العالم العربى وثلاثية الإصلاح – الحائط العربي
العالم العربى وثلاثية الإصلاح

العالم العربى وثلاثية الإصلاح



حتى الآن لم تهدأ العواصف ومازالت الحرب تدور بين روسيا وأوكرانيا‪،‬ ولا أحد يعرف هل تشتعل النيران فى بلاد أخرى وما هو مستقبل الأحداث والأوطان والمواقع.. هناك فرصة تاريخية لكى تصبح للشعوب العربية كلمة مسموعة وسط ضجيج الأحداث وصخب المعارك.. ولأنه لا أحد يعلم إلى أين تمضى الأحداث ومن يتصدر الساحة ومن يختفى.. ولأن كل الأطراف تبحث عن مكان لها وسط هذا الفراغ.. ولأن العالم العربى خارج السياق رغم أن لديه أوراقاً كثيرة تعطيه الفرصة أن يكون مؤثراً وصاحب دور ومكانة..

ــــ فإن الشيء المؤكد أن أمام الشعوب العربية فرصة تاريخية لكى تشارك فى الأحداث وتكون طرفا فيها، وربما أصبح لها نصيب فى سوق الغنائم إذا جاء وقت لتوزيع الوليمة لكى يكون العالم العربى مهيأ لأن يكون صاحب دور فيه.. لا أحد يعرف أين تمضى الأحداث وهل يطول زمن الحرب الروسية الأوكرانية وما هى التوابع بعد ذلك وأين نحن منها إن السؤال الآن ما هو موقف العالم العربى وماذا لديه من أوراق..

ــــ أولاً: لابد أن يدرك قيمة ما لديه من الأوراق وهى البترول والأموال والقوة البشرية.. إن هذه الثلاثية هى التى تضع العالم العربى فى صدارة الأحداث بجدارة.. إن البترول الآن سيد العالم والمال العربى سيد الثروات والقوى البشرية حتى وإن كانت بعضها معطلة مازال لها دور ومكانة، لأننا لا يمكن أن نتجاهل كتلة بشرية تحتل قلب العالم وتملك أغلى ثرواته.. من حيث الظاهر فإن الشعوب العربية قوة لا يستهان بها بشرا وأرضا ومكانا ولكن فى المقابل هناك ثلاثية حائرة تحد من انطلاق هذه الشعوب وهى للأسف الشديد تحمل أمراضا مزمنة ومستعصية.. وحتى تجد هذه الشعوب آفاقا للانطلاق لابد أن تواجه ثلاثية من التحديات يمكن أن نطلق عليها تحديات الإصلاح.. وربما اخترت كلمة الاصلاح بديلا للثورة لأن التجارب أثبتت أننا أمام نظم مستقرة ولن تسمح إلا بالإصلاح طريقا بعد أن ثبت أن الثورات فى عالمنا العربى قضية محسومة أمام واقع شديد القسوة يفرض هيمنته على الشعوب ولا تملك أمامه غير البحث عن وسائل أخرى حتى لو حققت نتائج محدودة..

ــــ ثانيا: هنا يصبح الإصلاح أفضل الطرق حتى لو كانت مكاسبه محدودة هنا أيضا تبدو أمامنا ثلاثية الإصلاح وهى تضم قضايا الإصلاح السياسى والإصلاح الاقتصادى والإصلاح الدينى.. إن الإصلاح السياسى يعنى مزيدا من الحريات والإصلاح الاقتصادى يعنى مزيدا من العدالة أما الإصلاح الدينى فيعنى الوعى والاستنارة والدين الصحيح من مصادره.. سوف أتوقف قليلا عند كل قضية من هذه القضايا.. إن الإصلاح السياسى بمفهومه الحقيقى لابد أن يقوم على حرية الإنسان واحترام آدميته وكرامته وحقه فى التعبير عن مواقفه وفكره.. ولم تكن الحريات قضية مطروحة فى الواقع السياسى العربى فى يوم من الأيام أمام عصور الاحتلال والاستعمار.. وقد بخلت على الشعوب العربية بأبسط حقوقها الإنسانية بما فيها الحريات السياسية، فلم تعرف الشعوب العربية تجارب حقيقية فى الحياة الحزبية أو الانتخابات الحرة أو حرية التعبير أو تداول السلطة إلا فى حالات نادرة باستثناء بعض التجارب القصيرة التى لم تكمل مسيرتها.. ولكى تصبح للشعوب العربية مكانة فى المستقبل لابد أن تعيد حساباتها من أجل حرية حقيقية وإصلاح سياسى..

