التنمية الإنسانية المستدامة وفقاً للمعايير التي أرستها الأمم المتحدة، لا يمكن أن تتحقق بالصدفة، بل يقتضي الأمر وجود مجموعة من المؤشرات التي تدعمها، في أبعادها المختلفة، وعلى رأسها «ضمان التعليم الجيّد المنصف والشامل، وتعزيز فرص التعلم مدى الحياة للجميع».
وتقترن جودة التعليم الجامعي بوجود استراتيجية شاملة لتطوير الأداء وتحقيق الأهداف، في ظروف جيدة لكل مكونات الجامعة، من أساتذة وطلبة وإداريين وتقنيين، وفي ما يتعلق بتكوين الطلاب ضمن رؤية منفتحة على سوق الشغل، وعلى المحيط بشكل عام.
لقد أكدت الممارسات أن المراهنة على التعليم الجيد كأحد المداخل الأساسية لتحقيق التنمية، هي رهان رابح بكل المعايير والمقاييس، لارتباطه بالاستثمار في الفرد الذي يعد المحور الأساسي لتحقيق تنمية تتم بالإنسان، وتسخّر لخدمته، كما أن الديمقراطية لا يمكن أن تتحقق إلا داخل مجتمع متنور ومؤمن بالعلم.
وتبرز الكثير من التقارير والدراسات العلمية أن قطاع التعليم داخل عدد من الدول العربية؛ يعاني الكثير من المشاكل والإكراهات، نتيجة لعوامل مختلفة، يمكن إجمالها في ضعف الإمكانيات المالية المخصصة لهذا القطاع، وضعف الإنتاجات العلمية، واعتماد نظم تعليمية ومناهج متجاوزة، علاوة على عدم توظيف التكنولوجيا الحديثة بشكل كاف وفعال.
وقد كشفت جائحة «كورونا» حجم الإشكالات والإكراهات التي تواجه منظومة التعليم في عدد من دول المنطقة، بعدما توقفت فيها العملية التعليمية بشكل تام، ولم تستطع الاستمرار في تقديم خدماتها المنتظمة للطلاب.
وتبيّن تحت محك الظروف التي فرضتها الجائحة عدم جاهزية الأطقم التربوية والإدارية لعدد من الجامعات العربية على مستوى التعامل مع التقنيات التكنولوجية للتعليم عن بعد، خصوصاً أن الإمكانات التي استخدمتها بعض الجامعات في هذا الخصوص كانت متجاوزة وغير متكاملة الأركان، ما أثر بشكل سلبي في جودة العملية التعليمية برمتها رغم الجهود المبذولة في هذا السياق.
وعموماً، فقد تبين تحت ضغط الظروف التي فرضتها الجائحة، أن مختلف الجامعات في عدد من الدول العربية لم تكن في مستوى الجاهزية التي تتطلبها مواجهة الوباء بتداعياته، لكونها لم تستثمر بما يكفي في مجال توطين التكنولوجيا
وما زال هناك الكثير من الجهود التي يفترض أن تقوم بها العديد من الدول العربية على طريق تطوير نظمها التعليمية وتجويد أدائها ومخرجاتها لتكون قاطرة حقيقة للتنمية، وهو الرهان الذي تزداد أهميته مع إصدار التقارير التي تصنف الجامعات عبر العالم، والتي تؤكد بما لا مجال للشك فيه، أن طريق التقدم يمر عبر إرساء منظومة تعليمية في مستوى التحديات والإشكالات التي يفرضها عالم اليوم.
وما زال تصنيف عدد من الجامعات العربية دون مستوى الجامعات الدولية العريقة، ضمن التصنيفات التي تصدرها الهيئات والمؤسسات الجامعية الدولية، كما هو الشأن بالنسبة إلى تصنيف جامعة «شنغهاي» الذي يقوم في مرتكزاته على أربعة معايير أساسية متصلة بجودة التعليم، وكفاءة أعضاء هيئة التدريس، والإنتاج البحثي، ثم الإنجاز الأكاديمي مقارنة بحجم المؤسسة العلمية، وهو التصنيف الذي صدر قبل أيام لأفضل ألف جامعة في العالم، تصدّرته جامعة «هارفارد»، متبوعة بجامعة «ستانفورد»، ثم معهد «ماساتشوستس» للتكنولوجيا.
وقد تمكنت 19 جامعة عربية أن تتموقع ضمن مراتب متفاوتة داخل هذا التصنيف، من الإمارات والسعودية ومصر وقطر والأردن ولبنان وسلطنة عمان، فيما غابت عنه جامعات من المغرب وتونس والجزائر، وغيرها من البلدان العربية.
وتقدّم التصنيفات الدولية لجودة الجامعات ، فرصة حقيقية لجامعاتنا للاستفادة من هفواتها، وللعمل على تطوير أدائها بالاشتغال على تطوير المناهج، وتعزيز كفاءة الأطقم التدريسية والإدارية والتقنية، والانفتاح على سوق الشغل ، ثم إرساء استراتيجيات مستدامة لإصلاح المنظومة، مع استحضار التجارب الدولية الرائدة في هذا الخصوص، بالصورة التي تجعلها قادرة على ركوب غمار التنافسية.
نقلا عن الخليج