حرب الهيمنة العالميّة تربط بين النّزاعات بأوروبا وآسيا وترخي بظلالها على الشّرق الأوسط – الحائط العربي
حرب الهيمنة العالميّة تربط بين النّزاعات بأوروبا وآسيا وترخي بظلالها على الشّرق الأوسط

حرب الهيمنة العالميّة تربط بين النّزاعات بأوروبا وآسيا وترخي بظلالها على الشّرق الأوسط



يشهد العالم اليوم ما يُعرف في حقل العلاقات الدولية بـ”حرب هيمنة” تحاول فيها القوة العظمى المهيمنة عالمياً، أي الولايات المتحدة الأميركية، الحفاظ على مكتسباتها ومكانتها الدولية ومنع صعود قوة عظمى أخرى، أي الصين، تشاركها الهيمنة على العالم. ولفهم العلاقة بين آسيا وأوروبا ومناطق أخرى تشهد أزمات حول العالم، يجب تحديد مفهوم “حرب الهيمنة” وتعريف القوة المهيمنة كما هي الحال عليه اليوم.

“حرب الهيمنة” هو مصطلح استخدم لأول مرة في القرن الخامس قبل الميلاد من قبل المؤرخ والجنرال اليوناني توسيدايدس، الذي قال إن هناك نوعاً من النزاعات العسكرية التي تهدف من ورائها القوى العظمى لفرض هيمنتها إما على منطقة أو العالم. وأضاف أنه كلما شعرت أي من الدول بضعف الدولة المهيمنة فهي ستقوم بتحديها لأخذ مكانها، ما يؤدي إلى حالة من اللا استقرار والحروب. ولقد بنى العديد من الباحثين والمنظرين في الواقعية السياسية على نظرية حرب الهيمنة، واستخلص بعضهم بأن العالم بحاجة لوجود قوة عظمى مهيمنة تلعب دور الشرطي، بحيث تمنع القوى المتوسطة أو الكبرى من تهديد الصغرى، وعندما تضعف هذه القوة العظمى تدب الفوضى في العالم بسبب تنافس القوى الكبرى على من سيكون القوة المهيمنة الجديدة، وهذا ما يُسمى بحرب الهيمنة.

أما كيف تحافظ أميركا على مكانتها كقوة عظمى مهيمنة عالمياً، فهذا يعود للعوامل الآتية:
• تملك أميركا تفوقاً عسكرياً وتكنولوجياً كبيرين، يجعلانها حتى هذه اللحظة الدولة الأقوى عسكرياً والأكثر تقدماً تكنولوجياً. فهي ما زالت صاحبة أكبر ميزانية دفاع في العالم، وتملك أكبر انتشار عسكري حول العالم مقارنة بالقوى الأخرى. فهي الوحيدة التي تملك إحدى عشرة حاملة طائرات منتشرة حول العالم في مجموعات قتالية جاهزة للتدخل. كما أن المستوى التكنولوجي لأسلحتها لا يزال الأفضل كما يتجلى على ساحة المعركة في أوكرانيا. فمجرد وصول بعض ما في ترسانة أميركا العسكرية إلى القوات الأوكرانية، تغيّرت موازين القوى وباتت اللعبة مختلفة لروسيا. كما أنها تملك ترسانة نووية ضخمة وبرامج متقدمة لتسلح الفضاء.

• تملك أميركا اقتصاداً قوياً استطاع حتى الآن الصمود أمام الأزمات والانهيارات المالية خلال السنوات الماضية. ولا يزال الدولار العملة المهيمنة، ولا تزال أسواق المال الأميركية الأكبر عالمياً، بالرغم من كل ما يقال ويحدث.

• يستمر عدد سكان أميركا في النمو في بيئة ترتفع فيها مستويات التعليم والتقدم العلمي والمهني، ما يجعلها قادرة على تلبية متطلبات التطور الصناعي والتقدم الاقتصادي والتكنولوجي.

• تملك أميركا مجموعة كبيرة من التحالفات ذات الطابع العسكري حول العالم، ما يسهل لها نشر قواعدها وقواتها في الخارج وتأمين دعم سياسي واقتصادي وعسكري عند الحاجة. ففي أوروبا تقود أميركا حلف الناتو، وفي آسيا تملك تحالفاً مع قوى أساسية مثل اليابان وكوريا الجنوبية، وتعمل على إضافة الهند وقوى أخرى إليه. كما يمكن ضم أستراليا للتحالف الأميركي في آسيا.

