تستضيف المغرب خلال شهر مايو الجاري، اجتماع التحالف الدولي لمواجهة “داعش”، في سياق الاجتماعات الدورية لدول التحالف لمتابعة جهود مكافحة الإرهاب، وتحديداً تنظيم “داعش”، إذ تستضيف بعض الدول هذه الاجتماعات حسب التنسيق بين الدول الأعضاء في التحالف. وعلى الرغم من تحديد استضافة المغرب لهذا الاجتماع المرتقب المقرر (11 مايو)، منذ ديسمبر العام الماضي، خلال اجتماع سابق للتحالف الدولي، إلا أن الاجتماع يكتسب أهمية إضافية في ظل عدد من السياقات والمستجدات على المشهدين الأمني والسياسي في إفريقيا خلال الأشهر القليلة الماضية.
سياقات محفزة
يبرز عدد من السياقات المحفزة لاستضافة المغرب اجتماع التحالف الدولي في هذا التوقيت، بعضها ساهم في تعقيدات المشهد الأمني في إطار مكافحة الإرهاب، وهي كالتالي:
1- التعاون بين المغرب وأمريكا في مجال مكافحة الإرهاب: تستمر عمليات التنسيق الأمني المشتركة بين أمريكا والمغرب في مكافحة الإرهاب بشكل ثنائي، إذ أسفرت تلك الجهود عن إحباط مخططات إرهابية في كلا البلدين، عن طريق التعاون بين مصالح المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني (الاستخبارات المغربية) والمصالح الأمنية والاستخباراتية الأمريكية، كان آخرها إعلان المكتب المركزي للأبحاث القضائية في المغرب إحباط مخطط إرهابي والقبض على أحد العناصر الموالية لتنظيم “داعش”، وبدا أن ثمة اهتماماً أمريكياً بالتعاون مع المغرب خلال الإدارة الأمريكية السابقة في عهد دونالد ترامب، بعد تحجيم نشاط ونفوذ “داعش” في نطاق القيادة المركزية (العراق وسوريا)، وكان أحد مؤشرات هذا الاهتمام لقاء جمع وزير الخارجية الأمريكي السابق مايك بومبيو، بالمدير العام للمديرية العامة للأمن الوطني عبد اللطيف حموشي، خلال زيارته الرسمية للمغرب عام 2019.
2- تصاعد النشاط المتطرف في غرب إفريقيا والساحل: يأتي الاجتماع المرتقب على وقع تصاعد في النشاط المتطرف لتنظيمات إرهابية، وبالأخص تنظيم “داعش” ومجموعات مرتبطة بتنظيم “القاعدة” في غرب إفريقيا ومنطقة الساحل، إذ تشير بعض التقديرات إلى أن منطقة الساحل تصدرت ترتيب عدد العمليات الإرهابية خلال عام 2021، وسجلت أحداث العنف المبلغ عنها في منطقة الساحل نحو 2005 بعدما كانت 1180 عام 2020، وفقاً لإحصائيات مشروع بيانات النزاعات المسلحة “ACLED”، وخلال العام الجاري أدخل تنظيم “داعش” تغييرات هيكلية على فروعه في إفريقيا، بتأسيس “ولاية الساحل” لتكون فرعاً مستقلاً عن الفرع المسمى “ولاية غرب إفريقيا”، في سياق إعادة التموضع، بعد تراجع نشاطه في منطقة الساحل خلال النصف الثاني من العام الماضي، كما أن فرع “غرب إفريقيا” يشهد نشاطاً متزايداً منذ مطلع العام الجاري، متصدراً أفرع “داعش” من حيث عدد العمليات.
