في مقالي الأسبوعي منتصف فبراير (شباط) الماضي، طرحت تساؤلاً كبيراً ما زالت النقاشات تحتدم حوله، “أما زال السلام ممكناً؟” أم أن اليمن محكوم بجولات صراع متجددة، تنبئ بأن رغبة الاحتراب والتصعيد ما زالت جياشة ومهيمنة على المشهد العام في هذا البلد.
ويصب هذا التوجه لصالح أمراء الحرب وخطابهم الترويجي لبضاعتهم مضمونة العوائد، مقابل صوت خفيض يطالب بالسلام، سرعان ما تسكته قرقعة البنادق ودعوات الحسم والمدافعين عن نظرية أن مزيداً من الحرب هو السبيل الأمثل إلى السلام في اليمن.
ويتضح في السنة الثامنة للنزاع اليمني، أن دُعاة الحرب ما زالوا يحاولون إقناع الجميع بأن حرب السنتيمترات المستعادة هنا وهناك ستوصل اليمن إلى النصر المبين. فهل أن السنة الثامنة لا تشبه السنوات التي خلت، هل أن مؤشرات الإجهاد العام باتت بادية على الأطراف، أم أنها استراحة محارب ألف الحرب ولن يألف غيرها؟
لكن السنة الثامنة جلبت معها مقاربة جديدة للتحالف في الأزمة اليمنية، تكشفت بعض عناصرها وما زالت العناصر الأخرى تشهد مخاض التحضيرات التي تسبق الإشهار، وربما أظهرت الأسابيع أو الأشهر المقبلة المزيد منها، ضمن رؤية لإنهاء النزاع اليمني في إطاره الخليجي والعربي.
فقد تحقق التحالف من أن مواصلة الاعتماد على شركاء متنافرين ومتناحرين، لا يمكن إلا أن يعمق حال الشلل في الأزمة اليمنية، بالتالي تكلفتها المؤلمة، وأنه لا سبيل إلا بفرض صيغة للتعايش بين من كانوا بالأمس “الإخوة الأعداء”، فكان “الرياض 2″، وأسدل الستار على حال الشلل الذي أصاب مشروع استعادة الدولة والتي كان سببها الرئيس، مؤسسة الرئاسة.
واليوم، بعد مرور شهر من “الرياض 2″، ما زال الوقت مبكراً للحكم على المتغيرات نظراً لطبيعة المهام والتحديات الجسام التي تنتصب في وجه مجلس القيادة الرئاسي، لكن الوقت ترياق خطير، فهو كالسيف إن لم تقطعه قطعك.
وقطعاً، فأنا في مساحة هذا الأسبوع، لا أبتغي مناقشة التحديات الكبيرة التي تنتصب أمام مجلس القيادة الرئاسي، وربما أفسحت مساحة أخرى لمناقشتها، بعد أن تخرج إلى النور الخطوات الأولى للعهد الجديد، والتي يمكن من خلالها استشراف الوجهة التي ستسير عليها القيادة الجديدة والآلية التي سيتم اتباعها للتعاطي مع ركام هائل من الاختلالات التي شهدتها السنوات السابقة في ظل سيادة الشلل العام وغياب الدولة وفساد الإدارة وتفسخ مؤسسات الدولة لصالح ما يمكن تسميته بدولة “الكانتونات”.
سيناريوهات الطريق القادم
ربما كان استشراف بدائل ما يمكن أن يحدث خلال الأشهر المقبلة هو أفضل الخيارات لدينا، فالكل يراهن على حكمة القائد الذي تولى هذه المهمة في ظروف استثنائية، على تحقيق ما يشبه المعجزة، وربما عدنا بعد أشهر لنقول إن المعجزات ما زالت ممكنة الحدوث في واقعنا اليمني بفضل وجود رجال استثنائيين، أو قد لا يكونون كذلك، فهم في نهاية المطاف بشر خطاؤون، وربما حققوا البعض اليسير من تطلعات السكان في اليمن، وتوقعات الشركاء الذين لا يألون جهداً لرؤية بصيص النور في نهاية النفق اليمني المظلم.