ــــ ثالثا: لأن الإنسان أغلى ما تملك هذه الشعوب فى زمن اختلت فيه موازين الاقتصاد فى العالم تصبح ثروات الشعوب العربية مطمعا أمام أطراف كثيرة.. وهناك تاريخ طويل من نهب المال العربى حتى أصبح الآن يواجه أزمة كبيرة فى دول العالم حيث لا أمان ولا ضمانات ولا طريق للحماية.. إن الأموال العربية تتناثر الآن فى بنوك العالم ما بين أرصدة واستثمارات وعقارات ولا أحد يعلم إذا ارتبكت أحوال هذه الدول ووجدت نفسها أمام كوارث اقتصادية ربما فرضت عليها أن تستبيح المال العربى لديها.. وقد هددت بعض هذه الدول بذلك، ولا أحد يعرف حال المال العربى لدى دول العالم.. ومن هنا تصبح عودة المال العربى إلى أوطانه لأن الشعوب أولى بمال أوطانها..

ــــ رابعا: إن التعاون الاقتصادى العربى سيكون ضرورة أمام ما ينتظر الاقتصاد العالمى من مخاطر لا يتصور أحد أن تعانى بعض الدول العربية عدم توافر الغذاء والمال العربى حبيس البنوك الخارجية.. أو أن تكون هناك مساحات شاسعة من الأراضى والشعوب لا تجد القمح.. أو أن تنتشر المجاعات بين فئات الشعب وهناك فئات أخرى تعانى التخمة.. هنا يبدأ الإصلاح الاقتصادى فى استرداد المال العربى.. إن بداية الإصلاح الاقتصادى لا بد أن تكون فى مزيد من العدالة وتوزيع الأعباء وتوفير احتياجات الناس فى حياة كريمة.. إن أولى ضمانات حماية المال العربى أن يكون فى وطنه..

ــــ خامسا: نأتى إلى آخر الثلاثية وهى قضية الإصلاح الدينى وهى من أهم القضايا التى شغلت أهل الفكر والساسة ورجال الدين فى السنوات الأخيرة.. وبقدر ما أخذت من الجدل بقدر ما كانت نتائجها محدودة لأن الخلاف مازال كبيرا ووجهات النظر بعيدة أمام تعدد الآراء وتعارض المصالح.. إن آراء الساسة فى الإصلاح الدينى تنبع من مواقف مسبقة ترى أن السياسة لغة الدنيا وأن الدين طريق الآخرة وأن السياسة تعالج واقع الناس وأن الدين لله.. وهناك فريق آخر يرى أن الدين يعالج كل شئون الحياة بما فى ذلك كل أحوال البشر وانه ليس مجرد طقوس ولكنه أسلوب حياة وينبغى أن يحكم كل شيء.. هناك فريق ثالث يرى أن الإصلاح الدينى يعنى فصل الدين عن الحياة.. مازال الجدل والخلاف حول قضية الإصلاح الدينى وللأسف الشديد أنها أكثر القضايا التى أدت إلى انقسام الشارع العربى شعوبا وحكاما ورجال فكر ودعاة.. ويبدو أنها من القضايا التى شغلت الناس وربما شغلتهم لزمان قادم.. وإن كان اخطر ما فيها إنها قسمت الشعوب حتى وصلت إلى الأسرة الواحدة وكانت وراء الحرب الأهلية حين اشتعلت فى أكثر من مكان وأصبحت تمثل تهديدا حقيقيا لمستقبل هذه الأمة..

ــــ إن القضايا يطول الحديث عنها ما بين السياسة والمال والدين وكلها قضايا شائكة وتمثل أهمية فى حياة الإنسان العربى.. وهى الرصيد الذى يمكن أن يمنحه الحق فى أن يكون شريكا فى صنع المستقبل..

ــــ إن البشرية على أبواب واقع جديد لا احد يعلم مداه لأن الجميع يسعى إلى أن يكون له مكان فيه وعلينا أولا أن نتخلص من أمراض سبقت ونعالج قضايانا بشيء من الحكمة وما بين ثلاثية مضت وثلاثية أخرى تنتظر يقف الإنسان العربى متسائلا ترى أين سيكون مكاني؟.. إن الحرية فى بعض أجزاء العالم العربى طيف غائب والمال العربى فى خطر والإنسان العربى يستحق حياة أكثر آدمية وكرامة وقبل هذا كله هناك عالم جديد يتشكل الآن إما أن نكون جزءا فيه او يجرفنا الطوفان، ولن يبكى علينا احد، والإصلاح هو بداية الطريق ونهاية الكارثة.

