى لشئون الشرق الأدنى سابقا، أن اللامبالاة التى تتعامل بها إدارة الرئيس جو بايدن، عززت هيمنة إيران فى العراق، فقد زار العراق فى الفترة الأخيرة عدد محدود من المسئولين الأمريكيين، ومن مستويات إدارية منخفضة، بينما زار قائد الحرس الثورى، وعدد من كبار المسئولين الإيرانيين العراق مرات عديدة، وإن كان عدد الزيارات ليس عاملا حاسما فى النظر إلى الموقف بأكمله، لكنه يظل مؤشرا مهما.

يمثل مقتدى الصدر، حالة سياسية مختلفة، فهو قيادة شيعية تقف فى وجه كل من إيران والولايات المتحدة معا، واستطاع أن يحصد أعلى كتلة برلمانية فى الانتخابات البرلمانية فى أكتوبر الماضى، وهو بالتأكيد تصويت احتجاجى واضح، وينال تأييدا من قوى سنية وكردية، فى مواجهة الأحزاب والقوى المنضوية فيما يُعرف بالإطار التنسيقى، الأكثر قربا من إيران. قرر مقتدى الصدر أن تستقل كتلته النيابية من البرلمان، احتجاجا على عدم تشكيل حكومة تستند إلى أغلبية وطنية، حسب توجهه، ودعا أنصاره إلى النزول إلى الشارع فى موجات احتجاجية متوالية بلغت ذروتها منذ أيام، عقب اعلان الصدر استقالته من الحياة السياسية. ورغم عدم وضوح توجهاته الاقتصادية أو السياسية فى قضايا عديدة، إلا أن مقتدى الصدر يمثل حالة التف حولها العراقيون الذين يرفضون الهيمنة الإيرانية، والفساد، ويبحثون عن العدالة الاجتماعية فى بلد صارت نسبة كبيرة من سكانه يعيشون فى فقر، رغم أنه يمتلك موارد اقتصادية كبيرة، وبات جيرانه يجورون على حقوقه، بما فى ذلك حقوقه المائية.

ورغم أن الحكومة الجديدة لم تُشكل فى العراق لما يقرب من عشرة أشهر، إلا أن رئيس الوزراء الحالى مصطفى الكاظمى يمثل نموذجا مختلفا فى إطار سعيه لتحقيق التوازن بين اندماج العراق فى النظام الإقليمى العربى، وبين علاقات إيجابية مع إيران. وتحول إلى راع إلى المحادثات بين طهران وعدد من دول الخليج، فى مقدمتها السعودية، وانخرط فى مشروعات اقتصادية مع مصر والأردن، وفى توجهاته ما يشير إلى رغبته فى تحقيق استقرار العراق، وتقدمه، واستعادة دوره الإقليمى.

الدرس المستفاد أن الطائفية التى رغبت فيها واشنطن، وشكلت نظاما يعبر عنها، لا يمكن أن تسهم فى بناء الدولة الوطنية التى تستند إلى مفهوم المواطنة، وليس المحاصصة الطائفية.

نقلا عن الشروق