أهداف متنوعة:
دلالات الجولة الخليجية لرئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني

أهداف متنوعة:

دلالات الجولة الخليجية لرئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني



في إطار مساعي رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني “رشاد العليمي” لإعادة الدولة اليمنية إلى محيطها العربي واستعادتها من قبضة المليشيا التي تريد إسقاطها والسيطرة على جميع ثرواتها ومقدراتها تلبية لأطماع قوى خارجية؛ فقد قام بجولة خليجية غير رسمية استهلها بزيارة الإمارات العربية المتحدة (15 أغسطس 2022) ويستكملها بالتوجه إلى السعودية في وقت لاحق، استناداً لتحقيق جملة من الأهداف، منها: التأكيد على الرفض الخليجي لجرائم إخوان اليمن، وحشد الدعم الخليجي لمسار الإصلاحات الهيكلية اليمنية، ومواجهة تحركات إيران والحوثي في البحر الأحمر، والتأكيد على استعداد القوات اليمنية لمواجهة التهديدات الإخوانية تجاه الخليج، واستعجال وسائل الدعم الخليجي للاقتصاد اليمني، وتلبية مطالب واشنطن لإنهاء النزاع اليمني.

تأتي الجولة الخليجية لـ”العليمي” التي تعد الثانية له إلى أبوظبي، إذ كانت الأولى مطلع مايو 2022، والثالثة إلى السعودية، بالتزامن مع عدد من التطورات التي شهدها اليمن خلال أغسطس الجاري، منها: الاتفاق على تمديد الهدنة الإنسانية للمرة الثانية بحيث تنتهي في 2 أكتوبر 2022، وتكثيف المجلس الرئاسي مساعيه لإقصاء إخوان اليمن من المشهد السياسي خاصة عقب أحداث العنف التي شهدتها مدينة عتق مركز محافظة شبوة شرقي اليمن في 8 أغسطس 2022 ونجم عنها نجاح قوات العمالقة الجنوبية في دحر التمرد الإخواني وطردهم من شبوة بعد مواجهات عنيفة استمرت لمدة ثلاثة أيام وأسفرت عن سقوط عدد من القتلى والجرحى، بجانب تأكيد الرئيس اليمني على المضيّ قدماً في إعادة هيكلة جميع مؤسسات الدولة وتقوية جميع الأجهزة الأمنية والعسكرية لتحرير أكبر مساحة ممكنة من المناطق والمحافظات اليمنية من قبضة مليشيا الحوثي الانقلابية وجماعة الإخوان.

وفي ظل هذه التطورات، يمكن القول إن هناك مجموعة من الأهداف وراء الجولة الخليجية لـ”العليمي” في هذا التوقيت تحديداً، من أبرزها ما يلي:

تحجيم النفوذ

1- التأكيد على الرفض الخليجي لجرائم إخوان اليمن: يريد “العليمي” من تلك الجولة إيصال رسالة إلى حزب الإصلاح الإخواني مفادها أنه بات منبوذاً بشدة، ليس فقط في الداخل اليمني وإنما على المستويين العربي والأوروبي أيضاً، وأن إعلان تمرده الأخير وانقلابه على السلطة الجديدة في محافظة شبوة، ساهم بشدة في تقويض أي فرصة يمكن من خلالها عودة الإخوان مرة أخرى لفرض قراراتهم على الساحة السياسية كما كانوا إبان حكم الرئيس السابق “عبدربه منصور هادي”، وأدى إلى نفور خليجي من أفعال الحزب الإخواني، ولهذا وجّه عدد من المراقبين السعوديين نداء إلى القوات اليمنية الشرعية لتكثيف جهودهم لإخماد نار الحرب المشتعلة في شبوة حتى لا تمتد إلى المحافظات أخرى، وشددوا على ضرورة تماسك جميع أعضاء المجلس الرئاسي لمواجهة كل من يحاول تأجيج الأوضاع في المحافظات اليمنية المحررة وبث الفرقة بين قيادات المجلس، وهو الموقف ذاته الذي تبناه الاتحاد الأوروبي في بيان له رفض خلاله أحداث العنف في شبوة، داعماً جهود “العليمي” لتهدئة الأوضاع باليمن.