3- الصدام المتزايد بين فرنسا والسلطة الانتقالية بمالي: منذ نهاية شهر أبريل الماضي ومطلع شهر مايو الجاري، تصاعدت حدة الخلافات بين فرنسا والسلطة الانتقالية في مالي، على خلفية الكشف عن مقبرة جماعية، واتجاه أصابع الاتهام للقوات الفرنسية العاملة في مالي، بعد توترات بين الطرفين منذ العام الماضي. وفي (3 مايو 2022)، أعلنت الحكومة الانتقالية إنهاء كافة الاتفاقيات والمعاهدات العسكرية مع فرنسا، والتي تنظم الوجود العسكري الفرنسي، وذلك من جانب واحد، بعدما اتهمت فرنسا باتخاذ قرار من جانب واحد لتعليق العمليات العسكرية المشتركة مع الجيش المالي، وسحب القوات دون أي تشاور مع الجانب المالي.
4- انخراط روسي متزايد في منطقة الساحل الإفريقي: في مقابل الخلاف بين فرنسا والسلطة الانتقالية في مالي، فإن ثمة انخراطاً روسياً متزايداً في تلك المنطقة، بتعاون وثيق بين موسكو والسلطة الانتقالية، عن طريق اتفاق لنشر عناصر من مجموعة “فاغنر” العسكرية الروسية، خاصة وأن بعض التحليلات الغربية تشير إلى وجود عناصر روسية بعد تجهيزات لاستقبالها في شهر ديسمبر الماضي، اعتماداً على تحليل صور للأقمار الصناعية، التي تشير إلى تجهيز معسكر لهذه العناصر، كما أن روسيا أخذت خلال الشهرين الماضيين على عاتقها تقديم دعم للسلطة الانتقالية، رغم الانشغال بالأزمة الأوكرانية، لتعزيز نفوذها في تلك المنطقة.
دلالات مهمة
ويمكن تحديد أبرز دلالات استضافة المغرب لاجتماع التحالف الدولي لمواجهة “داعش”، في ظل عدد من السياقات التي سبقت الإشارة إليها، كالتالي:
1- تعزيز دور المغرب إقليمياً ودولياً: يعكس استضافة المغرب لاجتماع التحالف الدولي رغبة في تعزيز مكانة المغرب عبر الانخراط بشكل متزايد في مجال مكافحة الإرهاب. وبعيداً عن التهديدات الأمنية المرتبطة بنشاط التنظيمات والجماعات المتطرفة، فإن ملف الإرهاب بات يُعد أحد عوامل تعزيز الدور والمكانة، باعتباره مدخلاً مهماً للتعاون بين الدول، خاصة على مستوى بعض الدول التي تواجه أزمة في تحجيم النشاط الإرهابي بغض النظر عن عوامل هذه الأزمة، كما يمكن فهم أبعاد هذه الاستضافة في ضوء العلاقات المتنامية بصورة ملحوظة بين أمريكا والمغرب، عقب توقيع الاتفاقيات الإبراهيمية، كأحد عوامل دعم أمريكا لاستضافة المغرب لهذا الاجتماع.
2- حليف موثوق إقليمياً لمواجهة الإرهاب: في ظل دور المغرب الداعم لمكافحة الإرهاب العابر للحدود، بالمشاركة في إحباط مخططات إرهابية خارج أراضيها مثل التعاون مع إسبانيا سابقاً، إضافة إلى أمريكا، فضلاً عن العلاقات السياسية؛ فإن المغرب تُعد حليفاً إقليمياً موثوقاً في دعم جهود مكافحة الإرهاب، ويتماشى هذا مع التوجه الأمريكي في تعزيز دور الحلفاء الإقليميين في مكافحة الإرهاب، بما يقلل من الانخراط العسكري الأمريكي في عدة بؤر تشهد نشاطاً إرهابياً متزايداً، وتُبدي المغرب استعداداً للعب دور أكبر في ملف الإرهاب في منطقة الساحل خلال الفترة الماضية، إذ تستضيف مجموعة التفكير حول إفريقيا، وهي مؤسسة فكرية إفريقية برئاسة مشتركة من المغرب والنيجر وإيطاليا والولايات المتحدة، تهتم بتحليل النشاط الإرهابي، كما أن المغرب تحتل موقعاً متميزاً في منطقة الساحل، بما يمكنها من لعب دور عسكري في ظل الحديث عن إمكانية استخدام القواعد الجوية لاستهداف التنظيمات الإرهابية حال الحاجة لذلك.
