اضطُر الرئيس بايدن إلى أن ينشر مقالاً بعنوان «لماذا أزور السعودية؟»، يشرح وربما «يبرر» أسباب زيارته المملكة خلال الأيام المقبلة! بلا شك أن الزيارة المرتقبة للرئيس الأميركي جو بايدن إلى المنطقة منتصف الشهر الحالي واجتماعه في المملكة العربية السعودية بقادة وزعماء المنطقة، تعتبر مهمة بسبب الظرف الراهن للعالم وللشرق الأوسط، خصوصاً أن الرئيس بايدن بدأ عهده بجفوة مع أهم دولتين في المنطقة هما المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية، فقد اختار البيت الأبيض أن يكون خلال الـ500 يوم الماضية بعيداً عن المنطقة ومتجاهلاً قادتها وقضاياها، لذا فإن اجتماع يوليو (تموز) فرصة لترتيب الأوراق وتحديد الأولويات.
هذه الزيارة تكشف، بل تؤكد تغيير ميزان القوى لمصلحة الرياض بعد الصراع الروسي في أوكرانيا على حدود أوروبا، كما تؤكد مكانة السعودية كدولة مؤثرة في النظام العالمي يفترض أن تحظى بتعامل يتناسب ومكانتها.
من المفترض أن يبحث اجتماع جدة القضايا الرئيسية مثل مكافحة الإرهاب وسلوك إيران التخريبي في المنطقة، بالإضافة إلى ملف الاقتصاد العالمي والطاقة وتنظيم سوق النفط… والحقيقة أن السعودية ومعها الإمارات كانتا شريكين حقيقيين للولايات المتحدة في مواجهة عبث النظام الإيراني وفي مكافحة الإرهاب، فضلاً على تعاونهما الدائم فيما يتعلق بالاقتصاد العالمي وقضايا الطاقة، ولن تتراجعا عن دورهما الذي هما مقتنعتان به، إلا أن هاتين الدولتين إلى جانب باقي دول المنطقة يهمها أيضاً أن ترى الالتزام الأميركي بالأمن الإقليمي وتعاونها مع الدول، لإنهاء الملفات العالقة والصراع الدائر في العديد من دول المنطقة.
قبل 5 أعوام وتحديداً مايو (أيار) 2017 جاء الرئيس السابق دونالد ترمب إلى المنطقة للمشاركة في «القمة العربية الإسلامية الأميركية» التي شارك فيها زعماء وقادة دول عربية وإسلامية، توقع الجميع أن تكون القمة بداية لمرحلة جديدة من الشراكة والتعاون، إلا أن الرئيس ترمب ظهر بعد القمة بتصريحات لم تكن موفقة، وكان كل هدفه أن يظهر أمام الناخب الأميركي في صورة الرئيس المنتصر الذي أخذ من العرب كل ما يريد، وعاد إلى واشنطن من دون أن يعطيهم أي شيء!
الرئيس بايدن يأتي بعد تلك القمة وبعد تجاهل استمر لأكثر من 18 شهراً، سبقتها مواقف متشددة من دول المنطقة خلال حملته الانتخابية وبعد وصوله للبيت الأبيض، كما يجتمع بايدن بقادة المنطقة في وقت صعب على الولايات المتحدة والعالم، ويأتي في ظل حرب لا أحد يعرف نهايتها، وفي وقت يعاني فيه من صعوبات اقتصادية داخلية في الولايات المتحدة فضلاً على تراجع شعبية بايدن كرئيس، فقد وصل إلى أقل مستوى من الشعبية في عصر استطلاعات الرأي.
كما أن الزيارة والاجتماع المرتقبين يأتيان في وقت تتغير فيه موازين القوى العالمية، ولم تعد الولايات المتحدة في موقعها القوي الذي استمرت فيه خلال العقود الثلاثة الماضية خصوصاً في الشرق الأوسط، حيث تراجع دورها وتأثيرها كثيراً، فالمعادلة العالمية تغيرت وحرب روسيا وأوكرانيا فرضت واقعاً جديداً في العالم، بالإضافة إلى المزاج الصيني والهندي الذي أصبح يسير في اتجاه اعتماد سياسات ومواقف جديدة.