كما تملك أميركا تحالفات في الشرق الأوسط مع دول أساسية مثل إسرائيل، بالإضافة إلى أفريقيا وأميركا الجنوبية. هذه التحالفات، خاصة مع الدول التي تملك أنظمة ديموقراطية – ليبرالية، توفر امتداداً ليد أميركا الطولى وتجلعها قادرة على التأثير على مجريات الأمور وفرض هيمنتها حتى دون الحاجة إلى إرسال جنودها. فبمساعدة حلفائها، تستطيع فرض عقوبات اقتصادية حتى خارج إطار الأمم المتحدة. كما تستطيع ممارسة ضغوط سياسية وعسكرية وفرض أجندتها في معظم المنظمات والمحافل الدولية. فهذه التحالفات هي الأذرع التي تمكّنها من أن تكون مهيمنة على العالم.

وبناءً عليه، فإن ما يجري اليوم في أوكرانيا مرتبط إلى حد كبير بما يجري في تايوان. ولقد تضمنت قرارات حلف الناتو في مؤتمراته الأخيرة إشارة واضحة للخطر الأمني الذي تمثله سياسات الصين في آسيا. وبما أن آسيا تضم حلفاء استراتيجيين لأميركا، فإن أي تهديد لهم يؤثر على القوى الأوروبية الحليفة لأميركا، والعكس صحيح. ويشكل التقارب الصيني – الروسي مؤشراً على تنسيق بينهما لتحدي الهيمنة الأميركية. وبما أن أي تحد لأميركا سيشكل تهديداً لحلفائها الذين يستفيدون من مكانة أميركا ويشاطرونها مبادئ الليبرالية الديموقراطية وثقافتها، فإن أوروبا معنية بما يجري في تايوان، كما أن اليابان وكوريا الجنوبية وغيرهما من حلفاء أميركا في آسيا معنيين بما يجري في أوكرانيا. فهي حرب هيمنة بامتياز يشهدها العالم، ولا تزال في أولها، ولا يبدو أن هناك أي جهة تحاول التوسط لتهدئتها.

لا يمكن تحييد الشرق الأوسط عن تداعيات حرب الهيمنة المستعرة، خاصة أن إيران تتحرك بشكل يوحي بأنها تريد ربط نفسها بمحور الصين – روسيا أمام أميركا وحلفائها. هذا إذا ما تم فسيعقّد الأمور في مسار إعادة إحياء الاتفاق النووي. حتى ولو أعلن عن الوصول إلى اتفاق، فإن طبيعة الصراع الدولي الحالي ستؤثر على أي خطوات باتجاه طرف يتصرف كحليف للصين وروسيا. قد تشكل الحاجة للنفط والغاز الإيراني عاملاً مساعداً للوصول إلى اتفاق، إلا أن استمرار برنامجها النووي مع الصاروخي وانتشار ميليشياتها في المنطقة سيبقي عوامل التفجير قائمة، وسيسرّع دخول طهران بتحالف مع بكين موسكو.

أما بالنسبة للدول العربية، فإنها ستشعر بشكل متزايد بالضغوط من كل من أميركا والصين لاختيار جهة. فالمنطقة الرمادية ستضيق كثيراً، وقد يأتي وقت تجد بعض الدول نفسها مضطرة لأخذ موقف واضح وغير حيادي. فكلما كانت الدولة غنية وتملك موارد تغنيها عن الحاجة لمساعدات اقتصادية أو حماية عسكرية، فهي ستستطيع ممارسة الحياد وتجنب الاصطفاف مع أي طرف. ومن هنا أهمية تنويع مصادر الدخل لتقوية الاقتصاد وتعزيز القدرات العسكرية الذاتية عبر توطين الصناعات الدفاعية ليكون لها قدرات ردع ذاتية. فامتلاك عناصر القوة الناعمة (دبلوماسية وإعلامية) مع القوة الصلبة (عسكرية واقتصادية) سيمنح الدولة قدرة أكبر على الاستقلالية في قراراتها وتجنب النزاعات. وهذا ما يجب أن تسعى إليه الدول العربية. فلا مصلحة لها أن تجد نفسها في صراع بين قوى نووية قد يصعب السيطرة عليها مستقبلاً. لكن نشوء تحالف استراتيجي واضح بين إيران والصين وروسيا، قد يغير المعادلة بالنسبة لبعض الدول العربية ويجعلها أقرب للتحالف مع أميركا.

نقلا عن النهار العربي