تشير تقارير إعلامية سورية محلية إلى إطلاق روسيا عملية عسكرية في منطقة البادية، يوم (20 مايو 2022)، بمشاركة القوات السورية، مع توفير غطاء جوي من الطائرات الروسية، لملاحقة عناصر تنظيم “داعش”، وذلك مع تصاعد عمليات التنظيم في تلك المنطقة بعد تراجع الضربات الجوية الروسية منذ بدء العملية العسكرية في أوكرانيا. وتأتي العملية العسكرية في البادية في ظل عدد من السياقات على الساحة السورية، منها توالي انسحاب القوات الروسية من بعض المواقع في أكثر من منطقة بسوريا، إضافة إلى إعادة تموضع المليشيات الإيرانية لملء فراغ الانسحاب الروسي، والدفع بتعزيزات في تلك المواقع، واستمرار الضربات الجوية الإسرائيلية لاستهداف المليشيات الإيرانية، فضلاً عن تسيير دوريات عسكرية في درعا.
ويمكن تحديد عدد من الدوافع للعملية العسكرية الروسية السورية لملاحقة “داعش”، أبرزها: استمرار محاولة تحجيم “داعش”، خاصة مع تنفيذ عملية باتجاه ريف دمشق بعدما كان التركيز على وسط سوريا باتجاه مناطق شمال شرق التي تخضع لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، والتأكيد على استمرار الانخراط للحفاظ على الترتيبات مع تركيا حيال الوضع في سوريا، خاصة مع استهداف تركيا الأكراد خلال الفترة الماضية، كما أن روسيا تهدف إلى موازنة وجود المليشيات الإيرانية في سوريا خلال الفترة المقبلة، وعدم إتاحة الانفراد بالمشهد الميداني، وهي في الوقت نفسه رسائل طمأنة لأطراف غربية إقليمية بعدم السماح للمليشيات الإيرانية بالسيطرة التامة، إضافة إلى أنها محاولة للرد على التقارير الغربية التي تشير إلى انشغال روسيا بالحرب في أوكرانيا وعدم الاهتمام بالأوضاع في سوريا.
كشفت تقارير إعلامية عن إطلاق القوات الروسية إضافة إلى القوات السورية، عملية عسكرية موسعة في (20 مايو 2022)، بمنطقة البادية، مدعومة بسلاح الجو الروسي، بهدف القيام بعمليات تمشيط لملاحقة عناصر تنظيم “داعش”، ومن المقرر أن تشمل العملية العسكرية مناطق ريف دير الزور، وريف محافظة حمص.
وتأتي العملية العسكرية في إطار جهود روسيا بالتنسيق مع القوات السورية، في مواجهة تنظيم “داعش” الذي تصاعدت عملياته في منطقة البادية، خلال الأشهر القليلة الماضية، وتحديداً منذ بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وما ترتب عليه من تراجع الضربات الجوية على تمركزات “داعش” في البادية، قبل أن تنخرط القوات الروسية مجدداً في توجيه ضربات جوية لاستهداف عناصر التنظيم.
سياقات مهمة
وبعيداً عن العملية العسكرية الموسعة لملاحقة عناصر تنظيم “داعش” في منطقة البادية، فإن ثمة عدداً من السياقات على الساحة السورية، بعضها يرتبط بتحركات متعددة للقوات الروسية، ويأتي أبرزها كالتالي:
1- توالي انسحاب القوات الروسية من بعض المواقع: تشير تقارير إعلامية سورية محلية، إلى انسحاب قوات روسية بشكل جزئي من منطقة تدمر خلال الأسبوع الماضي، وسط ترجيحات باتجاه هذه القوات إلى قاعدة حميميم بمحافظة اللاذقية. وسبق أن أشارت تقارير مطلع شهر مايو الجاري، إلى انسحاب كامل لنحو 23 آلية عسكرية وسيارة محملة بذخائر ومواد لوجيستية باتجاه مطار تدمر العسكري شرق حمص، في حين لم يصدر تأكيد أو نفي رسمي سواء من وزارة الدفاع الروسية، أو الجانب السوري.