وتأتي هذه الزيارة والجميع يذكر اتهامات جو بايدن للسعودية أثناء الانتخابات الرئاسية، في حرب اليمن، كما يذكر الجميع موقفه من دول التحالف في الحرب نفسها، ثم قراره إزالة الحوثي من قائمة الإرهاب، والتغير الأخير في موقف الرئيس بايدن مع الإعلان عن القيام بزيارة إلى السعودية، وإشادته بـ«القيادة الشجاعة» للرياض في الصراع اليمني، وإن كان يبدو تغيراً إيجابياً إلا أنه جاء متأخراً جداً، وهذا التأخير كلف المنطقة الكثير.
قد يكون ارتفاع أسعار النفط ذكر بايدن بحلفائه القدامى، وقد تكون المشكلات الاقتصادية في الولايات المتحدة عجلت بقراره في استئناف الحديث مع الرياض… لكن هذه الزيارة وإن كان مرحباً بها في المنطقة ويعقد عليها البعض آمالاً كبيرة، إلا أنها تواجه بعض الصعوبات، ويكمن أحد جوانب صعوبة مهمة بايدن في أنه مطالب بأن يثبت بوضوح أن الولايات المتحدة تقدر الصداقة مع حليف استراتيجي قديم، وأنها ستبذل المزيد لمعالجة مخاوفه الأمنية، وتراعي مصالحه السياسية والاقتصادية، بالإضافة إلى ذلك، على الولايات المتحدة أن تدرك أن مصر والسعودية لا يريدان أن تستمر الضغوط الأميركية كما كانت في السنوات الماضية، والتي حملت كثيراً من التوتر بين الولايات المتحدة والعديد من دول المنطقة.
تبدو مهمة الرئيس بايدن المقبلة في المنطقة صعبة، – مقالته في «واشنطن بوست» تؤكد ذلك أيضاً – وذلك على غير العادة، فقد كانت دائماً زيارة رؤساء أميركا للمنطقة سهلة، تسبقها تفاهمات واتفاقات فتنتهي بشكل يرضي جميع الأطراف، لكن هذه المرة يبدو الأمر مختلفاً، فتراكمات السنوات الماضية والخبرة التي أصبحت لدى الدول، وخصوصاً بعد زيارة آخر رئيسين أميركيين (أوباما وترمب) سيجعلان دول المنطقة حذرة في هذا الاجتماع ولن تكرر أخطاء الماضي، فبعد سنوات من التجاوب والتعاون مع الولايات المتحدة رأت دول المنطقة كيف قابلتها واشنطن بمواقف لا تعبر عن مواقف حليف حقيقي يهمه مصلحة حلفائه.
وآخر تلك المواقف عندما قتل وأصيب العشرات من المدنيين الأبرياء بسبب هجوم الميليشيات الحوثية على أهداف مدنية وحيوية في السعودية وفي الإمارات بالصواريخ والدرونز، لم تتخذ الإدارة الأميركية الموقف المنتظر منها كحليف موثوق به! لذا ستكون الكرة في ملعب الرئيس بايدن وطريقة تفاعله وتجاوبه مع متطلبات دول المنطقة، فهل يستطيع أن يتعامل مع هذه الدول كشركاء وحلفاء ويحترم مصالحها كما يطالب بتحقيق مصالحه؟!
تنتظر دول وشعوب المنطقة مع انعقاد هذه القمة أن تغير الولايات المتحدة نظرتها لدول المنطقة، وأن تتعامل معها كدول حليفة وصديقة مهما كانت صغيرة في الحجم والمساحة، فالدول لم تعد تقاس بمساحتها الجغرافية، وإنما بتأثيرها وحضورها السياسي والاقتصادي القوي، والدول الصغيرة لم تعد تلك الدول التي تنفذ «الأوامر»، بل تريد أن تضمن مصالحها كما تخدم مصالح الولايات المتحدة، فبغير ذلك لا يستوي الميزان ولا يمكن أن تستمر الشراكات والعلاقات، فجميع دول المنطقة تتوقع من الولايات المتحدة أن تبادلها التعاون بتعاون مشابه، فما رأته دول المنطقة خلال العقد الماضي من مواقف غير إيجابية من الإدارات الأميركية مع تطورات المنطقة ومصالح دولها، في تجاهل غير مسبوق لمصالح الدول، بل الانقلاب على الثوابت التاريخية للعلاقات بين أميركا ودول المنطقة، سيجعل هذه الدول تفكر مرتين قبل الإقدام على أي خطوة.
نقلا عن الشرق الأوسط