لكن في نهاية المطاف ربما شكل القليل من الحركة إنجازاً فارقاً يخرجنا من حال الشلل العام الذي كنا نرتع فيه خلال السنوات السبع الماضية. ويتطلع المراقبون إلى أن يسود المزاج التوافقي التشاركي المراعي للخصوصيات تحت مظلة المصالح المشتركة، الذي طبع الأيام الأولى من العهد الجديد، وأن يتم البناء عليه، وهو ما سيعود بالتأكيد بنتائج إيجابية على المشهد العام.
هذا، مع يقين الكثيرين بأن تجربة القيادة الجماعية، هي تجربة صعبة للغاية، ولم يعتد عليها اليمن، وربما أفسحت الطريق لمزيد من الفساد وتفسخ الدولة وتوزيع المصالح والمنافع، مقابل زيادة انسحاق الوضع الإنساني، ومزيد من التنافر والاشتباك، وصولاً إلى التمكين القانوني لفكرة الدويلات أو الكانتونات التي التأم “الرياض 2” ضدها ومن أجل صون وحدة الصف الوطني.
أبرز التحديات أمام العهد الجديد تتمثل في انسجام مكونات الدولة في الداخل على قاعدة القواسم المشتركة واحترام خصوصية الوضع في المناطق الجنوبية، والدور الذي يلعبه المجلس الانتقالي الجنوبي والإدارات المحلية. وكنت فيما مضى قد اقترحت توفير مساحة صحية لكل من الإدارة المركزية والمحلية بما يحول دون الاشتباك، وربما تحقق ذلك في إخراج مؤسسات الدولة الاتحادية/ المركزية وأفراد مساحة جغرافية مستقلة لها.
ودار نقاش مستفيض حول هذه الفكرة في الماضي، وتم بحث البدائل الممكنة بخصوصها، وهي ترتبط بضرورة توفير الأمن اللازم لمؤسسات الدولة السيادية وعدم تعريضها للأهواء الوقتية لبعض التيارات، وتجنب استهدافها من قبل قوى الإرهاب التي دبت فيها الحياة أخيراً، وهي تعمل وفق نظام الدفع المسبق.
من جانب آخر، من المؤسف أن النبرة الإلحاقية ما زالت هي السائدة عند معظم الأطراف، سواء المشاركة في المشهد أو تلك المتربصة به، والتي تم إقصاؤها بشكل أو بآخر، والتي تقرأ التوافقات الوطنية باعتبارها انتصاراً حتمياً لها ولأجندتها وتبني عليها شحناً لاتباعها، وصولاً إلى الاشتباك والعودة إلى المربع الأول بعنوانه الكبير المتمثل بالعنف.
أما ما يتعلق بالاحتمالات المشرعة أمامنا، فهي متعددة ومتداخلة، وربما يغذي بعضها بعضاً، لكن أبرز عناوينها تتمثل في الهدنة السارية اليوم على الرغم من كل التجاوزات والتلكؤ الواضح في تنفيذ بنودها. ويرى المراقبون أن أفضل الخيارات أمام الأطراف تتمثل في تمديد الهدنة الحالية، ومباشرة تنفيذ التزاماتها، ومحاولة تجاوز العقبات بطريقة تعزز الثقة بين الأطراف، ولاحظ المراقبون بإيجابية التصريحات الأخيرة لرئيس مجلس القيادة بهذا الصدد.
وربما سيكون من اللازم أن يتقدم مكتب المبعوث الدولي ببعض الأفكار التي يمكن البناء عليها لتطوير مقاربات أكثر نجاعة وجاذبية لاستمرارية الهدنة واستدامتها، وهذا قد لا يعني بالضرورة الوصول إلى إعلان وقف العمليات العسكرية أو إنهاء النزاع، فكلها مراحل مستقلة ودقيقة في القانون الدولي، سيأتي تناولها بالتفصيل في وقتها.
نقلا عن اندبندنت عربية