وافق برلمان النيجر، في 22 أبريل الجاري، على نشر قوات أجنبية، لمحاربة التنظيمات الإرهابية. وهو ما يثير تساؤلات حول أسباب وعوامل موافقة البرلمان النيجري على نشر قوات أجنبية على أراضيه في هذا التوقيت. إذ تستضيف النيجر قوات أجنبية من العديد من الدول الغربية، ولا سيما من الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا. وتقوم القوات الأمريكية بتدريب وتجهيز قوات الأمن النيجرية منذ عام 2002 في إطار برامج عسكرية مختلفة. وقد أقامت الولايات المتحدة قاعدة للطائرات بدون طيار في منطقة أغاديز. ومنذ أوائل عام 2018، عززت ألمانيا وجودها في البلاد من خلال بناء قاعدة عسكرية هناك، وهي بمثابة قاعدة لوجستية لمساعدة بعثة الأمم المتحدة في مالي. فضلاً عن وجود عسكري إيطالي يركز بشكل أساسي على السيطرة على تدفقات الهجرة.
أما فرنسا فلديها قاعدة عسكرية في نيامي، وتضم القاعدة الجوية الأساسية لمهمة “برخان” مدعومة بست طائرات بدون طيار من طراز “ريبر”، وسبع طائرات حربية من طراز ميراج، إلى جانب وحدة مقاتلة تكمل الوحدة العسكرية الفرنسية بالقاعدة التي تقع قرب المنطقة المعروفة بالحدود الثلاثة (مالي، بوركينافاسو، النيجر).
نقطة ارتكاز
ولذلك، يتوقع أن تتحول النيجر إلى نقطة ارتكاز للاستراتيجية الفرنسية والأوروبية الأمنية في المنطقة، وخاصة بعد توتر العلاقات الفرنسية والأوروبية مع الحكومة الانتقالية في باماكو بعد تطوير الأخيرة لعلاقاتها العسكرية مع روسيا، واستقدامها عناصر من قوات فاغنر للمشاركة في عمليات مكافحة الإرهاب، وهو الأمر الذي عارضته العديد من الدول الأوروبية، ولا سيما الدول التي تشارك بقوات في عمليات مكافحة الإرهاب، خصوصاً قوة برخان والقوة الأوروبية الخاصة المعروفة بـ”تاكوبا”. وقد أعلنت النيجر بالفعل، منذ فبراير الماضي، عن ترحيبها باستضافة القوات الأوروبية والفرنسية التي سيتم سحبها من مالي.
ويُعد إعلان البرلمان النيجري عن موافقته على استضافة القوات الأوروبية المنسحبة من مالي تطوراً هاماً يعكس بوضوح تأييد الحكومة النيجرية للجهود الأوروبية في مكافحة الإرهاب، وهو ما يمكن تفسيره في ضوء العوامل التالية:
معارضة فاغنر
1- الموقف الأوروبي المعارض لوجود فاغنر في المنطقة، لا سيما في مالي، حيث أعلن الاتحاد الأوروبي عن تعليق بعثته لتدريب الجيش المالي، في 11 ابريل الجاري، وجاء ذلك بعد أشهر قليلة من إعلان الرئيس الفرنسي في التاسع من يوليو الماضي، خلال القمة الافتراضية مع زعماء دول الساحل، التي حضرها رئيس النيجر، خارطة طريق انسحاب القوات الفرنسية من مالي، معلنا غلق القواعد العسكرية الفرنسية في كل من كيدال وتومبوكتو وتيسالي في شمال مالي، فضلا عن تقليص عدد القوات الفرنسية.
مواجهة موسكو
2- توافق وتفاهم أوروبي مع النيجر لمواجهة النفوذ الروسي، حيث تعد النيجر من أهم الدول المعارضة لنشر قوات فاغنر في المنطقة، وهو ما زاد من توتر علاقاتها مع المجلس العسكري في مالي، ففي 11 يوليو الماضي، وبعد ساعات من انتقاد الرئيس بازوم “استيلاء الجيش المالي على السلطة”، استدعت الخارجية المالية، سفير النيجر للاحتجاج على تصريحات الرئيس بازوم، حيث قال بازوم: “من سيواجه الحركات المسلحة ويحفظ الأمن إذا كان الجنرلات يصبحون رؤساء ووزراء”. وأضاف رئيس النيجر أن “الجيش استولى في مالي مرتين على السلطة عندما فشل على الأرض”، مشدداً على أن هذا الأمر “غير مقبول”.
