ماذا يريد الاتحاد الأوروبى من الشرق الأوسط؟ – الحائط العربي
ماذا يريد الاتحاد الأوروبى من الشرق الأوسط؟

ماذا يريد الاتحاد الأوروبى من الشرق الأوسط؟



لا يتحرك الأوروبيون فى منطقتنا كاتحاد إلا فيما خص مسألة الهجرة غير الشرعية والتجارة الحرة ومكافحة تنظيمات وجماعات الإرهاب وإحياء الاتفاق النووى بين الدول الكبرى وإيران.
• • •
للاتحاد الأوروبى مصلحة أمنية واستراتيجية عامة ومشتركة بين جميع الدول الأعضاء تقضى بالحد من الهجرة غير الشرعية والتعاون مع دول شرق البحر المتوسط تركيا وسوريا ولبنان وإسرائيل ومع دول جنوب المتوسط من مصر إلى المغرب لقطع خطوط انتقال المهاجرين القادمين من بلدان إفريقية وأحيانا من بلدان آسيوية بعيدة كأفغانستان.
خلال السنوات الماضية، تطور التعاون الأمنى بين الاتحاد الأوروبى ودول شرق وجنوب المتوسط على النحو الذى ظهرت معه، من جهة، مراكز إيقاف وتجميع ودراسة أحوال المهاجرين غير الشرعيين على شواطئ المتوسط الشرقية والجنوبية قبل محاولتهم الانتقال إلى أوروبا. من جهة أخرى، صارت أوروبا تعتمد مبالغ أكبر كمساعدات مالية وإنسانية لدول الشرق الأوسط المستقبلة للمهاجرين غير الشرعيين كتركيا ومصر والمغرب وتعمل على رفع قدرات الضبط الأمنى للسواحل فى لبنان وليبيا وتونس لقطع الطريق على عصابات الجريمة المنظمة العاملة فى مجال الهجرة غير الشرعية.
للاتحاد الأوروبى أيضا مصلحة استراتيجية ذات طابع اقتصادى فى الحفاظ على قنوات التجارة الحرة مع الشرق الأوسط. يعتمد الكثير من الدول الأوروبية، خاصة فى جنوب القارة، على إمدادات الطاقة القادمة إن من الخليج أو من شمال إفريقيا. وهناك العديد من الاستثمارات الأوروبية الكبرى إن القائمة بالفعل أو المعدة للمستقبل فى مجال الطاقة الخضراء والطاقة البديلة مع بلدان كالمغرب والجزائر ومصر. ومع الضغوط المتصاعدة على الأوروبيين بفعل تداعيات الحرب الروسية ــ الأوكرانية فيما خص تأمين احتياجاتهم من الطاقة، أصبح للإمدادات القادمة من الشرق الأوسط أهمية استراتيجية كبرى تتجاوز دول جنوب أوروبا إلى دول شرق ووسط وغرب القارة التى لم تعد قادرة على الاعتماد الأحادى على الطاقة القادمة من روسيا.
كذلك يرتبط الاتحاد الأوروبى باتفاقيات تجارة حرة وشراكات اقتصادية وتنموية مع العدد الأكبر من دول الشرق الأوسط. وهى اتفاقيات وشراكات طورها الاتحاد منذ تسعينيات القرن العشرين (استراتيجيات وسياسات الشراكة الأورو ــ متوسطية)، وبسببها صار الاتحاد الشريك التجارى الأول لبعض دول منطقتنا والشريك التجارى الثانى للبقية (بعد الصين). وترغب الدول الأوروبية فى الحفاظ على تجارتها المربحة مع الدول العربية ومع تركيا وإسرائيل وأيضا إيران التى لم تقطع أوروبا يوما علاقاتها التجارية معها.
• • •
للاتحاد الأوروبى، ثالثا، مصلحة أمنية مباشرة فى مواصلة مكافحة تنظيمات وجماعات الإرهاب التى فرضت خلال السنوات الماضية خرائط الدماء والدمار على بعض بلدان الشرق الأوسط كالعراق وسوريا واليمن وليبيا وهددت سلام بلدان أخرى كمصر وتونس وامتدت جرائمها إلى المدن الأوروبية من لندن وباريس إلى مدريد وبرلين.
