كنت في عطلة خلال الأسبوعين الماضيين. وعلى عكس السنوات السابقة، فقد قررت هذه المرة أن أفصل نفسي عن العمل. لذا، فقد أمضيت الأيام القليلة الماضية في متابعة ما فاتني، حيث قرأت ما نُشر في أسبوعين من أخبار حول التطورات المألوفة المحبطة التي تتكشف (أو لا تتكشف) في لبنان وسوريا وفلسطين/إسرائيل والعراق. بالنسبة للبنان، الذي لا يزال على وشك الانهيار، فإنه غير قادر على تشكيل حكومة تعمل بكامل طاقتها، لأن النخب الطائفية تبدو عازمة على امتصاص آخر جزء من نخاع عظام البلاد المحتضرة.
والجمود الطائفي، الذي تفرضه تهديدات «حزب الله»، يمنع المساءلة عن جرائم الماضي وأدى إلى نقص الخدمات الأساسية والوقود والغذاء والمال. حتى لو نجح اللبنانيون في السيطرة على حقول الغاز في البحر المتوسط، فإن لديهم مخاوف مشروعة من انتزاع السلطة من قبل نخب طائفية ستستنزف العائدات لخدمة مصالحهم الخاصة وليس مصالح البلاد. ولا تزال سوريا في حالة حرب مع نفسها، حيث تتعارض المصالح الروسية والإيرانية والتركية والأميركية وأحياناً تتواطأ في مجموعات مختلفة حول مستقبل الفوضى المأساوية.
وبينما تستمر لعبة الأمم هذه، يظل ملايين السوريين معدمين، إما نازحين داخلياً أو كلاجئين يخشون العودة إلى ديارهم. أما العراق، فهو مشلول بسبب «عبقرية» الأميركيين الذين كانت «هديتهم» للشعب العراقي تتمثل في تقليد نظام الحكم الطائفي الذي أنشأته فرنسا، والذي أثبت أنه كارثي للغاية بالنسبة للبنان.
وعلى الرغم من أن استطلاعات الرأي في العراق (كما هو الحال في لبنان)، توضح أن معظمهم يريدون دولة موحدة غير طائفية ومستقلة عن أي قوة أجنبية، إلا أن النخب (المدعومة بميليشياتها – والكثير منها مدعوم من إيران) غير مستعدة للتخلي عن سيطرتها. قد يكون الشلل وخطر تجدد الحرب الأهلية يقتلان العراق، لكن إيران وأتباعها غير مستعدين للتحرك نحو حكم غير طائفي. وفي إسرائيل يتم الاستعداد الآن لإجراء الانتخابات الخامسة في غضون أربع سنوات، تحركت السياسة الإسرائيلية، نتيجة للتدليل الأميركي، حتى الآن إلى اليمين حيث يوجد شكل فريد من الجمود في البلاد. والمناقشات التي تدور ليست حول السلام مع الفلسطينيين، ولكن ما إذا كانت الحكومة اليمينية القادمة سيقودها بنيامين نتنياهو. والخلل الوظيفي الذي يعانيه الفلسطينيون ناتج عن عقود من الاحتلال، الذي عطل تنمية اقتصادهم. كما يعاني الفلسطينيون نقصاً في القيادة القادرة على تطوير رؤية استراتيجية وتكتيكات لتحقيقها. وما بقي للفلسطينيين هو أنظمة المحسوبية القمعية في غزة والضفة الغربية التي اختُزِلَت إلى تبعيات قمعية – بالاعتماد على إسرائيل والمانحين الدوليين للحصول على الدعم. بعد التفكير، تربط الخيوط هذه الاختلالات معاً. أحدهما يتمثل في شر الانقسامات الطائفية والعرقية، التي تروج لها وتستغلها قوى خارجية.
من المغري التساؤل عن مدى اختلاف المنطقة اليوم إذا امتثل البريطانيون والفرنسيون لإرادة شعوب الشرق العربي، وإذا لم يلعب الأميركيون نفس اللعبة الإمبريالية، وقاموا بتحديثها لخدمة مصالحهم؟ يجب ألا تكون هذه نهاية القصة. قبل عدة سنوات، استدار أحد قادة المقاومة السورية، وهو يغادر مكتبي عقب اجتماع، وسأل بحدة: «أين ستكون المنطقة في العشر أو العشرين أو الخمسين سنة القادمة؟» قمت بحثه على العودة، وتحدثنا لمدة ساعة أخرى عن حاجة المنطقة للتفكير المتبصر الذي يطرح هذا السؤال فقط. لا يمكن للشرق العربي أن يستمر في إلقاء اللوم، في إخفاقاته، على مكائد الآخرين. يجب على العرب أن يتولوا بأنفسهم زمام مصيرهم، وأن يضعوا رؤية توحد وتلهم المواطنين لتحرير أنفسهم من أغلال الطائفية والفساد والتطرف والانهزامية. خلاف ذلك، بعد عطلة العام المقبل والعطلات التي بعدها، سأقرأ نفس المقالات حول نفس المشاكل.
نقلا عن الاتحاد