عقيدة بازوم
3- طموحات الرئيس بازوم في تعزيز سلطته في الداخل، حيث يسعى بازوم، الذي تولى رئاسة النيجر في الثاني من أبريل الماضي، إلى تعزيز دور النيجر في منطقة الساحل، ولا سيما في جهود مكافحة الإرهاب، وذلك من خلال تعزيز علاقاته مع فرنسا والدول الأوروبية، فضلاً عن رغبة بازوم في الاستعانة بالدعم الأوروبي في مواجهة أي محاولة من الجيش للاستيلاء على السلطة كما حدث في مالي، وخاصة بعد تعرض بازوم لمحاولة انقلاب على سلطته في 31 مارس من العام الماضي وقبل يومين من تنصيبه رئيساً للبلاد. ولذلك، يستغل الوضع السياسي في مالي وتوتر العلاقات الأوروبية مع باماكو في تعزيز سياسته الداخلية والخارجية.
ومن ثم يُعد الرئيس بازوم من أهم المدافعين والمؤيدين للسياسة الفرنسية في المنطقة، حيث حذّر في أكثر من مناسبة من خطورة مغادرة القوات الفرنسية المنطقة، وذكر في تصريحات سابقة (في 26 نوفمبر الماضي) “أن اليوم الذي يُغادر فيه الفرنسيون غاو (شمال مالي)، ستحل فيه الفوضى، وسكان غاو يعرفون ذلك على أي حال”. كما أشاد الرئيس بازوم بتدريب وتجهيز 12 كتيبة من القوات الخاصة في الجيش النيجري من قبل الولايات المتحدة وبلجيكا وألمانيا وكندا وفرنسا. وقال إن هذه القوات الخاصة ستجعل من الممكن إقامة “توازن قوى في مواجهة عدونا”.
تأييد نيابي
4- دعم الأغلبية داخل البرلمان لسياسة الرئيس بازوم، حيث وافق برلمان النيجر بالأغلبية (131 صوتاً مقابل 31) على نشر قوات أجنبية، ولا سيما الفرنسية، لمحاربة التنظيمات الإرهابية. وكانت نتيجة التصويت شبه محسومة، إذ إن الحزب الحاكم بقيادة الرئيس محمد بازوم يتمتع بأغلبية 135 نائباً من أصل 166 يتألف منهم مجلس النواب. وقد أشار رئيس الوزراء، أوهومودو محمدو، في 22 أبريل الجاري، وبعد موافقة البرلمان على نشر القوات الأجنبية، إلى أن “نسج شراكات جديدة لا يمسّ بأي شكل من الأشكال بسيادتنا على ترابنا الوطني”، مذكراً بأن النيجر “شبه مطوقة بالجماعات المسلحة الإرهابية”.
هجمات متنامية
5- الهاجس الأمني لدى النيجر جراء الهجمات الإرهابية المستمرة، ولا سيما مع تنامي الهجمات الإرهابية في المناطق الحدودية والريفية. وقد ارتفع مؤشر العمليات الإرهابية في النيجر بنسبة 52.9%، وبالتالي ارتفع عدد الضحايا في عام 2021 بنسبة 73% مقارنة بــعام 2020، وشهدت البلاد نحو 50 عملية إرهابية أسفرت عن مقتل أكثر من 775 شخصاً وإصابة ما يزيد على 120 آخرين، إضافةً إلى اختطاف نحو 25 آخرين. ولذلك كتب بازوم، في 18 فبراير الماضي، على تويتر: “يرحب بشكل خاص بقوات تاكوبا لأن لها مزايا كبيرة”، حيث قال إنها “قوات خاصة لديها قدرات تستجيب للتهديد الذي تشكله التنظيمات الإرهابية”. وأضاف أن “هذه القوات ستؤمن المنطقة الحدودية للدولة الواقعة في غرب إفريقيا”.
تحديات ضاغطة
إجمالاً، يمكن القول إنه برغم موافقة البرلمان النيجري بالأغلبية على نشر قوات أجنبية في البلاد، وبرغم أن الرئيس النيجري محمد بازوم قد أيد علانية وجود القوات الأجنبية لمساعدة القوات النيجرية، ووعد البرلمان في فبراير بأنه سيضع أي “ترتيبات” جديدة للتصويت رداً على الانتقادات المحلية؛ إلا أنّ الوجود العسكري الأجنبي لا يزال يواجه تحدي تمدد المشاعر المعادية له في منطقة الساحل، وخاصة مع استمرار معارضة منظمات المجتمع المدني والمعارضة السياسية النيجرية التي ترى أن بناء قواعد عسكرية أجنبية في النيجر هو إجراء غير دستوري.