شرعنة الإصلاحات

2- حشد الدعم الخليجي لمسار الإصلاحات الهيكلية اليمنية: يسعى الرئيس اليمني إلى حشد الدعم الخليجي لسلسلة الإصلاحات الهيكلية التي يقوم بها في البلاد لاستعادة الدولة وإنهاء مرحلة الفتور التي شابت عمليات التنسيق المشترك بين السلطة الشرعية اليمنية ودول التحالف العربي إبان سيطرة الحزب الإخواني على عملية صنع القرار في عهد “عبدربه منصور هادي”، ودحض أكاذيب وسائل الإعلام الموالية للإخوان التي تزعم أن التعديلات التي تشهدها أجهزة السلطة والتي أطاحت بعدد من المسؤولين الموالين للإخوان، غير شرعية وغير دستورية ولا تحظى بأي دعم خارجي، وأن قيام “العليمي” بزيارة عمل غير رسمية إلى الإمارات والسعودية تأتي بسبب وجود انقسامات داخل المجلس المكون من ثمانية أعضاء، إذ يعي الرئيس اليمني جيداً أن مساندة دول الخليج، وخاصة السعودية والإمارات للمجلس، سيسهم في تحقيق تقدم ملموس بالأوضاع الاقتصادية والسياسية والتنموية في اليمن.

طمأنة الحلفاء

3- استعداد عسكري يمني لمواجهة التهديدات الإخوانية تجاه الخليج: تهدف هذه الجولة إلى التأكيد على أن الأوضاع في المناطق الجنوبية المحررة لا تدعو إلى القلق، وأن القوات اليمنية ستتصدى بحزم للتهديدات المبطنة التي أطلقها الحزب الإخواني في البيان الذي أصدره عقب طرد عناصره من شبوة (12 أغسطس 2022)، والذي ألمح فيه إلى استهداف دول مجلس التعاون الخليجي وفي مقدمتهم السعودية والإمارات في حال لم يتم تلبية مطالبهم بعودتهم مجدداً للمشاركة في السلطة اليمنية، بجانب تهديد وزير الداخلية الإخواني السابق “أحمد الميسري” عقب بيان الإصلاح لأبوظبي والرياض بما سيحدث لهم بعد أحداث عتق، وهو ما دفع “العليمي” للرد بحزم على هذه التهديدات في تصريحات له (13 أغسطس 2022) قائلاً: “لن نسمح لأي فيصل باستهداف دول تحالف دعم الشرعية بقيادة السعودية والإمارات”، إضافة إلى إيصال رسالة إلى عدد من الدول الغربية، خاصة واشنطن ولندن وباريس، بأن “أحداث عتق الأخيرة” لن تؤثر على مصالحهم بشأن عملية تدفق النفط والغاز من محافظتي شبوة ومأرب إلى بحر العرب.

تأمين الملاحة

4- مواجهة تحركات إيران والحوثي في البحر الأحمر: تأتي هذه الجولة لتكثيف العمل المشترك من أجل حماية أمن الملاحة في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، ووضع حد لاستمرار الأنشطة العدائية التي تقوم بها إيران ومليشياتها الإرهابية عبر البحر الأحمر والتي تهدد الأمن والاستقرار الإقليميين والدوليين، وتعرض ناقلات النفط الخليجية لهجمات في مياه البحر الأحمر، خاصة أنه في 12 أغسطس 2022 أعلنت القوات المشتركة اليمنية عن نجاح عناصرها في القبض على خلية تجسس مرتبطة بالحوثيين ومهمتها الرئيسية تهريب أسلحة من ميناء بندر عباس الإيراني عبر البحر الأحمر إلى السواحل الغربية اليمنية، فضلاً عن أنه قبل ذلك بأيام قليلة كانت طهران أعلنت في 10 أغسطس 2022 عن تعرض سفينة حربية لها في البحر الأحمر لهجوم مجهول، وهو ما يعني أن “العليمي” سيواصل جهوده حتى يتمكن من تطهير الموانئ اليمنية ومنطقة البحر الأحمر من إيران ومليشياتها الانقلابية، وهذا بتكثيف التعاون مع دول الخليج التي لطالما وجهت تحذيرات عدة إلى طهران بالتوقف عن أنشطتها المزعزعة للأمن والاستقرار في البحر الأحمر.