2- إعادة تموضع المليشيات الإيرانية لملء الفراغ: يواكب الحديث عن انسحاب القوات الروسية من بعض المواقع منذ مطلع الشهر الجاري، الإشارة إلى إعادة تموضع مليشيات إيرانية وقوات سورية، لملء الفراغ الذي تركته القوات الروسية. واللافت أن ثمة اشتباكات بين المليشيات الإيرانية والفيلق الخامس المدعوم من روسيا عند أحد مداخل مدينة تدمر، قبل أن تهدأ الأوضاع. وبشكل عام، فإن تعزيز المليشيات الإيرانية من وجودها شرقي حمص ليس المرة الأولى منذ انطلاق العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا، وتحديداً شهر أبريل الماضي.
3- استمرار الضربات الجوية الإسرائيلية في سوريا: تستمر الضربات الجوية الإسرائيليةعلى الساحة السورية، لاستهداف المليشيات الموالية لإيران، ولكن ثمة مستجدات تتعلق بوجود توترات بين الطرفين، بعدما أشارت الصحافة الإسرائيلية إلى إطلاق منظومة الدفاع الجوية “S300” صواريخ لاعتراض الطائرات الإسرائيلية التي تنفذ عمليات قصف معتادة على أهداف إيرانية، الجمعة (13 مايو 2022)، وسبق هذا الاعتراض توترات بين الطرفين على خلفية العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، في حين نفى نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، صحة استهداف القوات الروسية في سوريا لمقاتلات إسرائيلية.
4- إطلاق روسيا دوريات عسكرية في درعا: تطرقت بعض التقارير المحلية إلى إطلاق روسيا دوريات تضم نحو 10 عربات عسكرية في منطقة ريف دعا، بمناطق حدودية مع الأردن خلال الأيام القليلة الماضية، وجاءت هذه التحركات مع المشاركة في العملية العسكرية بمنطقة البادية السورية.
دوافع محركة
وبالنظر إلى السياقات التي تشهدها الساحة السورية خلال الشهرين الماضيين، يمكن تحديد عدد من الدوافع الرئيسية لإطلاق روسيا العمليات العسكرية لملاحقة “داعش”، إضافة إلى بعض التحركات الأخرى، في ضوء تداعيات الحرب الأوكرانية، كالتالي:
1- استمرار محاولات تحجيم نفوذ تنظيم “داعش”: تسعى روسيا إلى مواصلة الجهود لتحجيم نشاط تنظيم “داعش” خلال الفترة الحالية، خاصة وأن الانخراط الروسي في العملية العسكرية بأوكرانيا ظهرت انعكاساته على الساحة السورية بتراجع الاهتمام لمواصلة تلك الجهود، ولا سيما مع تراجع عدد الضربات الجوية على تمركزات التنظيم خلال الشهر الأول للعملية العسكرية في أوكرانيا، إذ تصاعد معدل عمليات التنظيم خلال شهر مارس الماضي إلى “17” عملية مقارنة بـ”8″ عمليات في شهر فبراير، وفقاً لبيانات مشروع مكافحة التطرف ” counter extremism project”، ولكن اللافت إطلاق هذه العمليات الموسعة رغم تراجع العمليات المبلغ عنها في منطقة البادية السورية والمنسوبة لتنظيم “داعش” خلال شهر أبريل الماضي بمعدل “6” عمليات، ولكن يمكن تفسير ذلك في ضوء تنفيذ عملية في ريف دمشق الغربي وفقاً لبيان التنظيم (17 مايو 2022)، في حين أن هناك عمليات كانت تتركز في منطقة الوسط باتجاه شمال شرق سوريا.
