يبدو أن ثمة تحولاً نوعياً في مواقف الاتحاد التونسي للشغل بشأن الاقتراب من سياسات الرئيس قيس سعيّد، حيث أبدى رئيس الاتحاد نور الدين الطبوبي في تصريحات متلفزة، في 8 أغسطس الجاري، تأييداً للنظام السياسي “الرئاسي”، الذي أقره الدستور الجديد، وأضاف أن “النظام السياسي يجب أن يتغير باتجاه نظام رئاسي”.
ويتوقع أن يكون لهذا التحول انعكاسات على الأرض، خاصة أن الاتحاد التونسي للشغل رفض في وقت سابق المشاركة في الحوار الوطني الذي دعا إليه الرئيس سعيّد، كما ترك حرية الاختيار لقواعده بشأن المشاركة في الاستفتاء على التعديلات الدستورية التي أجريت في 25 يوليو الفائت. وكان عدد من الشخصيات والأحزاب السياسية المعارضة في الداخل التونسي قد سعت إلى توظيف مواقف الاتحاد بغرض تعزيز سياسة الضغط على الرئيس سعيّد.
توقيت لافت
تزامن التحول اللافت في موقف الاتحاد التونسي للشغل باتجاه دعم التحول لجهة النظام الرئاسي في البلاد، مع تصاعد الانتقادات الأمريكية للدستور التونسي الجديد، وظهر ذلك في إدانة الاتحاد التونسي للشغل، في أول أغسطس الجاري، التصريحات الأمريكية بشأن الاستفتاء على الدستور التونسي، حيث انتقد ما أسماها “تصريحات المسئولين الأجانب عن الوضع” في البلاد و”التدخل في الشئون الداخلية”. كما شن الاتحاد في وقت سابق حملة ضد المعارضة التونسية التي قال أنها تراهن على الدور الأمريكي للتدخل في الشأن الداخلي. ويشار في هذا الصدد إلى أن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن قد انتقد، في 28 يوليو الفائت، عملية الاستفتاء على الدستور التونسي، وقال في تصريحات له: “اتسم الاستفتاء بتدني نسبة الإقبال على التصويت”، وأضاف: “إن الدستور الجديد يمكن أن يُضعف الديمقراطية في تونس، ويقوض احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية”. وفي سياق تصعيد الانتقادات الأمريكية لإجراءات الرئيس سعيّد، والدستور التونسي الجديد، قال وزير الدفاع الأمريكي لويد اوستن، في 9 أغسطس الجاري، إن “حلم تونس بحكومة مستقلة أصبح في خطر”.
في المقابل، جاء تأييد الاتحاد التونسي للشغل لتحول البلاد لجهة النظام الرئاسي متزامناً مع تحولات مواقف قوى المعارضة تجاه التعامل مع سلطة الحكم، وظهر ذلك في تراجع الخطاب الحاد لتلك القوى، وخاصة “جبهة الخلاص الوطني” و”حركة النهضة” تجاه الرئيس سعيّد، فضلاً عن تخليها عن فكرة التظاهرات في الشارع، كما خفَّضت من سقف تصريحاتها الاستفزازية ضد الرئيس، خاصة بعد تمرير الدستور بنسبة وصلت إلى نحو 94%.
بالتوازي مع ما سبق، توافق التحول في موقف الاتحاد التونسي للشغل مع الدعم الذي قدمته بعض القوى الدولية والإقليمية للتعديلات الدستورية التي شهدتها البلاد، على نحو انعكس في تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في 9 أغسطس الجاري، التي وصف فيها الاستفتاء بأنه “مرحلة مهمة”، وهو ما يؤشر إلى دعم فرنسي واضح لمسار الانتقال السياسي الجديد في تونس، واعتراف رسمي بوقوف باريس إلى جانب الرئيس سعيّد، بشكل قد يقطع الطريق على رهان الخصوم بشأن “الاستقواء بالخارج”.