3- موازنة الوجود الروسي المتزايد في منطقة الساحل: يمكن فهم استضافة المغرب للاجتماع المرتقب للتحالف الدولي، في سياق جهود أمريكية غربية لموازنة الوجود الروسي المتزايد في الساحل الإفريقي، عن طريق زيادة الانخراط على مستوى بعض الدول في المنطقة، واستغلال علاقات المغرب مع دول الجوار لمواجهة النفوذ الروسي، الذي قد يتخطى الوجود الروسي عن طريق مجموعة “فاغنر” في مالي، إلى التحرك على مستوى دول أخرى في المنطقة، مع اتجاه موسكو إلى عدم اتخاذ موقف رافض أو ضاغط على السلطات الانتقالية عقب الانقلابات العسكرية في إفريقيا، خلافاً للموقف الأمريكي والأوروبي.
4- التخوف من الارتدادات العكسية للنشاط الإرهابي: يبدو أن الاهتمام المغربي المتزايد بالانخراط في مكافحة الإرهاب، يرتبط بشكل مباشر بالتخوف من الارتدادات العسكرية للنشاط الإرهابي في غرب إفريقيا عموماً ومنطقة الساحل خصوصاً على الداخل المغربي، ولذلك تسعى الأجهزة الأمنية المغربية لتوجيه ضربات استباقية لملاحقة وإحباط أي مخططات إرهابية لاستهداف الاستقرار الداخلي، كما أن ثمة ارتدادات غير مباشرة للنشاط الإرهابي ترتبط بتأثيرات حالة عدم الاستقرار الأمني المرتبطة بالنشاط الإرهابي في دول الجوار، على حالة الاستقرار في منطقة الساحل وغرب إفريقيا بشكل عام، بما يؤدي إلى أزمات اقتصادية واجتماعية متزايدة، ويمثل تهديداً لمصالح دول منطقة الساحل وغرب إفريقيا.
5- استمرار الانخراط في التوجه نحو إفريقيا: يمثل اجتماع التحالف الدولي في المغرب، استمراراً للتوجه الأمريكي ودول التحالف الدولي بالانخراط في ملف مكافحة الإرهاب في إفريقيا، بعد النشاط المتزايد للتنظيمات الإرهابية، في ظل عوامل محفزة لهذا النشاط، بعضها يتعلق بعدم الاستقرار السياسي وضعف القدرات العسكرية والأمنية والأوضاع الاقتصادية المتردية، ويتضح أن التحالف الدولي يسعى لدعم جهود الدول الإفريقية في مكافحة الإرهاب، وهو ما جاء في بيان التحالف عقب اجتماع عُقد في يونيو 2021، حيث “عبّر التحالف عن التزامه بالعمل مع الدول المتضرّرة لمعالجة التهديدات التي يشكلها تنظيم داعش في إفريقيا لضمان الهزيمة العالمية الدائمة للتنظيم بناءً على طلب وموافقة مسبقة من الدول المعنية”، كما أن التحالف يسعى لضم دول إفريقية جديدة، منها ما تم الإعلان عنه في اجتماع يونيو الماضي: جمهورية إفريقيا الوسطى، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وموريتانيا.
درء التهديدات
أخيراً، فإن استضافة المغرب لاجتماع التحالف الدولي لمواجهة “داعش” يعكس رغبة في زيادة الانخراط في ملف مكافحة الإرهاب بإفريقيا، خلال الفترة المقبلة، لتحقيق أهداف متعددة، بعضها يتعلق بالأبعاد الأمنية وحالة الاستقرار في منطقة غرب إفريقيا بشكل عام وفي الساحل الإفريقي بشكل خاص، خاصة مع تصاعد النشاط الإرهابي في العام الماضي وتحديداً في الساحل، إضافة إلى محاولات تنظيم “داعش” إعادة التموضع في المنطقة بتأسيس “ولاية الساحل”، بما يُشكل تحدياً أمنياً كبيراً.