2- مواصلة الانخراط للحفاظ على الترتيبات مع تركيا: تأتي العملية العسكرية لملاحقة “داعش” والتحركات الأخرى في درعا، للتأكيد على مواصلة الانخراط على الساحة السورية، في ظل المستجدات على الساحة، خاصة مع إطلاق تركيا عملية عسكرية باتجاه مناطق الأكراد شمال شرقي سوريا، في منطقتي عمليتي “نبع السلام” و”درع الفرات”، تزامناً مع عملية في العراق، خاصة وأن العلاقات بين البلدين شهدت توترات مع بداية العملية الروسية في أوكرانيا، وحاولت موسكو الضغط على أنقرة بالتفاهمات في سوريا لموازنة الضغوط بعد الأزمة الأوكرانية، إذ تواصل موسكو هذا النهج من خلال تصريحات نائب سفير روسيا لدى الأمم المتحدة، ديمتري بوليانسكي، برفض استمرار تسليم المساعدات الإنسانية من تركيا إلى شمال غرب سوريا الخاضع لسيطرة المعارضة.
3- تأمين الوجود في سوريا لموازنة الوجود الإيراني: على الرغم من الحديث عن انسحاب قوات روسية من المواقع وتمركزها في بعض المحافظات خلال الشهرين الماضين، إلا أن استمرار الانخراط العسكري هو محاولة لتأمين الوجود، في ظل أن المعادل الرئيسي لملء الفراغ الروسي بالمناطق التي تنسحب منها القوات هو المليشيات الموالية لإيران، وبالتالي فإن استمرار الانخراط في العمليات العسكرية بغض النظر عن شكل وطبيعة هذا الدور هو محاولة لموازنة الوجود الإيراني، بصورة قد تؤدي لتراجع الانخراط الروسي وتعاظم النفوذ الإيراني، وبالتالي انهيار التفاهمات والترتيبات الروسية.
4- توجيه رسائل طمأنة لأطراف عربية وإقليمية: ويمكن تفسير استمرار الانخراط الروسي في المهام العسكرية وإطلاق العملية العسكرية في البادية، وتسيير الدوريات في درعا، في إطار إرسال رسائل طمأنة لأطراف عربية إقليمية بأن روسيا مستمرة في ترتيباتها على الساحة السورية، وخفض حدة التخوفات من سيطرة المليشيات الإيرانية على الوضع هناك، خاصة وأن ملك الأردن الملك عبد الله، أطلق تحذيرات تتعلق بملء إيران الفراغ الذي ستتركه روسيا في الجنوب السوري، بالشكل الذي ينتج عنه مشكلات على الحدود مع بلاده، في ظل نشاط محاولات التهريب عبر الحدود بين البلدين.
5- تداخل الأبعاد السياسية بسبب الحرب الأوكرانية: ربما ترغب روسيا في الرد على التقارير الغربية التي تشير إلى انشغال روسيا بالعملية العسكرية في أوكرانيا والاتجاه إلى سحب قواتها من سوريا، في سياق حالة الصراع بين موسكو من ناحية، وواشنطن والعواصم الأوروبية من ناحية أخرى، وبالتالي جاء استمرار الانخراط العسكري، وتكثيف الضربات الجوية على تنظيم “داعش” خلال الشهرين الماضيين، التي وصلت إلى ما يزيد على 300 ضربة جوية على مواقع لـلتنظيم في البادية.
تحركات مقصودة
وأخيراً، ربما تشير التحركات العسكرية الروسية، سواء بإطلاق عملية لملاحقة عناصر تنظيم “داعش” أو بعض التحركات الأخرى مثل تسيير دوريات في درعا على الحدود مع الأردن، إلى محاولة تأكيد استمرار الانخراط على الساحة السورية، رغم ما تشير إليه تقارير إعلامية سورية محلية إلى انسحاب القوات الروسية من مواقع تمركزها في أكثر من منطقة.