دعم اقتصادي

5- استعجال وسائل الدعم الخليجي للاقتصاد اليمني: يعول “العليمي” على دور الدعم الخليجي المعلن في النهوض بالأوضاع الاقتصادية المتردية التي تشهدها البلاد، وتحسين أوضاع المواطنين المعيشية، وهو ما سيسهم في حصول المجلس الرئاسي على المزيد من ثقة ودعم الشعب اليمني ومساندته في المرحلة الانتقالية التي تشهدها البلاد، ولهذا تأتي هذه الجولة لاستعجال الوديعة الإماراتية السعودية للبنك المركزي اليمني، خاصة بعد تلبية اليمن لشروط الحصول على هذه الوديعة، وهو ما أكده الرئيس اليمني في 13 أغسطس 2022، قائلاً: “لدى قيادة المملكة والإمارات إجراءات شفافة بخصوص الوديعة السعودية الإماراتية، وطلبوا تلبيتها وقمنا بذلك”، وهذه الوديعة تم الإعلان عنها عقب تشكيل المجلس الرئاسي في أبريل 2022، وتقدر بنحو ثلاثة مليارات دولار مناصفة بين الدولتين لدعم الأوضاع الاقتصادية والمشاريع التنموية في اليمن تلبية لـ”خطة الاستجابة الإنسانية” لعام 2022 التي أعلنت عنها منظمة الأمم المتحدة. وفي إطار استكمال إجراءات الوديعة توجه “أحمد غالب”، محافظ البنك المركزي اليمني، في 10 أغسطس 2022، إلى السعودية للتوقيع النهائي على هذه الوديعة التي من المفترض أن تصل إلى البنك اليمني خلال الأيام القليلة القادمة.

إحلال السلام

6- تلبية مطالب واشنطن لإنهاء النزاع اليمني: تأتي جولة “العليمي” في إطار مساعي المجلس الرئاسي لتلبية دعوة الرئيس الأمريكي “جو بايدن” أثناء قمة جدة في منتصف يوليو 2022، والتي ناشد فيها “بايدن” جميع الأطراف اليمنية بالعمل مع القوى المعنية بالأزمة على تمهيد الطريق لوقف دائم لإطلاق النار في الأراضي اليمنية، والتوصل لحل شامل ينهي الصراع الدائر بالبلاد منذ أكثر من سبع سنوات، ولذلك تزامنت زيارة الرئيس اليمني مع جولة خليجية قام بها المبعوث الأمريكي لليمن “تيم ليندركينغ” في الفترة من (13-17 أغسطس 2022)، وشملت السعودية، والإمارات، وسلطنة عُمان، كما سافر أعضاء فريقه إلى الأردن لاستكمال الجهود الأمريكية لتمديد الهدنة الأممية لمدة 6 أشهر إضافية بين المجلس الرئاسي والحوثيين والتي ستنتهي في 2 أكتوبر المقبل. ووفقاً لعدد من المراقبين المحليين فإن “العليمي” اجتمع بالمبعوث الأمريكي في أبوظبي وناقش الاتفاق على تمديد الهدنة للمرة الثالثة لتعزيز السلام باليمن، والتأكيد على أن واشنطن ستواصل دعم الشعب اليمني لمواجهة جميع أزماته.

خلاصة القول، إن الهدف من الجولات الخارجية لرئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني “رشاد العليمي”، سواء للدول العربية عامة أو دول الخليج بشكل خاص؛ هو إرباك التنظيمات الإرهابية في البلد (مليشيا الحوثي، تنظيم القاعدة، جماعة الإخوان)، وتوجيه رسالة رئيسية لهم، مفادها أن اليمن لا يزال يحظى بدعم عربي بل ودولي على الصعد كافة، سيسهم قريباً في استعادة الدولة اليمنية من قبضة قوى الشر وإحلال السلام والاستقرار، ومواجهة أي قوى خارجية تريد السيطرة على مقدرات وثروات الشعب اليمني، والتأكيد على أن اليمن جزء لا يتجزأ من محيطه العربي، وأن المجلس الرئاسي ماضٍ في الإصلاحات الهيكلية لجميع مؤسسات الدولة.