ــــ تبقى بعد ذلك قضية قد تبدو بعيدة ولكنها تحرك أشياء كثيرة وهى علاقات العالم العربى بالقوى الدولية الأخرى سواء بقيت فى المشهد أم غابت عنه.. وهنا يصبح تنسيق المواقف ضرورة حتى لا تجد الدول العربية نفسها أمام صراعات قد تصبح طرفا فيها وبدلا من أن تتوحد كلمتها تزداد انقساما وهذا ما نراه الآن أمام تعارض المصالح واختلاف المواقف وما يترتب على ذلك كله من انقسامات سياسية وتجاوزات مجحفة بين من يملكون ومن لا يملكون.. ثم تجيء الخلافات بل والصراعات الدينية وقد فتحت أبواب الحروب الأهلية بين أبناء الشعب الواحد وهى الكارثة الكبرى..

..ويبقى الشعر

لن أقبلَ صمتَكَ بعد اليومْ

لن أقبل صمتي

عمرى قد ضاع على قدميكْ

أتأمّل فيكَ..وأسمع منك..

ولا تنطقْ..

أطلالى تصرخُ بين يديكْ

حَرّكْ شفتيكْ..

اِنطِقْ كى أنطقْ..

اصرخْ كى أصرخْ..

ما زال لسانى مصلوبا بين الكلماتْ

عارٌ أن تحيا مسجوناً فوق الطرقاتْ

عارٌ أن تبقى تمثالاً

وصخورا تحكى ما قد فاتْ

عبدوكَ زمانا واتّحدتْ فيكَ الصلواتْ

وغدوتَ مزارا للدنيا

خبّرنى ماذا قد يحكي، صمتُ الأمواتْ!

ماذا فى رأسكَ..خبّرني!

أزمانٌ عبرتْ

وملوكٌ سجدتْ

وعروشٌ سقطتْ

وأنا مسجونٌ فى صمتكْ

أطلالُ العمرِ على وجهي

نفسُ الأطلالِ على وجهكْ

الكونُ تشكّلَ من زمنٍ

فى الدنيا موتى..أو أحياءْ

لكنكَ شيءٌ أجهلهُ

لا حيٌّ أنتَ.. ولا مَيّتْ

وكلانا فى الصمتِ سواءْ

أَعْلنْ عصيانَكَ.. لم أعرف لغةَ العصيانْ

فأنا إنسان يهزمنى قهرُ الإنسانْ

وأراكَ الحاضرَ والماضي

وأراكَ الكُفرَ مع الإيمانْ

أَهربُ فأراكَ على وجهي

وأراكَ القيدَ يمزّقني

وأراكَ القاضيَ..والسجّانْ!.

اِنطقْ كى أنطقْ

أصحيحٌ أنكَ فى يومٍ طفتَ الآفاقْ

وأخذتَ تدور على الدنيا

وأخذتَ تغوصُ مع الأعماقْ

تبحث عن سرّ الأرضِ

وسرِّ الخلقِ.. وسرّ الحبِّ

وسرِّ الدمعِة والأشواقْ

وعرفتَ السرَّ ولم تنطقْ؟

ماذا فى قلبكَ؟ خبّرني!

ماذا أخفيتْ؟

هل كنتَ مليكاً وطغيتْ

هل كنتَ تقيّاً وعصيتْ

رجموكَ جهاراً

صلبوكَ لتبقى تذكارا

قل لى من أنتْ؟

دعنى كى أدخلَ فى رأسكْ

ويلى من صمتي!.من صمتكْ!

سأحطِّمُ رأسكَ كى تنطقْ..

سأهشّمُ صمتَكَ كى أنطقْ!

أحجارُكَ صوتٌ يتوارى

يتساقطُ منى فى الأعماقْ

والدمعةُ فى قلبى نارٌ

تشتعل حريقاً فى الأحداقْ

رجلُ البوليسِ يقيُّدنى.

والناسُ تصيحْ:

هذا المجنونْ

حطَّمَ تمثالَ أبى الهولْ

لم أنطق شيئاً بالمرّه

ماذا..سأقولْ؟.

ماذا..سأقولْ!

قصيدة “وكلانا فى الصمت سجين” سنة 1989

نقلا عن الأهرام