منذ بدأت الولايات المتحدة الأمريكية حربها على الإرهاب فى أعقاب هجمات الحادى عشر من سبتمبر ٢٠٠١، وأوروبا شريكة فى الحرب ودولها تنسق عسكريا وأمنيا مع واشنطن على امتداد العالم العربى ــ الإسلامى من أفغانستان إلى دول الساحل فى غرب إفريقيا. واليوم، تتداخل أوروبا فى سياسات مكافحة الإرهاب فى الشرق الأوسط، خاصة فى العراق وسوريا واليمن وليبيا. وتظهر استطلاعات الرأى العام الراهنة فى المجتمعات الأوروبية، وهى فى المجمل أجريت بعد الانسحاب الكارثى للأمريكيين والأوروبيين من أفغانستان، أن قضية مكافحة الإرهاب وإبعاد أخطاره عن القارة العجوز ما زالت ذات أولوية شعبية ويربط الأوروبيون بينها وبين منع الهجرة غير الشرعية وبينها وبين ضرورة التعلم من خطاياهم فى أفغانستان.
للاتحاد الأوروبى، أخيرا، مصلحة مشتركة فى إحياء الاتفاق النووى بين إيران والقوى الكبرى. الأطراف الأوروبية الفاعلة فى مفاوضات الملف النووى الإيرانى هى بريطانيا وفرنسا وألمانيا، والصيغة المستخدمة هى ٥+١ أى الدول أصحاب العضوية الدائمة فى مجلس الأمن الولايات المتحدة والاتحاد الروسى والصين وبريطانيا وفرنسا بالإضافة إلى ألمانيا. كان الأوروبيون من مؤيدى التوصل إلى اتفاق مع إيران يضمن تحجيم مشروعها النووى وإبعاده عن العسكرة نظير الحد التدريجى من العقوبات الاقتصادية والتجارية والتكنولوجية المفروضة على الجمهورية الإسلامية منذ ثمانينيات القرن العشرين. وكانت هذه هى الصيغة التى توافقت عليها القوى الكبرى مع إيران سنوات إدارة أوباما وأسفرت عن الاتفاقية المسمى «خطة العمل الشاملة المشتركة» التى وقعت فى فيينا عام ٢٠١٥. وكانت هذه هى الصيغة التى انقلبت عليها إدارة ترامب، وألغت العمل بالاتفاقية، وأعادت فرض العقوبات على إيران بين ٢٠١٦ و٢٠٢٠.
واليوم، ومنذ جاءت إدارة بايدن إلى البيت الأبيض واستعادت الولايات المتحدة الرغبة الاستراتيجية فى التوصل إلى اتفاق ملزم مع إيران يحول دون امتلاكها للسلاح النووى، والأوروبيون ينشطون فى الوساطة بين واشنطن وطهران.
حين ألغت إدارة ترامب التزام الولايات المتحدة باتفاقية فيينا ٢٠١٥، لم يتنصل الأوروبيون من الاتفاقية ولم يعيدوا فرض عقوبات ألغت على إيران واستمروا فى الضغط على طهران للامتناع عن التصعيد فى مشروعها النووى.
واليوم، يجتمع الأوروبيون، وعلى الرغم من شكوك بعض شركائهم فى الشرق الأوسط كإسرائيل ودول الخليج، على حتمية إحياء الاتفاقية النووية والمزج بين السيطرة على المشروع النووى الإيرانى والحد من العدوانية الإيرانية فى بعض مواقع الشرق الأوسط كالعراق وسوريا ولبنان واليمن وبين الإلغاء التدريجى للعقوبات المفروضة على طهران. ومع تداعيات الحرب الروسية ــ الأوكرانية على إمدادات الطاقة العالمية وأزمة الطاقة التى سيواجهها الاتحاد الأوروبى بداية من الشتاء القادم، يريد الأوروبيون فتح أبواب التجارة العالمية تدريجيا للنفط الإيرانى والاستثمار فى الصناعات البترولية لإيران بعد أن أرهقتها عقوبات العقود الماضية.
• • •
هذه هى المصالح الاستراتيجية المشتركة للأوروبيين فى الشرق الأوسط، وبشأنها يتحركون كاتحاد وكقوة جماعية. أما فيما عدا ذلك، فتناقض المصالح والاستراتيجيات والسياسات هو لغة الأوروبيين الحقيقية فيما خصّ النزاعات المستمرة فى سوريا واليمن وليبيا أو فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية أو بالتوترات المتصاعدة بين أطراف شرق أوسطية مختلفة.

نقلا عن الشروق