لاشك ان هناك خصوصية لمسار العلاقات المصرية – السعودية، حيث إن البلدين يمثلان وسادة الامان وركائز القوة والمنعة لخصوصية الأمن القومى العربى، ناهيك عن امتلاكهما من القوة والحضور وجاذبية التوهج السياسى، مايجعلهما مع بعض الاشقاء فى الخليج وفى القلب منهم دولة الامارات العربية حاضنة لثلاث قوى رئيسة فى الاقليم، وعنوانا جوهريا لاعمدة الامن والاستقرار العربي, ومن هنا يتبين يوما بعد يوم تلك الخصوصية المتفردة للعلاقات بين القاهرة والرياض، واللذين يوصفان دوما بانهما جناحا الامة عن حق، سواء من حيث امتلاك مقومات القوة السياسية والاقتصادية والعسكرية الشاملة، او من خلال تشابك المصالح والسياسات التكاملية فى عديد المناحى والعلاقات الاستراتيجية الضاربة جذورها فى أوتاد التعاون والتماهى الشامل لمصلحة البلدين والشعبين من ناحية اخرى، ومن هنا اكتسبت العلاقات طيلة الخمسين عاما الماضية علاقات الشراكة الاستراتيجية بمعناها الاوسع والشامل، حيث الامكانات الهائلة تتكرس يوما بعد الآخر لولادة النموذج الاستثنائى فى معادلات النجاح ومقومات الانجاز، عبر رؤية وثابة لكلا البلدين انطلاقا من احداث النجاح المشترك وتطابق برامج التنمية الشاملة, والتراكم التنموى المعجزة بفعل رؤية ٢٠٣٠ واللتين انطلقتا فى توقيت واحد ومتقارب.
ومن هنا حظيت زيارة ولى العهد السعودى الأمير محمد بن سلمان امس واليوم لمصر، بتلك الحفاوة والتقدير الشامل، وخطفت الانظار والعقول فى الاقليم لما هو قادم من سياسات وآفاق لمصلحة علاقات التعاون، والقفزات الوثابة والمتلاحقة بين البلدين، وتأطير لصروح ومشروعات التعاون الاقتصادى والاستثمارى والتنموى القادمة، وماسيتم تسطيره ايضا من تلاق وتوحيد للرؤى وتنسيق للمواقف فى قادم الايام، استعدادا لتلك القمة السعودية العربية – الامريكية المرتقبة منتصف يوليو المقبل فى جدة، حيث هناك تحضير جدى للمواقف والرؤى والاستحقاقات العربية، وهذا ماكان جوهر الحديث والنقاش الموسع طيلة يوم امس وصباح اليوم بين الرئيس عبد الفتاح السيسى والامير محمد بن سلمان، ناهيك عن الاتفاق والاعداد الجيد والمدروس بعناية لجوهر لائحة مطالب عربية تشرعن لتأسيس علاقات جيدة ومتكافئة مع الولايات المتحدة الامريكية، خاصة ان تلك الادارة قد ارتكبت من زلات اللسان والفلتان، وعدم التحوط لتاريخ العلاقات العربية الامريكية، ناهيك عن الانكفاء الامريكى فى الشرق الاوسط بقرار الخروج من المنطقة, ماجعلها تواجه لاكثر من عام ونصف عام منذ وصول بايدن للبيت الابيض انكسارات الخلل والتباعد، وفى احيان ممتدة الفتور والكمون المتراجع، ومن هنا تأتى الاهمية القصوى لتلك الزيارة للامير محمد بن سلمان للقاهرة ومايتبعها من زيارة مماثلة للاردن فى الحال، وكل ذلك من اجل تنسيق المواقف واعادة ترتيب مطالب البيت العربى من هذه القمة مع الرئيس الامريكى، بهدف ايجاد مسطرة عربية موحدة لشكل ونسق وجوهر العلاقات العربية – الامريكية المقبلة. وبالتالى واضح اذن ان هناك حركة مستجدة فى الاقليم لضبط الايقاع وتقديم المقاربات تقودها مصر والسعودية بالتعاون مع دول الاعتدال العربى، اغلبها يتمحور حول منع خطر وشبح الانفجار المحتمل، بفعل انفلات ضرورات الامن الاقليمى الحيوى، الذى ربما تتجلى صوره وانتكاساته مع تراجع التوصل لتجديد الاتفاق النووى الايرانى الغربى، وتعطل التوصل لصيغة تفاهم تمنع كوارث الاخطار النووية وشبح الحروب التهددية بين تل أبيب وطهران، علاوة على التحديات والعواقب المأزومة التى خلقتها ابعاد وارتدادات الحرب الروسية – الاوكرانية، وما خلفته من مآس وتحديات فى قضيتى الطاقة والامن الغذائى العالمى والتضخم وانعكاساتهما على دول العالم والاقليم، حيث لاشك أن كبح آثار تلك التداعيات ستكون حاضرة بقوة فى القمة المصرية السعودية اليوم، اضافة لعديد القضايا الملحة والتشابكات الضاغطة التى تتجلى هذه الايام فى صورة السياسات الدفاعية الجديدة المطروحة فى الاقليم، والتى تسعى ادارة بايدن الى الترويج لها, ومدى ارتطامها بقضية الحقوق الثابتة للشعب الفلسطينى وفرص اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.
لامبالغة فى القول ان هناك تحديات متعاظمة وبالغة الوطاة تقترب من سقف التهديدات الوجودية فى الاقليم غالبيتها ناشئ بعد تداعيات الحرب الاوكرانية، حيث اوضاع الاقليم قبل تلك الحرب ليست كما بعدها، ناهيك عن متغيرات الامن الاقليمى وما يواجه من متاعب وفواتير نتاج تراجع التوصل للاتفاق النووى الغربى مع طهران، وهو الامر الذى استلزم واستوثق زيارة الامير محمد بن سلمان للقاهرة ولقاء الرئيس السيسى، حيث يتبدى واضحا ان البلدين بما لهما من حقائق القوة السياسية والاقتصادية والعسكرية مجتمعة, يرغبان من الآن وبشكل استباقى البدء فى خلق مصدات الحماية للامن القومى العربى، ومنع المنزلقات الايرانية او غيرها من العبث بأمن دول الاقليم، علاوة على تأسيس للعلاقات واحياء للشراكة العربية – الامريكية على قواعد واسس جديدة قوية، وارتباط اوثق بقضايا الاقليم بعيدا عن التخبط والارتجالية كما فعل السيد بايدن، وهذا يبدو ماستركز عليه الدول العربية فى قمة جدة الاخيرة، وهنا يثور التساؤل: هل هناك فرص للنجاح فى تلك المهمة السعودية – المصرية..؟ نعم هناك فرص جدية للنجاح والتمكين، ابرزها ان البلدين اصبحا من القوة والتأثير فى القرار الاقليمى والدولى، ناهيك عن حظوظ النجاح الاقتصادى والتنموى الحالى فى البلدين بفعل إرادة محمد بن سلمان الشابة الفتية، وإرادة السيسى الحديدية فى التنفيذ والبزوغ، ومن ضمانات هذا النجاح والوثوق ايضا تشابك المصالح والمصير المشترك لعلاقات استراتيجية وشراكة نجاحات مستدامة بين القاهرة والرياض توفران الحصانة والحاضنة الكاملة للمصالح العربية الحيوية والاستراتيجية الدائمة.
نقلا عن الأهرام