اعتبارات رئيسية
يمكن القول إن ثمة العديد من الاعتبارات التي دفعت الاتحاد التونسي للشغل إلى التماهي مع خطاب الرئيس سعيّد، ودعم عملية تحول البلاد لجهة النظام الرئاسي، وهو ما يمكن تناوله على النحو التالي:
1- قطع الطريق على خصوم الرئيس: جاء دعم الاتحاد التونسي للشغل لتحول البلاد إلى جهة النظام الرئاسي لقطع الطريق على المعارضة السياسية في الداخل التونسي لتوظيف الاتحاد في الصراع بين قوى “الممانعة” ومؤسسة الرئاسة، وظهر ذلك في التصريحات التي أطلقها الأمين العام للاتحاد التونسي للشغل نور الدين الطبوبي، في 8 أغسطس الجاري، حيث أعلن رفضه القاطع لتحول الاتحاد إلى نقطة انطلاق للمعارضة لممارسة ضغوط على الرئيس، كما نفى ما روجت له المعارضة بشأن دعوة الاتحاد إلى انتخابات رئاسية مبكرة، فضلاً عن تأكيده أنّ عدم مشاركته في الاستفتاء جاءت في إطار النأي باتحاد الشغل عن التجاذبات السياسية وغيرها.
2- تمرير الاستفتاء بنسبة كبيرة: يعي الاتحاد التونسي للشغل أن تمرير الاستفتاء على التعديلات الدستورية بنسبة 94%، وإقرار الدستور الجديد، قد أعطى مشروعية إضافية للرئيس سعيّد في الشارع التونسي، وفي أوساط الكيانات النقابية، وهو الأمر الذي ربما دفع الاتحاد إلى إعادة صياغة خياراته، والاقتراب نحو النظام السياسي، وذلك للحفاظ على قواعده النقابية، وحضوره في الشارع التونسي كجبهة داعمة للاستقرار وخيارات الأغلبية التونسية. كما أن الاتحاد بات يدرك أن المشهد التونسي بعد الاستفتاء لم يعد كما كان، وأن تأثير تحالفات المعارضة الراهنة تراجع في ظل التأييد الشعبي الواسع للاستفتاء على الدستور، فضلاً عن أن الاتحاد ربما أدرك أن التحولات المحتملة في البلاد بعد التوجه ناحية النظام الرئاسي قد تؤدي إلى تغيير موازين القوى السياسية لمصلحة الرئيس سعيّد.
3- تثبيت التعديلات الدستورية قانونياً: تحصن الاستفتاء على التعديلات الدستورية التي حولت البلاد لجهة النظام الرئاسي قانونياً، بعد فشل دعوات حركة “النهضة” للتحقيق في شبهات تزوير الاستفتاء، فضلاً عن إعلان المحكمة الإدارية، في 8 أغسطس الجاري، رفض الطعن المقدم من حزب “آفاق تونس” في نتائج استفتاء 25 يوليو الماضي. ويُشار إلى أن القضاء التونسي رفض في وقت سابق طعنين آخرين قدمتهما منظمة “أنا يقظ”، وحزب “الشعب يريد”. وهنا، فإن الاتحاد التونسي للشغل ربما بات على قناعة بعدم جدوى الدخول في خصومة سياسية أو صدام مع الرئيس سعيّد، بعدما بات محصناً شعبياً وقانونياً.
4- استثمار الاستياء من المعارضة: تصاعدت حدة التوتر بين بعض القوى السياسية التونسية، وخاصة “حركة النهضة” و”جبهة الخلاص الوطني” من جهة، ومؤسسة الرئاسة من جهة أخرى، كما أبدى جانب من التونسيين استياءً متصاعداً تجاه بعض قوى المعارضة، خاصة فيما يتعلق باستمرار دعواتها للتظاهر، والطعن في نتائج الاستفتاء على التعديلات الدستورية، ورفضها دعوات الحوار الوطني التي أطلقها الرئيس سعيّد في وقت سابق لتجاوز الأزمة السياسية.
وفي هذا السياق، ربما سعى الاتحاد التونسي للشغل من خلال إعلانه دعم التعديلات الدستورية، واقترابه من خيارات الرئيس سعيّد، إلى توظيف حالة السخط الشعبي والرسمي على قوى المعارضة لتعزيز نفوذه في الشارع التونسي، واستعادة مركزيته لدى نظام الحكم.
تفاهمات جديدة
ختاماً، يمكن القول إن تصريحاتالطبطوبي، في 8 أغسطس الجاري، وتأكيده على أن الاتحاد لا يرى أي مشاكل في شخص الرئيس سعيّد، وكذلك إشارته إلى حاجة البلاد للتحول للنظام الرئاسي؛ تبدو كاشفة عن رغبة الاتحاد في بناء تفاهمات جديدة مع الرئيس بشأن مستقبل العملية السياسية في البلاد، وهو ما يحمل في طياته رسائل للسلطة مفادها الحرص على استقطاب دعم مؤسسة الرئاسة، وتوفير بيئة خصبة تكفل للاتحاد دوراً مركزياً في المشهد السياسي التونسي القادم.